الجمعة ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم بوعزة التايك

أتركوني وشأني

لم أكن فظا مع حبيبتي ولا صارماً معها أصيح في وجهها صباح مساء ورغم ذلك هجرتني. كنت لها عاشقاً مجتهداً حافظاً لكل دروس الحب والتعلق بعرش الجمال الذي كانت ملكته. كنت لها نعم الحبيب الأليف أتبع خطواتها وأنفاسها أينما حلت وارتحلت. كنت لها بُلبُلاً أغرد حين تستيقظ وحين تنام وحين تكون بعيدة أو قريبة مني. كنت لها نعم الكتف تضع عليها رأسها كلما أحست بالتعب ورغم ذلك فارقت حياتي وأحلامي. كنت لها نعم اللباس ونعم الفارس أهزم من كان يريد بها شراً.

لم أكن فظاً معها إلا حينما كانت تنتقد أفكاري التقدمية وتتهكم على رفاق دربي الذين كانوا ينتظرونني على هامش المدينة للقيام بمظاهرة. لم أكن فظا معها إلا حينما كانت تستهزئ بي وأنا أتحدث عن جمال عبد الناصر. لم أكن فظا معها إلا حينما كانت تنصحني بإتمام دراستي الجامعية والاهتمام بمستقبلي.

كنت رقيقاً عاطفياً، سهل المراس، ليناً لا أرد لها طلباً. كنت معها بشوشا ودودا لا أجرحها ولا أخز كرامتها. كنت فقط أنهرها حينما كانت تحاول إقناعي بعدم جدوى النضال. كنت فقط أشتمها وأشتم جذور عائلتها حينما كانت تريد فرض ربطة العنق علي. كنت فقط أصفعها حينما كانت تضعني في موقف حرج فأعجز عن الرد على أسئلتها وتساؤلاتها.

لم أكن فظاً معها وحدها بل كنت فضا مع نفسي ومع تلاميذي. كنت فظاً مع البلبل الذي كان يشير لي إلى الطريق المليء بالأزهار والأغصان الذهبية. كنت فظاً مع كل صديق أكمل دراسته الجامعية وتسلق السلم الاجتماعي و تزوج وأنجب.

كنت فظاً مع كل زميل في العمل كان لا يصرخ في وجه المفتش ولا ينتقد طرقه التربوية. كنت فظاً مع كل رفيق تعب من النضال وأراد الاستراحة والشرب من عيني فتاة بدوية. كنت فظاً مع كل صديق لم يبذر أجرته في ليلة واحدة بحانات المدينة الرخيصة. كنت فظا، سفيهاً، خبيثاً، صارماً مع كل رفيق قديم أصبح مسئولا إدارياً أو حكومياً أو برلمانياً بدأ يظهر على شاشة التلفزيون.

كنت فظاً مع حبيبتي فهجرتني وخيراً فعلتْ لأنها كانت، لو لم تفعل، سترتكب أكبر خطأ في حياتها. كنت فظاً مع رفاق غيروا معاطفهم وأكبادهم وقلوبهم ولم يبالوا بانتقاداتي، وخيرا والله فعلوا لأن منهم من أنقذ عائلته من الجوع ومنهم من وجد حلا لابنه المعوق.

كنت فظاً مع حبيبتي وأصدقائي ورفاقي القدامى وسأبقى فظا مع كل حبيبة تتهكم علي وأنا أتذكر خطب وابتسامة بريق عيني ياسر عرفات. سأبقى فظاً مع كل صديق يقول لي إن القومية العربية والتقدمية كلمات لا معنى له. سأبقى فظاً مع كل رفيق قديم غير معطفه وطرق بابي لإهدائي معطفاً جديداً. سأبقى فظاً حتى ولو تواطأ الرفاق وانفضوا من حولي.

فظاً خلقتُ وفظا عشتُ وسأموت فظا لأن هذا قدري فاتركوني وشأني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى