الأربعاء ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

أحلام جامعية!!

لأن الواقع صعب ومرير يلجأ الإنسان إلى الخيالات والأحلام وربما الأوهام أحيانا ليسري بها عن نفسه، ويعزي من خلالها آماله التي طالها الإحباط. لكن الأحلام والتخيلات مصدر الإلهام وكذلك الإبداع. ولأن اليد قصيرة، والعين بصيرة، فإنني كغيري من الحالمين أغمض عيني كي أرى الأشياء والأشخاص من حولي كما يحلو لي، حيث لا قوة على وجه الأرض تستطيع منعي من تصور الواقع بإشكال وأحوال مختلفة.

ومن احدث أحلامي أن الأستاذ الدكتور البروفسور أفلاطون بن يونان الفيلسوف عالم الرياضيات ماغيره زارني في مكتبي! رايته في روب جامعي مهيب يحمل شعارا يمثل أكاديمية أثينا. أفلاطون بالنسبة لي صديق الدراسة ولذلك لم أتفاجأ بزيارته الشخصية إلى مكتبي المتواضع والذي يشاركني فيه اثنان من الزملاء وعشرات من الطلبة المراجعين الباحثين عن علامات وليس عن علم.

دعوته للجلوس، وعرضت عليه أن اشتري له كابوشينو من الكشك المجاور إن كان مفتوحا. لكنه رغب في شربة من الماء فقط. وسألني بعد أن أشعل غلبونا عن سبب حشري في مكتب قميء بعد ما يقارب من ثلاثين سنة شمسية من الخدمة. وتعجب أنني بعد أكثر من ربع قرن من العمل المخلص أن لا أحظى بمكتب يتوفر فيه ابسط ظروف الراحة أو الهدوء.

قال لي بأنه سمع عن زيادات مجزية، بل انه قرأها على النت. وحزن عندما علم إنني أفكر جادا بالهجرة للعمل في إحدى الجامعات الميسورة الحظ، وعرض علي أن يساعدني ويدبر لي واسطة من خلال احد معارفه في أكاديمية أثينا العريقة، وهي بالمناسبة أول معهد للتعليم العالي في العالم الغربي.

قال لي انه يتابع بحزن ما يجري على ساحة التعليم العالي، وخصوصا في العالم الثالث، وأكد لي إن ما نعاني منه هو صوره مشوهه لما يجب أن يكون عليه التعليم العالي عموما. وسألته عن احدث مؤلفاته، فأجاب بأنه بصدد نشر كتاب بعنوان " الجامعة الفاضلة". ووعد بان يرسل لي نسخة منه حال صدوره.

حزن صديقي أفلاطون كثيرا عندما عرف مقدار راتبي الحالي، وغضب عندما عرف أنني بالكاد أوفي بالتزاماتي العائلية الكثيرة. وقلت له ستحزن أكثر عندما ترى سيارتي الهرمة التي لا أتمكن من إصلاحها بشكل منتظم وخاصة بعد أن تعطل فيها نظام الديفروست على زجاجها الخلفي. قلت له إن الأمر مقدور عليه حيث اطلب من يجلس في المقعد الخلفي مسح الزجاج بيديه الكريمتين بين الحين والآخر عندما يأتي المطر ويشتد الضباب.

سألته عن معلمه سقراط وعن تلميذه أرسطو، وقال لي بأنهما بخير، واخبرني بان أرسطو يقضي إجازة التفرغ العلمي في إحدى الجامعات الخاصة، ليس من اجل العلم ولكن من اجل أن يحسن وضعه المادي. أما سقراط فقد اخبرني بأنه يئس من التدريس الجامعي ويفكر في فتح دكان لبيع السجائر وبطاقات الموبايل.

الحديث مع صديقي أفلاطون لا يمل حيث إنني راغب في توجيه ألف سؤال وسؤال له حول الكثير من الأمور التي تشغل بالي. شربنا الكابوشينو معا واعتذر مني لأنه في عجلة من الأمر. قال لي إن عنده محاورة ويجب أن يحضر لها. قلت له تقصد "محاضرة"، فابتسم وقال لي وهو يهم بالانصراف: " محاورة يا غبي". دعوته إلى تناول منسف لكنه اعتذر ووعد بزيارة ثانية.

اللهم اجعله خير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى