الأحد ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
حوار مع المبدع المغربي محمد الاحسايني
بقلم عبد الرحيم العطري

بائع الفحم الذي صار روائيا ومترجما وصحفيا

المشهد الثقافي المغربي مضحك ومثير للشفقة

هناك أسماء تستعمل كحبات سبحة وردية لا يمل البعض من عبادتها

لي سبع أمزجة وما زلت متعطشا للمعرفة

قبل حلول الألفية الثالثة بقليل قرر المبدع الروائي المغربي محمد الاحسايني أن يهجر إفك الصحف ويتفرغ كليا لنحت شخوص رواياته الفاتنة، غادر مهنة المتاعب واستقر بمدينة سلا يتأمل عالما من الزيف والقحط، يرتحل عبر دروب ماضيه الباذخ بالذكريات والأحداث، ينتقل عبر دواوين رامبو وبودلير، يلتهم الكتب كما العادة، ويصر على العطاء والتألق.

لم يكن محمد الاحسايني ليهجر الكتابة بعدما غادر المهنة اللذيذة، لأنه لم يك يوما صحفيا تنفيذيا في علبة ما، بل كان مبدعا وغائصا في لذائذ الكتابة حد الامتلاء والبهاء، الكتابة شرطه الوجودي، بدونها لا يكون محمد الاحسايني. هناك من يقول بأنه " صاحب سبع صنايع "، لكنه يؤكد بأنه " صاحب سبع أمزجة "، وأن ولاءه للقلم في البدء والمنتهى، إنه لم يؤمن يوما بالولاء القبلي، بل أدمن الحب والولاء والطاعة العمياء للكتابة ولشخوص وأحداث رواياته البلا حدود.

في هذا الحوار يكشف لنا محمد الاحسايني عن بداية الرحلة، عن انعطافاتها وانكساراتها وابتهاجاتها أيضا بصراحة قليلا ما نصادفها لدى الكثيرين من زبانية المشهد الثقافي، يعترف بأنه كان بائع فحم عندما هم بنشر روايته الأولى "المغتربون"، وقبلا كان عاملا بمجزرة لبيع اللحوم ومدرسا للتعليم الابتدائي. هذا هو محمد الاحسايني رجل من زمن البهاء ينتصر للإنسان الغائر فيه ويحرض على الانحياز للحب وكل القيم النبيلة.

إليكم في هذا الحوار تفاصيل تنشر لأول مرة عن حياة رجل صنع تألقه بيده بعيدا عن ثقافة الإخوانيات والعهارة الثقافية، حفر إسمه وسط الصخور الصلداء واستمر في عشق الكتابة بعيدا عن كل دوائر التزلف والطاووسية الفارغة.

الخطوة الأولى

ـ في البدء كيف يجد المبدع محمد الاحسايني نفسه بعد كل هذه السنوات من العطاء والألق الإبداعي؟

ـ بعد كل هذه السنوات من الإخلاص لعشق الكتابة والانغمار في أتونها أجدني في حاجة ماسة إلى المعرفة، إلى الاطلاع، فعصرنا بتطوراته يخيفني أحيانا من حيث حياتنا الاعتيادية التي كانت مبنية على المناهج الاستقرائية الأرسطية، محتاج اللحظة لمزيد من الارتواء المعرفي حتى أكون في مستوى هذا اليومي المتقلب والمثير في كل حين لمزيد من الإشكالات.

ـ كيف ومتى كانت الخطوة الأولى في رحلة أكثر من ألف ميل؟ أقصد بالطبع رحلة الإبداع الروائي.

سؤالك يجرني إلى زمن بعيد، وبالضبط إلى سنة 1964، حينها تركت مهنة التدريس، كانت زوجتي من الدار البيضاء، حللت بهذه المدينة قادما إليها من أكادير حيث كنت أعمل مدرسا بإحدى الفرعيات التابعة لإعدادية بيوكرى، عندئذ تعاطيت للكتابة، وجدت فرصتي التي هربت مني منذ مغادرتي للعمل مع السيد بول شارني صاحب محل لبيع اللحوم بعين برجة، خلال هذه الفترة كنت أتابع دراستي ليلا بالمدارس الحرة استكمالا للمعرفة لا غير، لما استقل المغرب أردت الانتساب للتعليم وسرعان ما جاء الرد من محمد الفاسي، آنذاك بالاسم الذي أحمله الآن " محمد الاحسايني "، صديقي بول شارني رد الرسالة متعللا بأنه لا يفهم ولا يعرف هذا الإسم، ذلك أنه من الطريف أن السيد شارني كان يسميني مسعود لأن زميلي كان يسمى محمد. ثم بعد أشهر غادرت العمل إلى مسقط رأسي بتافراوت حيت تقيم الوالدة فانخرطت في التعليم الابتدائي.

سبع أمزجة

ـ في مسار حياتك الباذخة تقلبت في العديد من المهن، هل يمكن القول بأن ذلك المثل الشعبي الدارج "سبع صنايع والرزق ضايع" ينطبق بامتياز على المبدع محمد الاحسايني؟

ـ والدي كانت له العديد من المتاجر، كان عمي يسيرها،كثيرا ما اقترحوا علي الانضمام إلى عالم التجارة، رفضت واشتعل فتيل الخلاف فطردت، هكذا كلما احترفت حرفة إلا وكنت مضطرا لاحترافها، كان من الضروري أن أعمل لأكسب قوت يومي وأشتري الكتب همي الأول بلا انقطاع، لم أكن في يوم من الأيام في حالة بؤس أو احتياج لأنني كنت أعمل، يمكن أن تقول بأن لي سبعة أمزجة وليس سبع صنايع، أما الرزق فمن عند الله.

ـ إذن متى كانت الدرجة الأولى في سلم الألق الإبداعي؟

عندما كنت مدرسا كنت أكتب أشياء لا أسميها إبداعا، كانت محاولات أختزنها ثم أبددها بعد ذلك، لأنها ببساطة لم تكن ترضيني، لقد امتهنت الكتابة منذ زمن بعيد، وحتى في دراستي كنت أبرع في مادة الإنشاء التي كانت تدور حول كثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، والتي كنا ننزلق فيها نحو السياسة، فالسياسة كانت طعامنا اليومي، وكان أساتذتنا يشجعوننا على ذلك.

لقد كنت معجبا بالمتنبي وأذكر أنه في إحدى المرات التي تسلمت فيها جائزة عبارة عن مجموعة من الكتب، تقدمت إلى مدير المدرسة الأستاذ الدرباني راجيا منه أن أستبدل كل هذه الكتب بكتيب عن المتنبي كنت قد لمحته قبلا لدى المدرسة، لكنه أخبرني بأن الكتيب كان من نصيب طالب آخر لا يذكره.

ـ من يعشق المتنبي إلى هذا الحد لا بد وأن يكون قد جرب الغرق الجميل في وادي عبقر، ألم يستيقظ الشاعر فيك يوما أستاذ محمد الاحسايني؟

كنت أكتب الشعر في سنة 1964 وقد وعدت صديقي مصطفى الشليح أن أعطيه قصاصات مما نشرته في ذلك الإبان خاصة بجريدة النضال الرباطية لأحمد ملين،و مع ذلك فقد جرفني حب الرواية الذي كان السبب المباشر فيه هو قراءتي لرواية فرنسية لكاتب لا أذكره تدور أحداثها عن فرنسي قدم إلى المغرب وعشق فتاة من الجنوب،" مذكرات حمار" لكاتب آخر لا أذكره حركت في أعماقي حب الرواية، كنت في بدايتي ألتهم الكتب بشكل لافت للنظر، وكنت متعدد القراءات لا أعترف بالحدود المعرفية وكثيرا ما نعتني الأصدقاء بأرضة الكتب.

الفحم والاغتراب

ـ لما أصدرت روايتك الأولى التي اجترحت لها اسم " المغتربون " كنت حينها تبيع الفحم بالدار البيضاء، كيف كان الانتقال من زمن الفحم إلى زمن الاغتراب؟

ـ لماذا في البداية كنت أبيع الفحم؟ السبب هو الخلاف العائلي الذي ذكرته سابقا، لقد قاطعتني العائلة، عائلتي كانت غنية ولم يبق لي إلا ثلة من الأصدقاء الذين كانوا يكنون لي الاحترام، تحديت العائلة فاتخذت لي مسكنا بحي بلفدير، وكان حينها من أرقى أحياء البيضاء، ومع ذلك لم تزرني العائلة، لماذا لأنني أبيع الفحم، تركت كل ذلك لأنني لم أشأ الدخول في خلافات مع العم، وفي الأخير أرسلوا لي نصيبي من الميراث الذي كان نصيبا مضحكا للغاية.

ذات يوم جاءني رئيس عمال البلدية في حي لافيليت حيث كان متجر الفحم، يشتكي من كثرة النفايات التي يتسبب فيها متجري، بدا لي أن المطلوب مني هو أن "أتهلى" في رجل النظافة المكلف حينها بتنظيف الزقاق، كان شيخا طاعنا في السن، ناديت على سي إبراهيم مخبرا إياه بأن الأمر لن يتكرر مستقبلا، قدمت له خمسة دراهم، ومن ثمة سألته هل ما زال محلي يثير أي مشكل نفايات فقال لا، حمدت الله لأنني أدخلت سرورا إلى قلب شيخ طاعن في السن، ذات الشيخ طلب مني بعد مرور أيام معدودة أن يبيت في المتجر، قبلت الفكرة وبدأت ألتقط من حياة سي إبراهيم وحياة الكثيرين من المغتربين في وطنهم الإشارات والتفاصيل الدقيقة التي قادتني نحو كتابة " المغتربون ". لقد رجعت إلى كثير من الأوراق التي كتبتها سنة 1959، ولقد اخترت لهذه الرواية في البداية إسما آخر هو "ساحة الكبرياء"، لقد كانت الرواية وما تزال بالنسبة لي عالما متفتحا ومنفردا في ذات الوقت لتأمل العالم وحياكته من جديد.

قصة النشر

ـ الأكيد أن النشر في سنوات الجمر والرصاص لم يكن سهلا للغاية، كما هو الآن أيضا، كيف تدبرت هذا الأمر؟

الأكيد أن النشر كان صعبا للغاية، لكنني طرقت أبوابا عدة إلى أن وجدت من يقدر إبداعي، ذهبت في البداية إلى دار الكتاب، لم يستقبلني أحد، ذهبت إلى دار الثقافة، وعدوني بأن ينظروا في الأمر دون أن يتسلموا مني النسخة الخطية، تبرمت من النشر وتركت العمل يستعيد أنفاسه دون أن أطرق أي باب آخر، إلى أن مضت عشرة أيام فذهبت بجلابية من الصوف بها آثار الفحم ( لأنها الجلابية التي كنت ألبسها عند ملء الفحم في العلب الورقية )، تركت البدلة الحديثة وتوجهت نحو دار النشر المغربية، تعجبت لأمر المكان الذي كان قبلا عبارة عن " شارما " أي متجر لبيع لحم الخنزير، فصار اليوم مكانا للمحرر وما أدراك ما المحرر في ذلك الوقت ودار النشر المغربية، ازداد إعجابي لأنني تذكرت أنني كنت أزور المكان مع صديقي بول شارني، وها أنا اليوم أزوره من أجل نشر رواية " المغتربون ".

استقبلني شخص يدعي عبد الغفار عاقيل المتخرج من شعبة العلوم السياسة، كان شابا مثقفا يساريا بكل معاني الكلمة، سألني ما شأنك؟ قلت أريد أن أطبع رواية، قال لمن هذه الرواية؟، قلت لي شخصيا، قال لي ما عملك؟، قلت بائع فحم، حينها نادى على كل العمال قائلا لهم انظروا بائع فحم سيطبع عندنا رواية، بدأت الهمهمات بين الجمع إلى أن حضر مدير المطبعة الأستاذ عمار الذي كان موظفا بالخارجية فترك الوظيفة والتحق بالمطبعة، طلب من العمال أن ينصرفوا لاستكمال أعمالهم. حينذاك بقيت مع الأستاذ عاقيل، تفحص الرواية، أخبرني بأنه سيعرضها على لجنة القراءة، أعطاني وصلا عنها وطلب مني العودة بعد عشرة أيام.

ـ ما الذي حدث إذن بعد انقضاء هذه المدة؟

ـ مرت العشرة أيام ورجعت إلى دار النشر، استقبلني الأستاذ عاقيل، قال لي بأن الرواية هي قيد الطبع، بعدما أن أجازتها لجنة القراءة التي كانت مكونة حينئذ من الأستاذ عبد الله العروي ومحمد زنيبر وربما مدام غلام صاحبة لاماليف التي قيل لي أنها حاضرت في موضوع الرواية بتونس والعهدة على الراوي طبعا.

ـ كيف استقبل المشهد الثقافي رواية مبدع قادم من الظل بل من الفحم؟

كان استقبالا متعدد الرؤى تبعا للمنطلقات والمرجعيات، فالمغرب حينها كان يعيش على إيقاع الصراع الثقافي، ولكنه في نظري استقبال غرائبي، فقد تساءلت جريدة العلم حينها عن ظاهرة النشر في دار النشر المغربية وبصيغة شكية هل في الحقيقة صاحب الرواية بائع فحم أم لا، ثم كتب عنها محمد عز الدين التازي مقالا بعنوان "مجتمع مدني في بنية قروية" وذلك بالمحرر في دجنبر 1974، ثم كتب عنها في لاماليف وجريدة العلم تحت إسم مستعار لأبي الشمائل وفي مجلة أقلام التي كان يصدرها أحمد السطاتي، المهم أنها صنعت الحدث الثقافي لزمن غير يسير بالمغرب.

مهنة المتاعب

ـ هل يمكن القول بأن رواية "المغتربون" هي جسر العبور نحو مهنة المتاعب وبالضبط نحو المحرر؟

ـ ذات يوم من أيام ترددي على دار النشر المغربية سألني عاقيل إن كنت أرغب في العمل بالمحرر، قلت له سأرى إن كان في الإمكان، وقد كان عاقيل يشك في أنني بائع فحم إلى أن ذهب معي يوما على متن دراجته النارية إلى محل الفحم حتى رأى كل شيء، ومنها صار صديقا حميما بعد ذلك، ففي خريف 1974 نادى علي عبد الغفار عاقيل لأعمل في الجريدة مع زملاء خرجوا للتو من السجن، تحت إدارة الشهيد عمر بن جلون ورئاسة تحرير المرحوم مصطفى القرشاوي، كان يتعاون معنا أحمد المديني ومحمد البريني وإدريس الناقوري الذي كان يسمي نفسه بالبشير الودنوني، وكان محمد عابد الجابري يأتينا ليرد على عبد الله العروي في إيديولوجياته، وكان يقف على التصحيح بنفسه، وزارنا مرارا زفزاف رحمه الله، كان المرحوم القرشاوي يسميني بالتحفة.

ـ اشتغلت بأكثر من صحيفة هل للأمر علاقة بأمزجتك السبعة؟

ـ خلال عملي بالمحرر كان علي أن آخذ عطلة لكي أقوم بتسوية بعض المشاكل بمتجر الفحم، لكنني توصلت من أحد الأشخاص الإداريين الذي يدعى الشافعي برسالة وقحة يخبرني فيها بضرورة الالتحاق بالعمل وإلا تعرضت لعقوبات تأديبية، ولأنني لا يمكن أن أفرط في كرامتي، فقد أجبته برسالة أخرى مقدما فيها استقالتي بالرغم من أنني كنت حينها أحصل على أجر شهري من المحرر يصل إلى 550 درهما، لم أندم على فعلتي وعدت إلى متجر الفحم، أسترق اللحظات لممارسة الكتابة، إلى اتصل بي شرف الدين إبراهيم مدير أسبوعية العدالة الذي اتفقت معه على العمل بالجريدة لقاء ألف درهم في الشهر، وبهذه الجريدة وجدتني أقوم بدور الصحافي والأستاذ، وفي هذا المنبر كان يكتب معنا الأستاذ مصطفى النهيري الذي يعد ظاهرة أدبية في ذلك الوقت، وإن كان في نظري يستعمل الكثير من المفرقعات اللفظية.

ـ ماذا بعد محطة العدالة؟

في سنة 1976 توقفت العدالة عن الصدور، لكنني لما كنت في العدالة كنت أتعاون مع العلم، وبسبب هذا التعاون فقد تم توقيف أجرتي، وفي العلم نشرت أولى حلقات "مذكرات كلب غير عابئ ولا مخدوع" والتي صدرت في سوريا، بعد توقف العدالة عملت في العلم لمدة ثلاث سنوات وتوثقت علاقتي بالمبدعين عبد الجبار السحيمي ومحمد العربي المساري، بعدها اخترت الرحيل مرة أخرى إلى العراق، لأعود وأعمل بالميثاق الوطني، يمكن أن تقول بأن لي سبع أمزجة، ربما لا أحب السكونية والرتابة، وكأني أبحث عن المعنى الهارب مني، لا أصنع العداوات، بل أظل متعطشا على الدوام إلى كسب الأصدقاء والأحبة، فهذا هو رهان المبدع أن يكون إنسانا بالضرورة، منصتا لنبض الآخر ومستعدا للسفر والترحال بحثا عن معنى الأشياء.المهم أن الصحافة بالنسبة لي هي عالم رائع، لكنها بوضعها الحالي المنغلق والسائر نحو مزيد من التكميم والحجر، لا تبعث على الارتياح فالقانون ينبغي أن يترك ولو هامشا واحدا لقول الحقيقة.

خيانة النص

ـ محمد الاحسايني لم يدمن عشق الكتابة الروائية فقط وإنما افتتن بالترجمة أيضا، لماذا هذا الافتتان بخيانة النص وفقا لتعريف رولان بارت؟

ـ على الرغم من انشغالي بالترجمة فإنني أعتبرها وقفا للإبداع،لما عمدت إلى ترجمة رامبو وبودلير، قلت سأوقف عقارب الساعة قليلا ريثما أستعيد أنفاسي، لأن الترجمة مهما كانت صافية فإنها تكون عرضة للطعنات النقدية، وقد عرضت ترجمة بودلير على صديقي الدكتور مصطفى الطوبي وهو من المتضلعين في الترجمة، ماذا كانت النتيجة؟ لقد أخبرني بأنه لم ير ترجمة متكاملة فيما قرأ من ترجمات المغاربة كترجمتي لبودلير وناقشني في بعض الكلمات في المقدمة، ثم تركني وغادر إلى أستاذ جامعي بأكادير، ثم تبين لي بعد ذلك أنني لا أستطيع أن أوقف عقارب الساعة حتى أسترد أنفاسي، فلا بد من الإبداع في أي حال.

ـ المبدع محمد الاحسايني أهدى الكثير من الروايات والترجمات والأعمال الصحفية الرصينة للمشهد الثقافي المغربي، لكن ألا ترى معي أن ذات المشهد لم ينصف لحد الآن محمد الاحسايني؟

العهر الثقافي

المشهد الثقافي بالمغرب مضحك ومثير للشفقة، هناك أسماء تستعمل كسبحات وردية ( من ورد الزوايا الطرقية ) لا يمل البعض من عبادتها واستحضارها في الأذكار وطقوس الشيخ والمريد، والحلقة تدور طبعا في اتجاه مغلق ومفرغ من أي معنى، هناك مبدعون خارج هذه الحلقة الوردية، لا يتم النظر إلى أصالة ونوعية إبداعاتهم، هناك زبونية وثقافة مشكلة من الإخوانيات والقطيع والاستلاب، إنها بكل وضوح منتهى العهارة الثقافية.

الثقافة المغربية محيرة، إلى أي جهة تميل؟ إلى الشرق أم إلى الغرب؟ هناك من يتحدث باسم أدونيس، وهناك من يتحدث باسم روب كرين وهناك من ينحاز إلى البنيوية التي تدل في نظري المتواضع على انتكاسة كثير من المناهج والنظريات المؤطرة للثقافة الغربية.

إنه مشهد ثقافي غير واضح ماذا نريد منه بالضبط؟ الأدب المغربي موجود منذ القدم، هناك الأدب الأندلسي وأدب الفقهاء، فماذا ورثنا عن ابن زيدون مثلا؟ إننا لا نهتم بأدبنا المغربي ولا نوليه ما يستحقه من اهتمام، ولا نهرع إلى نفض الغبار عن كثير من نفائسه التي يطويها الجحود والنسيان وربما حتى الحسابات الضيقة.

ـ لو طلبنا منك أن تنجز بورتريها مقتضبا عن محمد الاحسايني ماذا سيكون جوابك؟

ـ أنا رجل بسيط يأكل خبزا ويمشي في الأسواق، وأن تسمع بالمعيد خير من أن تراه، مادا تعني كتابات محمد الاحسايني بالنسبة لمجتمع يتطور؟ إن الاحسايني يتوحد مع هذا المجتمع ويؤثر فيه ويتأثر به، شخصيا لم أكون نفسي ولم أسعى إلى تشكيلها وفق هذا الشكل، وإنما المحيط الاجتماعي والثقافي هو الذي أنتج هذا ال "محمد الاحسايني".

ـ بماذا تود ختم هذا الحوار؟

ـ كل ما أتمناه هو أن يعاد النظر في الثقافة المغربية وفي آليات اشتغال المشهد الثقافي تحديدا، لا بد من مساءلة الثقافة العربية / العربية والثقافة العربية / الغربية، ونسائل أنفسنا من نحن؟ ولمن نكتب؟ ولمن نقرأ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى