الأحد ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم محمد أحمد العدوي

حلب

عدت أبحث في أوراقي القديمة عن ذلك الدَّرَج الذي صعدناه يوما معا.

انكسر كعب حذائك قبل أن ندخل باب القاعة، فضحكتِ.. قلتُ: هل يزور أحد قاعة أنشد فيها المتنبي شعره بحذاء له كعب عال؟.. وجهك الضاحك اندهش.. قلتِ: عادي.. ممكن ينكسر كمان ونحنا باللوفر.. أكيد كتير انكسر كعبهن باللوفر.. بيزعل دافنشي شي اذا انكسر كعبي باللوفر يعني..

تركتك في القلعة ونزلت أشتري حذاءا نكمل به اليوم..

"هاد حجَر..حجَر.. عمره شي كم مية سنة.. إذا بدك تمشي عليه لازم تدق على الأرض وتسمع صوته.. يا لطيف حدا بيمشي في قلعة تاريخية بحفّاية."

  حفاية!!

  هيْ.. اللي جايبتها اسمها حفاية بالنابلسي.

  والله.

  ايه.. والله..

  لم أجد سواه.. ثم هذا الحجر الذي عمره "شي كم مية سنة" مشت عليه أمم الأرض كلها.. الحيثيون والرومان والعرب.. وسيفُ الدولة.. يستحق أن نتحسسه برفق..
  شو يعني "سيفُ الدولة".. ما كان شيعي هاد "السيف".

  كأصحابكم هنا الآن..

  وطي صوتك ما بترجع إذا سمعوك.. هادا "مش" شيعي.. هاد جن متل ابوه.. شو دينو للجن؟

  لا أعرف..

  أحسن.. خليك ما بتعرف..

درنا في القلعة، بين قاعات القصر الملكي، والحمامات ونوافير المياه ثم خرجنا إلى جامع الخليل إبراهيم والجامع الكبير.. ليس بين الجامعين فرق كبير في الزمن، ستون عاما بين نور الدين زنكي، وغازي بن صلاح الدين، تسيرين مسرعة وأنا أريد أن أتمهل.. أقرأ النقوش وأمر بيدي على الأحجار أتحسسها..

  شو بتعمل؟

  أستنطق الحجر بما يعرف من حكايات.

  ايه شيل ايدك.. ما رح تعرف تنام اذا جاوبك.

لم يجب الحجر، ورغم ذلك لم أعد أعرف أن أنام.

" لأنك لم تصدقني.. الآن تسربت الحكايات من جدران القلعة إلى الشوارع، دوت الأصوات السجينة في سراديبها، وصيحات الجند المعلقة بأبراجها في حارات المدينة.. كل نظرة فزع حفظتها القلعة في أيام الحصار أو الحرب نشرتها على بيوت حلب.. أصبحت المدينة كلها قلعةً لا تعلم إن كانت حصنا أم سجنا..."

قلتِ: لكْ الله يسامحكن.. هلأ بيجي السوريين ويعملوا متل ما عملتوا..

قلتُ: خيرٌ وبركة..

قلتِ: خير.. قبله كتير دم..

قلتُ: ليس شيء بلا ثمن.. حتى تحكي لأبنائك شيئا يفخرون به.

قلتِ: "لو ضل عندي ولاد لأحكيلن.. يا سيدي.. ما بدي احكي لولادي إني كنت مناضلة. بيكفي احكيلن حكايات ايسوب.. شوبو ايسوب..

بالصف عندي طالب عمره سبع سنين.. اذا طليت بعيونو كأنه عمره شي سبعين سنة.. سألني: آنسة لكن ليش كل يوم بحارتنا بيقطعو الطريق وبيطلعو يصيحو حرية؟... كذبت عليه.. بيجي يوم يعرف انه آنسته اللي بيصدقها كذبت عليه.. بس كمان رح يعرف انه نظرة عينيه هي اللي خلت آنسته تكذب عليه..

ما عاد يلعب الطلاب بالباحة عسكر وحرامية.. صاروا يلعبوا شبيحة ومندسين..
لك تعبت من الدم..

والله تعبت.. "


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى