الأربعاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم محمد المستاري

التأثير الاجتماعي لوسائل الاتصال الجماهيري

يعتبر موضوع «التأثير الاجتماعي» لـ «وسائل الاتصال الجماهيري» [1] في العصر الراهن من بين أهم المواضيع، حيث أخذ اهتماما بالغا في علم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع، والاتصال، وذلك نظرا للتأثيرات الواضحة والخطيرة التي تتركها وسائل الاتصال الجماهيري على الأفراد والجماعات من خلال نظرياتها المتنوعة، والدعامات التي تعتمدها، والشروط التي توظفها في التأثير على المتلقي، حيث لم يبقى الفرد مؤثرا من طرف وسائل الإعلام فحسب، بل أصبح مستهدفا بأيديولوجياتها الاستهلاكية... فما طبيعة العلاقة بين التأثير الاجتماعي ووسائل الاتصال الجماهيري؟

المبحث الأول: التأثير الاجتماعي؛ مفهومه، مستوياته، مظاهره:

يعد التأثير الاجتماعي من بين أهم المفاهيم التي نالت الدراسات في المجال العلمي، ولا سيما في علم النفس الاجتماعي، فضلا عن علم الاجتماع، وذلك بحكم ارتباطه بالنسق الاتصالي.. فما هو إذن التأثير الاجتماعي، وما أنواعه، ومستوياته؟

أولا: مفهوم التأثير الاجتماعي:

يحدد التأثير الاجتماعي في تلك النتيجة الهامة التي تترتب على مرحلتي المواجهة والتبادل. ومعنى ذلك، أن الحديث عن التأثير الاجتماعي يفترض مرحلة أساسية وإستراتيجية، وهي التفاعل الاجتماعي باعتباره يتم بين طرفين أو جماعتين. وبعد هذه المرحلة والعلاقة الاتصالية الضرورية يحصل التأثير الاجتماعي، حيث نتحدث عن مُؤَثِِّّر ومُؤَثََّّر.

إذ الأول، هو ذلك الفرد أو تلك الجماعة التي اعتمدت القدرة على إثبات الصواب لديها عن طريق المهارة والبرهان...، في حين أن الثاني، هو ذلك الشخص أو تلك الجماعة المغيرة لسلوكها حيث انبهارها بصواب الطرف الآخر الذي أثر في سلوكها وجعلها تغير موقفها.

ويتميز التأثير الاجتماعي بكونه شرطا أساسيا يميز عملية التفاعل الاجتماعي، التي في تعريفها يظهر معنى التأثير. ويعرف التفاعل بأنه: «التقاء سلوك شخص أو مجموعة أشخاص مع سلوك شخص آخر أو مجموعة أشخاص آخرين في عملية توافق تبادلية، يترتب عليها أن يتأثر سلوك كل طرف بسلوك الآخر. حيث يكون سلوك أي منهما منبها أو مثيرا لسلوك الطرف الآخر»#.

ويعرف التفاعل الاجتماعي بصورة عامة، بأنه: «العملية التي يرتبط بها أعضاء الجماعة بعضهم مع بعض عمليا وواقعيا وفي الحاجات والرغبات والوسائل والغايات والمعارف».

أما إجرائيا، فالتفاعل الاجتماعي هو ما يحدث عندما يتصل فرد أو أكثر «وليس بالضرورة اتصالا ماديا ويحدث نتيجة لذلك تعديل السلوك»#.

ثانيا: مستويات التأثير الاجتماعي:

1- التأثير بين الأفراد#:

يظهر هذا النوع من التأثيرات عادة في العلاقات، مثل: علاقات الصداقة وعلاقات الزواج. فمثلا التأثير في علاقات الصداقة. وإن كان متبادلا، إلا ويكون أحدهم أقوى من الآخر تأثيرا، فمثلا الصديق «أ» يؤثر على صديقه «ب» لأن الأول مثلا له القدرة والمهارة في آلية التواصل، أو متفوق وناجح في حياته وما إلى ذلك من أشكال تؤثر. كما نجده في علاقات الزواج: الزوج يؤثر في زوجته نظرا لجديته وحسن تعامله، وقد تؤثر الزوجة في زوجها بحوارها الهادئ والهادف مثلا...

2- التأثير بين الأفراد والجماعات:

وفي هذا المستوى، نتحدث عن تأثير متبادل، بمعنى، قد يتأثر الفرد بالجماعة. كما قد يؤثر هو أيضا بدوره في الجماعة:

غير أنه في كثير من الأحوال يكون الفرد في موضع تأثر إذا كان في تجانس مع الجماعة، حيث نجده يتأثر بالسلوكيات السائدة التي يراها في العديد من الأشخاص الذين هم بدورهم يشكلون جماعة.. ومثال ذلك الطفل في وسط الأسرة يتأثر بكل فرد فيها.

وبالمقابل، قد يؤثر الفرد في الجماعة، وذلك واضح في مشاهد القيادة والرئاسة، حيث نجد الفرد يؤثر كلية على سلوكيات الجماعة ويترك صدى عميقا عليها، والتاريخ يدل على ذلك. مثل قيادة جمال عبد الناصر، وtchigivara، وهتلر. وهناك أيضا أمثلة أخرى كثيرة، تبين تأثير الفرد على الجماعة مثل تقليـدهم للفنانين والممثليـن والرياضيين، حيث نجدهم يقلدونهم في لباسهم، ومشيهم، وفي حلاقة شعرهم، وحتى في طريقة كلامهم وما إلى ذلك...

3- التأثير بين الأفراد ووسائل الاتصال الجماهيري:

يظهر هذا النوع من التأثيرات واضحا في كون وسائل الاتصال الجماهيري لها القدرة والاستطاعة من خلال نظرياتها المتنوعة، وذات الدراسات القبلية على تغيير موقف واتجاه سلوكيات الأفراد، بل وأن تأثيراتها أصبحت أكثر وضوحا وأشد خطورة ووطأة... وسنتعرض لهذا النوع أكثر تفصيلا في المبحث الثالث.

4- التأثير بين الأفراد والثقافة:

ويتجلى هذا النوع من التأثير في كون الفرد يتأثر بثقافة المجتمع السائدة، ذلك حيث لا نكاد نجد فردا ما يقوم بعادات وتقاليد من تلقاء نفسه، بل على العكس، نجده متأثرا بها ويحافظ عليها حتى في خروجه من وطنه نحو ثقافة وطن آخر. كما أن الثقافة تتأثر بالمجتمع لأنها أولا نابعة منه.

ثالثا: مظاهر التأثير الاجتماعي:

إن من أهم مظاهر التفاعل الاجتماعي كما يرى ذلك علماء النفس الاجتماعي، تقييم الذات والآخرين، وإعادة التقييم والتقويم المستمرين، بالإضافة إلى أن التأثير في التفاعل الاجتماعي يتوقف على شخصية الفرد ومكانته الاجتماعية. وتستخدم كلمة تقييم لتدل على الجانب الوجداني، أي تحديد نظام مشترك تقيم في ضوئه الحلول المختلفة ويشمل ذلك:

طلب الرأي والتقييم والتحليل والتعبير عن المشاعر والرغبات «ما شعورهم نحو المشكلة؟؟»، هل المشكلة مهمة؟؟ هل يمكن عمل شيء تجاهها؟؟، هل عمل هذا أو ذاك.؟؟. الخ.
ومن بين مظاهر التأثير الاجتماعي نشير فقط باختصار وجيز إلى:

1- التعاون: هو تفاعل بين شخصين أو جماعتين لتحقيق أشياء تصعب على الفرد إنجازها لوحده، وهو ضرورة من ضروريات الحياة.

2- التنافس: وهو خاصية إنسانية، يتم بين فردين أو جماعتين مثل تنافس التلاميذ في الحصول على النقطة الأولى. وهو خاصية إنسانية، ويمكن اعتبارها جزء من النسق الاجتماعي.

3- التوافق: وهو تواؤم وتكيف وتأقلم فردين أو جماعتين على فكرة أو مسألة ما، وتكون الحالة النفسية مستقرة. يظهر في هذا الشكل التماسك وتقديم العون والمساعدة..

4- الصراع: وهو عبارة عن شكل من أشكال التفاعل بين فردين أو جماعتين، ويتميز بالتوتر والانفعال والمقاومة من أجل الحصول على نفس الأشياء، ومثال ذلك، الصراع بين رياضيين من أجل الحصول على جائزة البطولة، أو فرق كرة القدم من أجل الحصول على كأس العالم. والصراع صفة إنسانية...

وفي الأخير يمكن القول أن التأثير الاجتماعي هو مرحلة جوهرية، لكونها تميز العملية التفاعلية، ويتخذ عدة مستويات ومظاهر. عنيت بها العديد من الدراسات والأبحاث نظرا لكونها تشكل أساس البناء الاجتماعي.

المبحث الثاني: الاتصال الجماهيري؛ تعريفه وأنواعه، وظيفته وأهميته، علاقته بعلم الاجتماع:
يعتبر الاتصال الجماهيري من أهم الظواهر البشرية والاتصالية التي اهتم بها علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي، ومرد ذلك إلى الأهمية التي ينطوي عليها في بناء وتشكيل العلاقات الاجتماعية، التي في غيابه لا يمكن الحديث عنها. فما هو إذن؛ الاتصال الجماهيري؟ وما أنواعه؟ وماذا عن أهميته ووظيفته بالنسبة إلى المجتمع؟ وما علاقته بعلم الاجتماع؟

أولا: تعريف الاتصال الجماهيري وأنواعه:

يقصد بالاتصال الجماهيري عملية التفاعل الاجتماعي من أجل إشباع الحاجات المتنوعة، لذلك يعد من أهم الظواهر البشرية والاتصالية، لأنه نتاج للتفاعل بين الفرد والمجتمع. كما أنه يعني «أي الاتصال الجماهيري» الضرورة البشرية الملحة التي يعيش الإنسان معها طوال عمره لأجل إشباع حاجاته المتعددة.

هذا وعلاوة على أن الاتصال الجماهيري يقصد به تلك العملية التي تتم باستخدام وسائل الإعلام الجماهيري. ويتميز «الاتصال الجماهيري» بقدرته على توصيل الرسائل إلى جمهور عريض ومتباين الاتجاهات والمستويات، حيث تصلهم الرسالة في نفس اللحظة وبسرعة فائقة من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية، والتي تتمثل مقدرتها الاتصالية في استخدام معدات ميكانيكية وإلكترونية متطورة.

ونجد من أكثر التعريفات شمولا في التعبير عن الاتصال اعتباره «عملية اشتراك ومشاركة في المعنى من خلال التفاعل الرمزي، تتميز بالانتشار في الزمـان والمكان، فضلا عن استمراريتها وقابليتها للتنبؤ» # .

وللاتصال الجماهيري عدة أنواع نذكر منها:

1- الإعـــــلام: وهو عملية اتصال موضوعية تهدف وترمي إلى تزويد الجماهير بالمعلومات الصحيحة وتنظم التفاعل بينها.

2- الإعـــلان: وهو من وسائل الدعاية التجارية لتسويق المنتجات والسلع عن طريق توجيه الجمهور ولفت نظره، ولا شك أن الترويج لهذه السلع أسهل من ترويج الأفكار والمبادئ، وذلك لأن الحاجة المادية أقوى بكثير عند الإنسان من غيرها.

3- التعليــــم: يعرف التعليم بأنه إحداث سلوك مستجد عند المتعلم، يحمل نظريات مختلفة في طريق تنمية الفكر وتقوية ملكات النقد وتربية الشخصية، كما أن التعليم يوثق جذور الحضارة مع الحاضر فيغرس في الأذهان المفاهيم والمبادئ المستحبة.

4- الدعايــــة: ويتميز هذا النوع من الاتصال الجماهيري بأسلوب الإغراء والاستهواء بغض النظر عن الموضوع الذي ترمي وتهدف إليه، فهي ترمي إلى التأثير على السلوك أكثر مما ترمي إلى الإقناع. لدى نجدها قوية التأثير في مجتمع النساء والجماعات البدائية والفقيرة والأطفال. ومن وسائل الدعاية المألوفة نجد الصحف، والتلفزيون، والمجلات، وأغلفة البضائع،... الخ.

ثانيا: وظيفة وأهمية الاتصال الجماهيري بالنسبة إلى المجتمع:

مما لا شك فيه أن وسائل الاتصال الجماهيري تؤدي عدة مهمات ووظائف لا تخفى عنا. وتتجلى بالأساس في إفهام أفراد المجتمع لمهامهم واحتياجاتهم في التربية على الإعداد النفسي للعمل والحركة، كما تقوم بدور خاص في العمليات الاتصالية –السيكولوجية– لتراص ووحدة الذات الاتصالية للنشاط الاتصالي الجماهيري.

وهناك أيضا أهمية بالغة وكبيرة للاتصال الجماهيري بالنسبة إلى المجتمع، حيث لا يختلف اثنان في صعوبة الحديث عن أية عملية اجتماعية تنتج بين الأفراد، وجماعات، ومؤسسات دون قناة ووسيلة للاتصال. إذ لا تصح نماذج العملية الاتصالية في التوافق والاتفاق والتعاون والتخصص والتثقيف دون اتصال.

كما تتجلى أهمية الاتصال الجماهيري، في عدم إمكان تصور علاقات منسجمة، وتفاعلات حقيقية، وأنماط سلوك واعية دون اتصال ودون وجود عمل وسائل الاتصال. حيث اختفاء الاتصال ووسائله، يعني بالمقابل محو وموت الحياة الاتصالية المعاصرة، وانتفاء لكل أشكال التفاعل الاجتماعي وأنماط السلوك المتحضر.

ويرى الباحث وعالم الاجتماع البريطاني أنطوني جيدنز، أن «لوسائل الإعلام أهمية تعادل ما للمدارس والجامعات في إقامة مجتمع المعرفة، وكلما اتسع هامش الحريات التي تتمتع بها وزاد اهتمامها بالقضايا المهمة مثل الحكم الصالح، والتمكين الاتصالي، تعززت الحوافز لتأسيس مجتمع المعرفة»#.

غير أن أوجه القصور في وسائل الإعلام العربية حسب ذات الباحث جيدنز: «تقلل من فاعليتها في هذا المجال، كما أن السيطرة الحكومية وغياب الحريات الصحفية يقفان حجر عثرة ويحولان دون وصول عامة الناس إلى المعلومات. وبالمقارنة مع المعدلات العالمية عموما، فإن نسبة وسائل الإعلام لعدد السكان هي الأدنى في البلدان العربية. وأن أكثر من 70% من قنوات التلفزيون العربية هي تحت إشراف الدولة التي تملك بدورها، وكالات الأنباء. و كان من ذلك نشر أخبار سلطوية الطابع هزيلة المضمون، تكاد تقتصر على الأخبار الرسمية، أو أنشطة كبار رجال السلطة، ونادرا ما تحمل المعلومات التي تهم أغلبية الناس و تثري مخزون المعرفة الناقصة لديهم»#.

ولعل أهمية هذا التصور لجيدنز، تبين بأن الإعلام قد يقدم ويساهم في بناء مجتمع المعرفة ما لم يكن مقيدا تحت السيطرة الحكومية...

ثالثا: علاقة علم الاجتماع بالاتصال الجماهيري:

يرى علماء الاجتماع أن الاتصال الجماهيري ظاهرة اجتماعية لها دورها في تراص وتماسك المجتمع، كما يرون أن لها دورها في بناء العلاقات الاجتماعية، الشيء الذي يوضح أن المجتمع الإنساني يقوم على مجموعة من العلاقات قوامها وأساسها الاتصال. وأن ما يجمع بين أفراد المجتمع هي حقيقة علاقات الاتصال، التي هي ضرورة من ضرورات صيرورة الحياة الاتصالية. وفي هذا الصدد نجد أحمد بوزيد يعرف الاتصال بأنه: «العملية التي تمكن بمقتضاها تكوين العلاقات بين أعضاء المجتمع بصرف النظر حول حجم المجتمع وطبيعة تكوينه وتبادل الآرء والمعلومات والأفكار فيما بينهم».

هذا ويمكن توضيح العلاقة التي تجمع بين علم الاجتماع والاتصال الجماهيري، وذلك في كون علم الاجتماع يقوم بدراسة الظواهر الاتصالية التي تؤثر في وسائل الاتصال داخل البنية الاتصالية، فالعلاقة الأساسية التي تجمع بين علم الاجتماع والاتصال تكمن في أن الاتصال ووسائله عبارة عن ظاهرة من الظواهر الاتصالية، وعلم الاجتماع مسؤول لا محال عن دراستها وتفسيرها.

وفي المحصلة يمكن القول أن الاتصال الجماهيري من حيث مفهومه وأنواعه وأهميته وعلاقته بعلم الاجتماع، يقدم للمجتمع خدمة جلية، تتمثل في أن الإعلام والاتصال الذي يتزايد تداوله هو الذي يقوم بإحداث التغيرات في المجتمع، فالباحث الاجتماعي لا يستطيع دراسة الظواهر الاتصالية في غنى عن الاتصال ووسائله. أي أن وسائل الاتصال تستطيع أن تقدم مساهمة كبيرة لعلم الاجتماع في دراسة التغير الاجتماعي. بالإضافة إلى صحة القول، المتضمن: أن علم الاجتماع بحاجة للاتصال حيث تكون العلاقة بينهما علاقة تؤدي إلى الترابط.
المبحث الثالث: علاقة التأثير الاجتماعي بوسائل الاتصال الجماهيري (التلفاز نموذجـا):

إن أشكال ووسائل الإعلام كثيرة ومتنوعة، منها المقروءة والمرئية والمسموعة وغيرها، وكل منها تتفاوت من حيث التأثير على الأسرة والجماعة، بحسب مقدرتها على إشراك المتلقي مع المضمون الإعلامي.

أولا: أشكال الإعلام في التأثير على الأسرة والجماعة.

إن لوسائل الإعلام دور كبير وتؤثر تأثيرا واضحا في بناء أو تخريب الأسرة. أي تعتبر وسائل الإعلام سلاح ذو حدين، فقد تؤثر بالإيجاب على الأفراد من خلال تعليمهم السلوكات الصحية، وقد تؤثر عليهم سلبا حين تساهم في جعلهم مدمنين أو منحرفين أو مجرمين، لكن، الملحوظ هو قلمّا نجدها في النوع الأول، في مقابل كثيرا ما نجدها تؤثر سلبا وتحرِّض على الانحراف.
وهذا ليس حكم قيمة وإنما حصيلة الباحثين والمهتمين بعلم النفس وعلم الاجتماع لنتيجة التأثير السلبي لوسائل الإعلام، وتدعيما لذلك: «أن موضوع التأثير السلبي لوسائل الإعلام لا سيما التلفيزيون والسينما يثير جدلا كبيرا بين المهتمين بهذا الموضوع وعلى وجه الخصوص علماء النفس والاجتماع... ويكاد يكون من المسلم به أن التأثير السلبي لوسائل الإعلام يتجلى خصوصا لدى الأشخاص الذين لديهم الاستعداد للتأثير بالجوانب السلبية التي تبثه وسائل الإعلام، بحكم تكوينهم الشخصي وتنشئتهم وظروفهم الاتصالية والحالة النفسية التي يوجدون فيها أثناء تلقيهم للرسالة الإعلامية»#.

ومن الأمور الصعبة نذكر أن الإعلام أصبح ينافس دور الأسرة والمدرسة، وتماشيا مع ذلك، «يتفق عدد من المهتمين بقضايا التنشئة الاجتماعية على أن وسائل الإعلام، ولا سيما التلفيزيون، تلعب الآن دورا معارضا الدور الإيجابي لكل من الأسرة والمدرسة فيما يخص التأثير على الأطفال والشباب. ويشير الخبير الإعلامي «هالوران» إلى أن إحدى الدراسات الميدانية في هذا المجال توصلت إلى نتيجة مرعبة على حد تعبيره. وتتمثل هذه النتيجة في أن 87% من الأطفال في سن الحادية عشرة، الذين شملتهم الدراسة، أعلنوا أنهم يثقون بالتلفزيون أكثر من ثقتهم بأي مصدر آخر. ويضيف: «وعندما سألنا هؤلاء الأطفال: إذا سمعتم قصة من والديكم أو من مدرسكم أو من التلفزيون، فأية رواية تصدقون، أجاب 54% من هؤلاء أنهم يصدقون التلفيزيون»#.

هذا ويميل عدد من الخبراء الذين تناولوا بالدرس والتحليل ظاهرة تأثير وسائل الإعلام على السلوك الإنساني إلى تأييد وجهة نظر «هالوران». حيث يرى هؤلاء: «أن الكثير من القيم التي كانت تتمسك بها الأسرة والمدرسة – خاصة في المجتمعات الغربية - أخذت في الإضمحلال لتحل محلها قيم مأخوذة من وسائل الإعلام ولا تستند إلى معايير أخلاقية واجتماعية. وهذه الظاهرة بدأت تغزو بلدان العالم الثالث، بما فيها المجتمعات العربية، حيث بدأ جيل الشباب يفقد تدريجيا المرجعية الثقافية الوطنية وأصبح أكثر تأثرا بما ينقله إليه الإعلام الغربي مما أضعف تمسكه بما يسود مجتمعاته من قيم روحية وأخلاقية ومن عادات وتقاليد...»#.

ونجد عالم الاجتماع البريطاني جيدنز يتحدث في أشكال الإعلام من حيث التأثير على الجماعة، إذ يعتبر أن «طبيعة الوسيلة الإعلامية المستخدمة في المجتمع تؤثر في بنية المجتمع أكثر مما يتركه المضمون أو المحتوى أو الرسالة التي تنقلها وسائل الإعلام»#. كما نجده يضيف أن «وسائل الاتصال في الوطن العربي، مع استثناءات قليلة هي بنت السلطة أو ربيبتها، وهي الأدوات الأساسية للتعبئة السياسية، أو الشحن العاطفي النفسي» #. وفي أخرى نجد جيدنز يعتبر أن «المواطـن العربي مجرد هدف للاتصال الذي يستهدف قولبته في قوالب ذهنية معينة، ذات أبعاد محددة، تزيد من سلبيته، وقلة مشاركته في الحياة السياسية، هذا وإن كانت مشاركته السياسية مطلوبة أصلا أو مرغوبا فيها من قبل النظم الاجتماعية القطرية»#.

ثانيـا: النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه وسائل الإعلام بالنسبة إلى الجمهور:

إن الحديث عن النظريات المتعلقة بنوع التأثير الذي تحدثه وسائل الإعلام بالنسبة إلى المجتمع، هو حديث عن نظريات كثيرة ومتنوعة إلى حد امتلاء مجالها العلمي بالعديد من الكتابات القيمة، والمراجع العلمية، التي خصت وهمت نشأتها وتطورها وأنواعها وما إلى ذلك.
كما يذهب بنا الحديث عن النظريات المتعلقة بنوع التأثيرالإعلامي الذي تحدثه وسائل الإعلام بالنسبة إلى الجمهور إلى اهتمام علماء الاتصال الجماهيري بها، والاعتراف بعظم أثرها على الجمهور، وتصنيفهم لها من أهم وسائل التأثير على المجتمع.

ويصنف الباحثون النظريات الإعلامية على حسب المجال الذي تتصل به، إلى: النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه وسائل الإعلام في الجمهور، والنظريات المتعلقة بالجمهور، والنظريات المتعلقة بالقائم بالاتصال. ومن بين أهم النظريات نذكر التالي:

1- نظرية الرصاصة:*

ظهر التيار النظري الذي يؤكد على التأثير القوي لوسائل الاتصال في العشرينات من القرن العشرين، أي عقب الحرب العالمية الأولى، وأطلقت على هذه النظرية عدة مسميات من أهمها نظرية الرصاصة أو الطلقة السحرية Bullet Theory Magic.

ومفاد ما تود أن تأكده هذه النظرية، هو أن الرسالة الإعلامية قوية جدا من حيث تأثيرها. ولذلك شبهت في نظرهم بالطلقة النارية التي إذا صوبت بشكل دقيق لا تخطئ الهدف مهما كانت دفاعاته.

هذا وسميت أيضا بنظرية الحلقة أو الإبرة تحت الجلدية Hypodermic Needle، وشبهت الرسالة هنا بالمحلول الذي يحقن به الوريد ويصل في ظرف لحظات إلى كل أطراف الجسم غير الدورة الدموية ويكون تأثيره قوي ولا يمكن الفكاك منه.

وتعني هذه النظرية أن الفرد يتأثر بمضمون الوسيلة الإعلامية تأثيرا تلقائيا ومباشرا، كما يرى أصحاب ذات النظرية أن وسائل الإعلام لها تأثير قوي ومباشر على الفرد والمجتمع يكاد يبلغ حد الهيمنة. وهذا التأثير قوي وفعَّال مثل الرصاصة، ولا يفلت منه أحد، وكما نرى أن تأثيرها قوي وسريع ومباشر مثل تأثير رصاصة البندقية بالنسبة إلى مجتمعنا المغربي، إلا أن أثرها قصير المدى.

2- نظرية التأثير التراكمي*:

يرى أصحاب هذا النوع من النظريات أن تأثير وسائل الإعلام لا يظهر مباشرة، وإنما بعد فترة زمنية طويلة من خلال تراكم المتابعة الإعلامية، حيث يرون أن العرض الهائل للأفكار والقناعات المبثوثة عبر وسائل الإعلام تؤثر بشكل ملحوظ على المتلقي على مر الزمـن.

ومن أمثلة هذا النوع نذكر نظرية دوامة الصمت التي تقوم على فرضية: أن قيام وسائل الإعلام بعرض رأي الأغلبية، يقلل من أفراد الرأي المعارض، و تأثير هذه النظرية بطئ وطويل المدى، إلا أن أثرها كبير وقوي جدا.

3- نظرية التطعيم أو التلقيح*:

يمكن وصف هذه النظرية بأنها غرس تدريجي لما ينتقل عبر وسائل الإعلام، حيث يتأثر المتلقي دون إدراك ووعي بما تعرضه وسائل الإعـلام بشكل متواصل، فيصاب بنوع من التبلد وعدم الإحساس، فتكرار المناظرة الفاضحة عبر هذه الوسائل يصنع في نفوس الناس شيئا من اللامبالاة تجاه ما يُرى في المجتمع من تبرج وفضائح. ونظرية التطعيم أو التلقيح هي جرعات من القيم الفكرية تجعل الأمور عادية وبديهية ومألوفة.

4- نظرية التأثير على مرحلتين*:

ويقصد بهذه النظرية انتقال المعلومات والأفكار على مرحلتين: من خلال تلقي الناس للمعلومات التي تبثها وسائل الإعلام، ومن خلال تفسيرات قادة الرأي لهذه المعلومات، ففي السابق كان يظن أن لوسائل الإعلام التأثير المطلق في المتلقي، إلا أن هذه النظرية تبثت عكس ذلك، فالرسائل تنتقل من وسائل الإعلام إلى قادة الرأي ومن ثم إلى الجماهير، فالإعلام المباشر قد لا يؤثر فينا أو يكون تأثيره محدود، وعلى العكس من ذلك إذا انضم له قائد الرأي الذي لديه النفوذ المادي والمعنوي الذي يفسر الرسائل الإعلامية بالطريقة التي يراها، على أساس تكوينه الثقافي، وهذه النظرية تظهر بوضوح في الحملات الانتخابية ومثل هذه الأمور.

5- نظرية تحديد الأولويات*:

تصنَّف نظرية تحديد الأولويات على أنها من نظريات القائم بالاتصال، ذلك لافتراض النظرية أن وسائل الإعلام هي من يقوم بترتيب اهتمامات الجمهور من خلال إبراز القضايا التي تستحق، وإهمال قضايا أخرى. فيبدي الجمهور اهتمامه بهذه القضايا دون غيرها. ولذات النظرية تأثير قوي جدا، وذلك من خلال وسائل الإعلام التي تبث أحيانا برامج ومواضيع تعطيها حيزا كبيرا من الوقت وتركز عليها حتى تبدو للمشاهد أنها أهم من غيرها وتجعله يهمل مواضيع أكثر منها أهمية وقيمة.

6- نظرية حارس البوابة*:

يقصد بنظرية حارس البوابة القائمون والمسؤولون على الوسيلة الإعلامية، الذين يتحكمون بمضمون الرسالة المنشورة، فتمر الرسالة الإعلامية بعدة مراحل وهي تنتقل من المصدر إلى المتلقي ليتم التقرير ما إذا كانت الرسالة التي تلقوها سوف ينقلونها أو لن ينقلونها أو ستطرأ عليها بعض التغييرات والتعديلات، فينشرون ما يريدون، ويمنعون ما لا يريدون نشره.

ونظرية حارس البوابة تعني السيطرة على مكان إستراتيجي في سلسلة الاتصال، حيث يصبح لحارس البوابة أي القائم على الوسيلة الإعلامية سلطة اتخاذ القرار فيما سيمر من خلال بوابته، فنظرية كهذه تؤثر من ناحيتين: من ناحية المادة التي تم نشرها، ومن ناحية المادة التي تم منعها!

إن نظرية كهذه مهمة جدًا، وفاعلة جدًا، ومؤثرة جدًا، إذا كان «حارس البوابة» على قدر المسؤولية، ويدرك أهمية «فلثرة» المضمون الإعلامي، لتتوافق مع هوية الجمهور، وتنسجم مع قيمه وثقافته، وهي –في المقابل- تعيسة جدًا، وخطيرة جدًا، إذا استغل هذا «الحارس» وظيفته في تمرير أهوائه، أو تحقيق مصالحه، أو تطويع «البوابة» لتتسلل من خلالها الأجسام الغريبة، والأفكار الرديئة.

7 نظرية الإشبـاع*#:

تعني نظرية الإشباع أن الأفراد والجمهور يستخدمون المواد الإعلامية من أجل الإشباع لرغباتهم وحاجاتهم الكامنة الداخلية، حيث إن الأفراد والجمهور هم الذين يحددون نوع المضمون الإعلامي الذي يرغبون فيه، وأن دور وسائل الإعلام لا يتعدى تلبية الحاجات والرغبات فقط.
ثالثا: أنواع التأثيرات التي تحدثها وسائل الإعلام كشكل من أشكال الاتصال الجماهيري على الأفراد والجماعة

بعد الانتهاء من التطرق إلى النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه وسائل الاتصال في الجمهور، والقيام بتعريفها «أي النظريات» يتضح بالفعل أن من شأنها تقديم تصورات عن كيفية عمل الإعلام وتأثيره، كما يتضح أن النظرية تشرح ما تحدثه في الجمهور من تأثير.

ومن أنواع التأثيرات التي تحدثها وسائل الإعلام كشكل من أشكال الاتصال الجماهيري على الأفراد والجماعة نجد:

النوع الأول: تغيير الموقف *
المقصود بهذا النوع من أنواع التأثيرات قدرة وسائل الإعلام من خلال ما تنشره وتبثه من مواضيع على تغيير نظرة وموقف واتجاه الناس إلى العالم. وذلك سواء على مستوى الأشخاص أو القضايا، أو على مستوى السلوك والقيم. إذ نجد الأشخاص بناء على ما يتلقونه من مضامين وسائل الإعلام سواء أكانت صحيحة أو مشوهة أو حتى مكذوبة وشائعة فإنها تؤثر فيهم، وتستطيع تغيير منحى موقفهم إذا صح القول، وذلك لأنهم أصبحوا يتعرضون لها وحدها بطريقة الإدمان.

هذا ومعلوم أن نتيجة التلقي من مصدر واحد هو فهم الأمور والحكم عليها. وهناك في هذا النوع التأثيري العشرات من الأمثلة...

النوع الثانـي: التغيير المعرفي *

ومعنى هذا النوع من التأثيرات، كون وسائل الإعلام لها القدرة والاستطاعة في أن تؤثر في التكوين المعرفي للأفراد، وذلك يتم من خلال عملية التعرض الطويلة المدى لوسائل الإعلام كمصادر للمعلومات الموثوقة. فتقوم بتوجيه معارفنا حسب المنحى الذي تريده فتغير في أسلوب ونمط وطريقة تفكير الفرد وقناعاته المكتسبة.

النوع الثالـث: التنشئة الاتصالية *#

إن تأثير «التنشئة الاتصالية» يفيد أن كل ما يُسمع أو يُرى أو يُقرأ لا يخلو من هدف بقدر ما هو مشحون بالقيم، وهذا هو الذي يعرف عنه بـ «التنشئة الاتصالية»، فيُعمل على تلقين المُستقبِل مجموعة من المعارف لتشكيل الهوية الثقافية.

والتعرض المستمر للرسائل الإعلامية المشحونة بالقيم،عرض بقوالب جذابة تسمح لها بالتسلل إلى اللاشعور لتشكل اتجاها معيناً – دون وعي كامل من المتلقي– فليس هنالك أخبار محايدة ولا ترفيه بريء! بل كلٌ يحمل في طياته وبين سطوره كثيراً من القيم الخفية التي يُراد ترويجها إلا أنها لا تُقبل في العلن بل تقابل بالرفض، فيُلجئ إلى هذا الأسلوب المغلف، ليظهر أثر هذه القيم على المتلقي عبر المدى البعيد .

النوع الرابـع: الإثارة الجماعية

وتسمى أيضا، وسائل الاتصال الجماهيرية، وهي من أهم خصائص وسائل الإعلام نظرا لاستطاعتها ومقدرتها على إثارة الجماهير وتحريكها لتحقيق غرض معين، عن طريق تكييف الجماهير معه، في الحروب مثلا، وفي حالة الكوارث الطبيعية.

ومن سلبيات هذا النوع من التأثيرات سوء استخدامه في المناسبات، مثل صنع وسائل الإعلام قلقا معينا بلا مبرر له في أوساط النـاس «مثلا إفلوانزا الخنازير إذا كان غير موجود». ومن أحسن الأحوال لاستخدام الإثارة الجماعية هي في حالات الكوارث الطبيعية والأوبئة وتسمى بـ«فن إدارة الأزمات»، أي مخاطبة وتكييف فئة عريضة من الناس مع ظروف الأزمات.

النوع الخامس: الاستشارة العاطفية

يكمن دور وسائل الإعلام في عملية الإستشارة العاطفية، في كون النفوذ القوي للعواطف الذي يسيطر على سلوك الإنسان، هو الذي يمنح وسائل الإعلام هذه المكانة والفرصة الكبيرة في التأثير على المتلقي.

فوسائل الإعلام تتمتع بقدرة متفوقة على التعامل مع عواطف الجمهور من خلال استخدام أساليب عرض مختلفة. ومثال على هذا: أن وسائل الإعلام تستطيع من خلال ما تعرضه وتبثه من مسلسلات وأفلام أن تجعلنا نتعاطف مع الضحية، وقد يؤدي بنا الأمر أحيانا إلى أن نبكي معها حينما تعرض لمشاهد المعاناة والألــم.

وبلا شك أن عملية الاستثارة العاطفية من خلال وسائل الإعلام يمكن أن تكون سيئة، بل وخطيرة حينما تتم من خلال استخدام معلومات كاذبة ومغلوطة...

النوع السادس: الضبط الاتصالي +
يتجلى دور وسائل الإعلام في عملية الضبط الجماعي من خلال قيامها بتوحيد الناس على ثقافة واحدة يصبح الخروج عنها أمراً صعباً دون معنى، حيث تصبح مع مرور الزمن عرفاً، كما تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع. وذلك حيث أصبحت وسائل الإعلام هي التي تحدد للناس ما يصلح وما لا يصلح من خلال الإعلان عن آراء معينة، والتكتيم على أخرى، فيخلق ذلك عند الناس ما يشبه العرف الذي يُقبل ويتّبع ويُحذر من مخالفته.

النوع السابع: صياغة الواقع

تؤثر وسائل الإعلام في هذا الباب عبر قيامها بعرض جزء صغير من حقيقة الواقع، ليبقى في أذهان الجمهور على أساس أنه هو الواقع الحقيقي الكامل!!، وبذلك تعمل على صياغة الواقع حسب الرؤية التي تريدها، وتعمل أيضاً على صياغة نمط حياة من صنعها لتقدمه للناس على أنه هو الواقع المثالي، وتوحي للجمهور بتقليده عبر نشر صورته الإيجابية الجميلة فقط!! فتختزل مجمل تفاصيل الحقيقة في هذا الجزء الصغير الذي تم عرضه فقط.

النوع الثامـن: تكريس الأمـر الواقع

وهي عكس صياغة الواقع، ومعنى ذلك أن وسائل الإعلام قد تعمل على تزكية ما هو قائم وتكريس ما هو موجود، فتجعل الجمهور يقبله دون نقـاش، فإقرار الأمر الواقع وتبريره وتقديم المسوّغ له من قبل وسائل الإعـلام يعمل على صنع رأي عام شبه موحّد، فلا يمكن لأي شخص أن يثير تساؤلاً حول صحة ما يجـري.

وإسنادا إلى ما سبق، إن وسائل الإعلام قد تعمل في بعض الحالات على تعميق ميل فئات من الأسر والجماعات إلى تأثير سلبي، وذلك تحت تأثير الظروف التي يعيشونها والتي تجعلهم مهيئين للتأثر السلبي بما تبثه وسائل الإعـلام من مواضيع وقضايا.

المبحث الرابع: التصدي للتأثيرات السلبية التي يحدثها الإعلام كوسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري:

لعل من بين الموضوعات التي أخدت إهتماما متزايدا في أوساط عديدة، الآثار السلبية التي يمكن أن تتركها وسائل الإعلام على السلوك الإنساني. فكيف السبيل إذن لاستثمار هذا التأثير السلبي إيجابا؟ وما هي الحلول المقترحة لمجابهة «الإرهاب الإعلامي»؟.

أولا: كيفية استثمار المضمون التأثيري للإعلام إيجابا:

أخذت وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية تلعب دورا جوهريا في المجتمعات الحديثة، وتتجلى هذه الوسائل في وسائط التواصل المختلفة مثل: المجلات، والكتب، والصحف، والتلفاز، والسينما، والأقراص المدمجة وغيرها...، التي تنقل المعلومات والمواقف والآراء للجمهور، غير أنه عبر هذه الوسائل والوسائط يترك الإعلام آثارا عميقة في حياة الناس، إذ لا نجده يقوم بتوصيل رسائل بريئة أو أخبار محايدة تزودنا بالتثقيف والتعليم، بل معلومات تستهدفنا وتؤثر على قيمنا. والسؤال الذي يجب أن يطرح في هذا الصدد هو: كيف التعامل مع المضمون الإعلامي من أجل أن يؤثر على أسرنا بالإيجاب؟

يمكن استثمار مضامين التأثير الاجتماعي بالإيجاب على الأسر والأفراد من خلال انتقاء المسؤولين على الأسرة لقنوات معدودة تهم الثقافة والتربية، وتبث مناقشة مواضيع علمية تهم الحياة اليومية وخالية من كل توجهات أيديولوجية، ومن كل «التسممات» التي تتجلى في عرض أفلام ومسلسلات تعرض واقعا غير واقعنا، أي قنوات تساهم في إفهام الناس لا في إعماء أبصارهم بالتوهمات الخالية المعنى. مثلما نشاهده في قنواتنا، أفلام تركية ومكسيكية مدبلجة إلى اللغة الدارجة. فأي إفادة يمكن أن تنتظر من هذه الأفلام؟؟ وهل تلك المشاهد تعرض فعلا واقعا شبيها بواقعنا؟؟ وإذا كان الإقرار بجواب لا. فلماذا إذن، نترك أبناءنا يتهافتون على مشاهدتها؟؟

ثانيـا: الحلول المناسبة لمواجهة هذا السيل الجارف «الإعلامي»:

إن الأثر السيئ والمدمر لمضامين وسائل الإعلام واضح وظاهر، ولا يخفى على أي كان، فما يفتقد ويغفل عنه هو «حصرة» في إعادة قراءة ومراجعة مهمة ووظائف الاتصال الجماهيري. أليست هي بالأساس والأحرى التثقيف، والتربية، والتعليم، والترفيه، وإفهام أفراد المجتمع لمهامهم واحتياجاتهم؟ وهل تقوم وسائل الإعلام فعلا بهذه الوظائف والمهام، أم أنها على عكس ذلك، تقوم بخيانتنا في تفسيخ أفكار أبنائنا عندما نكون في العمل ومشغولين بأمور أخرى؟

ويمكن القول من أجل مجابهة هذا السيل الجارف، والتصدي لهذا التيار الإعلامي السيئ على أسرنا ومجتمعاتنا اتخاذ توجيهات ونصائح إلى حد التمسك بها، ومن بينها نذكر بتواضع:

* النهوض بإعلام راق يعرض ويبث مواضيع وقضايا سليمة، ومضامين رصينة، ولغة صادقة ومبدعة، تتعامل مع المتلقي على أساس إفهامه لا على أساس استهدافه بالأديولوجيا...

* فضح القنوات والإذاعات الإعلامية التي تبث وتعرض ما يتنافى مع القيم الأخلاقية أمام الناس لعلهم يتوقفوا على الانبهار.

* أن تعود التربية والتنشئة من توجيهات وحماية وريادة وإرشادات إلى مكانها الصحيح المتمثل في الأسرة والمدرسة والمسيد. لأنهم المؤسسات التنشئوية الصحيحة التي ساهمت في صنع أجيال رصينة ومحافظة.

* أن يكون الأب «حارس البوابة» أي المسؤول والقائد داخل أسرته، وإعطائه الاحترام والهيبة والمركز، ليكون أهلا لهذه المهمة.

* أن يعتني المسؤولون والمعنيون بهذا المجال الإعلامي، وأن يحرصوا هذه الأمة من كل دخيل وهجين يهدد ثقافتها ويسمم أفكارها ومعتقداتها، ويهدد أخلاقها ومبادئها وقيمها.

* الرجوع إلى الأصول الأولى والقادة الفعليين الذين أمرنا بنهج طرقهم وإتباع سبلهم وهم الأنبياء والصحابة والعلماء، وقراءة الأحوال المعهودة إليهم...

* ألا نتق في الإعلام، ونترك أبناءنا له دون توجيههم ومراقبة ما يقرؤون وما يشاهدون.
ونخلص من هذا المبحث، أن وسائل الإعلام قد تعمل على تعميق التأثير السلبي على حياة الأفراد وتجعلهم عرضة لتأثيرها، في غياب مراقبة من طرف المسؤولين «الآباء على أبنائهم» وتصنيفهم لما يقرأ وما لا يقرأ، وما يشاهد وما لا يجب أن يشاهد. لكي تكون حصيلة المضمون التأثيري إيجابا على سلوك أبنائهم...

خلاصـة عامـة:

وعلى سبيل الختام يمكن القول بأن هناك فعلا علاقة واضحة بين مفهومي «التأثير الاجتماعي» و«وسائل الاتصال الجماهيري» ولعل ذلك تبين من خلال السالف والمراجع التي إلتقيناها، حيث كلها أكدت أن الاتصال الجماهيري له علاقة فعلية بالتأثير الاجتماعي. وذلك من خلال غزوه وتأثيره الصادم، بل وإرهابه على تغيير مواقف واتجاهات الأفراد.

كما يُخلص من هذا العرض أننا أمام علاقة معقدة تتشابك فيها عوامل نفسية واجتماعية وأيديولوجيا... وأن وقاية الأفراد والجماعات من التأثيرات السلبية التي يحدثها الإعلام يعتبر مسؤولية الجميع: حكومات، والهيئات الرسمية وغير الرسمية، والمربيين، وعلماء الاتصال، وعلماء النفس، وحارس البوابة.

ويمكن الاستخلاص أيضا، أن موضوع التأثير الاجتماعي لوسائل الاتصال الجماهيري من بين المواضيع الغنية والدسمة والفضفاضة في علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، على حد سواء، وذلك واضح من خلال الكم الكثير للكتابات حولها...

*لائحـة المراجـع والمصـادر:

حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماعي، الطبعة الرابعة، 1977، عالم الكتب، القاهرة.

سامية محمد جابر، علم الاجتماع العام، الطبعة الأولى 2003، دار النهضة العربية، جامعة بيروت العربية.

محمد عباس نور الدين، قضايا الشباب في المجتمع المعاصر، الطبعة الأولى 2000، مطبعة فضالة، المحمدية.

مصطفى حجازي، التنشئة المستقبلية للطفولة العربية من أجل إشباع شراكة عالمية. ندوة المشروع الحضاري العربي «المغرب4-7 نوفمبر1993».

أنطوني جيدنز، علم الاجتماع، ترجمة: الدكتور فايز الصُيَّاغ، الطبعة الرابعة، مؤسسة ترجمان، المنظمة العربية للترجمة.

عبد العزيز حمد عبد الله الحسن، وسائل الإعلام والإعلان.. وصف نظري للعلاقة والتأثير، مجلة عالم الاقتصاد، رقم العدد: 168، تاريخ العدد:1/1/2006.

ويليام ريفرز وتيودور باترسون وجاي جينسون، الاتصال الجماهيري والمجتمع المعاصر، ترجمة: الدكتور أحمد طلعت البشيبشي، الطبعة الأولى، 2005، دار المعرفة الجامعية.

عذراء جمعة، التفاعل والتكامل الاتصالي، جريدة الصباح، التاريخ: الأربعاء 21 فبراير2009.


[1ملاحظة: قمت بإجراء مجموعة من التعديلات على هذا العرض الذي كنت أنجزته وألقيته في حصة من محاضرات الدكتور محمد مؤمن عندما كنت طالبا في الفصل الثالث من مسلك علم الاجتماع.


مشاركة منتدى

  • أنا مسرور لأن كاتبا مغربيا اقتبس من إحدى محاضراتي المنشورة في مجلة عالم الاقتصاد.. ليس أجمل من أن تكون في مشرق الوطن العربي وتجد صداك في مغربه.. شكرا لأخي محمد المستاري على أمانته العلمية، ونحن في أمس الحاجة للباحثين العلماء الأمناء، وشكرا لـ "ديوان العرب" الذي ينشر المعرفة والثقافة الرفيعة المفيدة.. لكم أطيب تحية من الرياض.

  • مرحبا، معكم سعيد من المغرب طالب جامعي، إنني بصدد البحث عن مفهوم الأثر الاجتماعي..
    هل بإمكانكم إرشادي لأي كتاب أو مقال ما أجد فيه تعريفا له .. وشكرا لكم على كل المعلومات المنشورة أعلاه.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى