الليلة الثالثة بعد الألف

بلغني أيها الملك السعيد من مستقبل الزمان البعيد، زمن وصول الصورة من شرق الدنيا إلى غربها في لحظات، زمن يتحدث ويرى فيه الناس بعضهم وهم في أطراف متباعدة من العالم، زمن يقضي الناس عطلهم على سطح القمر والكوكب الأحمر...

– أهذا زمن أسطوري ياشهرزاد؟
– لا يا مولاي إنه زمن المستقبل كما رآه المنجمون.

بلغني أن «السي الزين» فقيه مشارط: (من حملة القرآن الكريم) نزل بإحدى القبائل البريري\ العربية، المتناثرة كالربوع الدارسة، ببلاد الغرب الإسلامي...

– ومن هم البربر\ العرب يا شهرزاد؟
– قوم لا وجود لهم في هذا الزمان

كان هذا االفقيه يملك من وسائل الإقناع وأدواته المختلفة ما تضيق الليلة عن سردها. يفوق سحبان بيانا ويونان منطقا ولقمان حكمة، وقارون مالا والحجاج مضاء، (كل ما سمعت من أسماء لم يكتب لها بعد مجيء إلى الحياة وما سأذكر من منشآت دينية كذلك) لا يدع لرأس تتمنى الإيناع مجال. يحب الدنيا، يعب من ملذاتها. يحب الله، دون أن يتقيه في عباده، يسافر عبر أنحاء العالم، له صداقات في كل بقعة من بقاعها. جمع يوما الأهالي، وقام يلقي تعليماته،هو من لا يعصى له أمر:

– أيها الناس، أيها المؤمنون، نحن قبيلة لا تقل أهمية عن باقي القبائل، لذلك لن نرضى أن تكون منشآتهم أكثر جمالا وجودة من منشآتنا. ونحن مؤمنون نعبد الله حق عبادته. ولا ترضون أن نصلي في أكواخ تسمونها مساجد. فالله جل وعلا يحب أن يعبد في مسجد لائق ونحن لا نرضى أن تكون مساجد القبائل المجاورة أرقى من مسجدنا.

(يشرع أحدهم في التصفيق،يلتفت القوم فإذا هو «رشوان الأشول». وترى خراف السيد «بانورج» تقفز الواحد تلو الآخر، ومع آخر صوت يدين يرفع صوته الجهوري):
– لن نكون يوما أقل شأنا من أي كان ، سيدنا، أنت ومولانا، أنت العين التي بعثها الله لتقودنا في الظلماء، فانظر ما أنت فاعل، ودع الأمر لنا، أليس كذلك يا معشر لقوم؟
– (ومن يقوى على الاعتراض؟؟)

لا يدري المرء كيف وقف الجميع منتصبين يصفقون بأيديهم، يبكون بقلوبهم. وهم يتنبأون في سرهم بالصاعقة التي ستدوي فوق سمائهم ...
– اسمعوا أيها الناس وعوا، لقد قررت أن تحظى القبيلة بأعلى مسجد في المنطقة، ولذلك لم أجد مكانا يصلح لإقامة هذه المعلمة أفضل من قمة ذلك المرتفع(وهو يشير إلى جبل «الدوم») حيث يرقد الأولياء الصالحون الوهميون «سبعة رجال». ولا أخفيكم أن تكلفة بنائه ستكون باهضة، لكني جد متيقن أن أما م أبناء القبيلة الأبرار كل شيء في سبيل القبيلة و دينها يهون، ولهذا منذ الليلة سنفتح لائحة للاكتتاب..

– الله أكبر الله أكبر ألله أكبر، (والقوم يكبرون بعده) إنها والله يا مولانا لفكرة عبقرية ..أمثالك من الرجال يا سيدي قلة وندرة، ولا شيء يمكن أن يقف في تجسيد إرادتك الشريفة. (إنه الذراع الأيمن). يخرج محفظة نقوده ويشرع في عد أوراق المال من أكبر فئة العملة الوطنية. ها هي ذي خمسة ملايين وقد أضاعف المبلغ (ياله من تمويه)

– لا داعي للاكتتاب الآن، لقد حددنا الموعد ولن يتخلف أحد عن أداء هذا الواجب الديني، سنشرع في بناء المسجد مع مطلع الشهر المقبل.

اختتم الاجتماع بالدعاء للشيخ الفقيه بطول العمر ونسي كل من سواه. تفرق الناس منهم من سار وحيدا يفكر في كيفية تجاوز ما ينتظره وهو يعلم أن ذات يده لا تسمح له بالمشاركة وأن الشيخ لا يسمح له بعدم المشاركة. ومنهم من ساروا جماعات مطرقي الرأس..

– ترى كيف ومن أين سيحصل شيخنا على المال؟ هل سيساعده أصدقاء له من خارج القبيلة؟ لقد سمعت أن له أصدقاء كثيرون أغنياء.
– لا تتغابى يا سلاَم، إن أصدقاءه هم نحن، نحن أصدقاؤه الأغنياء الذين سنمول بنا ء المسجد..
– ومن أين لنا بالمال الكثير؟
– ستنحته من جلدك الجاف..

اختلى "الأشول "باخيه "الذراع الأيمن ":

– تعالى أيها الأحمق، رأيتك تستعرض عضلاتك، وتساهم بذلك القدر الهائل من المال، وتعد بمضاعفة المبلغ!!
– قبل أن أرد على كلامك ،أجبني على سؤالي: ما مهنتنا نحن؟
– الفلاحة
– كنت أزرع يا أخي، أأنت خائف على مالنا من الضياع، لا اطمئن، ستدفع أنت أيضا قدرا مهما وسنجني ما دفعناه أضعافا
– وكيف ذلك
– ليس لدي الجواب في هذه الأثناء، سأجيبك عمليا.
– كان "الذراع الأيمن "وأخوه يترأسان اللجنة المشرفة على جمع التبرعات والصرف المرتبط بشراء المواد وأداء مستحقات العمال.

كان يوم السوق الأسبوعي للأسبوعين الأخيرين ذا طابع خاص،على كل من يدخل السوق للبيع أن يساهم بالشكل الذي حددته اللجنة :ثمن عجل لبائع البقر، ثمن خروف لبائع الغنم...أما باعة الخضر وتجار المواد الغذائية والجزارين،،فبثمن يقدر بعشر البضاعة، وبائعوا السجائر بالتقسيط والأكياس البلاستيكية بثمن وحدة على كل عشر وحدات
– معذرة يل شهرزاد ما السجائر وما المواد البلاستيكية.؟

في هذه الأثناء أدرك شهرزاد الصباح وتوقفت عن الكلام المباح....

يتبع...