الأربعاء ٢٩ شباط (فبراير) ٢٠١٢
الشاعر بورشاشن
بقلم محمد التفراوتي

يأنس نارا في «الطين المسجور»

أفاد الدكتور والشاعر المعروف محمد علي الرباوي في تقديمه للمجموعة الشعرية «الطين المسجور» للشاعر المغربي إبراهيم عبدالله بورشاشن، أن لغتها مستفزة، انطلاقا من العنوان، فالطين استعار من البحر صفة أرادها الله له، وبهذه الاستعارة قرب الشاعر إبراهيم بورشاشن الطين من البحر، حيث إن الانسان إذا غرق في الطين هلك كما يهلك إذا دخل لجة البحر.

واعتبر الرباوي تيمة الطين من التيمات التي تؤجج الشعر في جوف الشاعر، فالقلق يسكن الصوفي كما يسكن الشاعر، والشاعر يعبر عن قلقه الصوفي بقلق شعري، هذا القلق حاضر بدءا من عنوان المجموعة حيث رُكِّب تركيبا قلقا, "الطين المسجور": تركيب مفيد لكن أين المسند؟ أين المسند إليه؟ المسند لا يتحقق إلا بالمسند إليه.

والطين وحده لا يحقق الحياة، إذ لا بد له من الروح، لا بد لتتحقق الزوجية من الطين الملفوف بالنور الوهاج. ولهذا فالشعر غارق في حمأة الطين يبحث له عن شط النجاة، وقصيدة "مناجاة قلم" التي يفتتح بها الشاعر هذه المجموعة خير معبر عن هذه الرغبة في الانعتاق.

يقول مخاطبا القلم:

يا جناح المنكسرين
ضاق الثرى
ففتقت السماء

فالتجربة الإبداعية، يحلم الشاعر أن تنقله من الصلصال المسنون إلى النور المشع في أرجاء السماء، لهذا فالشاعر يبحث عن النور - النار المقدسة:

أعصاي التي أهش بها على حروفي….

الشاعر آنس نارا. ماذا سيحدث له إن هو اقترب منها؟ لمعرفة هذا أدعو القارئ الكريم إلى الدخول إلى عالم هذه المجموعة لعله يكشف السر.

وتناول الشاعر الرباوي بالدرس والتحليل المجموعة الشعرية «الطين المسجور»، الصادرة عن مطابع الأنوار المغاربية في 171 صفحة، مقاربا تجربة الشاعر بورشاشن وقوة نصوصه الشعرية في سياق ما شهده الشعر العربي عرف منذ احتك بالمنجز الشعري الغربي خاصة، عدة تحولات. فقد اعتبرته حضارتنا كلاما موزونا مقفى دالا على معنى، ثم انتبه علماء الشعر، منذ القديم، إلى أهمية المكونات البلاغية. فلهذا عد بعضهم الشعر الخالي من الاستعارة والمجاز مثلا مجرد تقطيع وأوزان باردة.

لكن الواقع الشعري أثبت أن هذه المكونات ليس حضورها شرطا لتحقيق الشعرية. كما أن الوزن لا يحقق وحده هذه الشعرية. فكثيرة هي النصوص التي أنجزها شعراء كبار ليس بها انزياح لغوي ولا استعارة ولا مجاز لكن اتفق أهل العلم بالشعر على قوة شعريتها.
واستشهد الرباوي بقصيدة "الحرية" للشاعر بول إيلوار، وهي من أشهر قصائد هذا الشاعر الذي يعد من أئمة السرياليين، تقوم على لغة بسيطة يستعملها الإنسان الفرنسي في حديثه اليومي.

وفي شعرنا العربي أغلب قصائد «الناس في بلادي» لصلاح عبدالصبور تمتح من اليومي البسيط، لكن هذا لم يمنع من أن هذه المجموعة بكل نصوصها تعد من أشهر المجموعات التي صدرت بهذا العصر. لكن مع ظهور قصيدة النثر تبين للمهتمين بالشعر أن هذا الشكل الجديد الذي تخلى عن الوزن بحاجة إلى أن يعوض هذا بالتركيز على المكونات البلاغية، وأصبحت هذه المكونات مطلبا أساسيا في النص، وهذا ما نلاحظه في أغلب ما أنجز بهذا الشكل.

وبذلك، يضيف الدكتور الرباوي، الشاعر آنس نارا. ماذا سيحدث له إن هو اقترب منها؟

يشار إلى أن المجموعة الشعرية «الطين المسجور» احتوت على 36 قصيدة من بينها: «مناجاة قلم»، «غواية الحرف»، «في ظل الزمن البطيء»، «النيرونية»، «جرم»، «الألم»، «كبوة قلم أم كبوة لسان؟»، «سقراط»، «حرف سقراط»، «أرنب»، «بشر وبشر»، «أطلال دامية»، «جفاء الأنس»، «عقل الخيال»، «الحرباء»، «التنين.»


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى