الاثنين ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم شاكر فريد حسن

عن النقد ب«الاستكتاب»

للنقد أهمية بالغة في تطور أية حركة ثقافية والارتقاء بها، ولكن الحاصل في مشهدنا الادبي والثقافي الحاضر من حالة مرضية مزمنة ومستعصية هي انعكاس لغياب النقد الجاد والمسؤول والمنهجي، وما يكتب وينشر من مراجعات ومتابعات نقدية هي كتابات ب«الاستكتاب» والموجود الآن هو الناقد «الملائكي» و«المستكتب». وقد أصبح لكل شاعر او كاتب ناقده الخصوصي، أما الكتابات القادرة على بلورة النص الابداعي ومحاورته واضاءته ومساعدة القارىء على امتلاك مفاتيحه ودعوته للقراءة فقليلة وشحيحة، ولا ابالغ اذا قلت أننا في زمن النقد السياسي والسياحي والقبلي وحسب الطلب ووفق المصلحة والاهواء الشخصية، والانتقائية.

هنالك ضغط و«ارهاب» والحاح وتوسل يمارسه الكتاب والشعراء والمتشاعرون والمتادبون ـوما اكثرهم في السنوات الاخيرة ـ على النقاد وكتاب المقالة الناقدة . فبعد ان يهديك احدهم كتابه الجديد او مجموعته الشعرية والقصصية تبدا المكالمات الهاتفية والبيليفونية والايميلية تنهال على الناقد الذي ارسل اليه الكتاب، وتجد في حديث هذا الكاتب الكثيرمن اللوم والعتب على هذا الناقد لانه لم يكتب بعد "مديحا "او "اطراء"او مراجعة تسويقية للكتاب، وعندما يبلغه بانه تصفح الكتاب ولم يقراه بعد فيبدا بالتوسل والالحاح عليه بقراءته في القريب العاجل والكتابة عنه بصورة ايجابية.

في الماضي كان الكاتب اكثر حياءا وخجلا وشهامة وكرامة واحتراما لنفسه، وكان صاحب رسالة ويكتب عن الذات والواقع وهموم الوطن وعذابات الناس واوجاع الشعب وعن قضايا الانسان والحياة، متمسكا بالحلم والامل، وحين كان يهدي كتابه لاحد النقاد يترك له حرية الاختيار بان يكتب او لا يكتب شيئا عن كتابه، اما الان فقد تغير الحال واصبحت الكتابة لدى الكثيرين ترفا وطمعا في جائزة او منحة كذلك غرورا واعتزازا وحبا بالذات وبحثا عن الشهرة والظهور المزيف، وتحول النقد في عرف البعض بان يكون مطية لاشهارهم ورفع مكانتهم وتعظيمهم. اما النقد الذي يتعرض بحق لهفواتهم وزلاتهم وسقطاتهم فانه برايهم نقد يريد النيل منهم لسبب ما، وفي هذا السياق استحضر واكرر ما قاله الناقد الفلسطيني الدكتور حسام الخطيب: "ان الادباء هم اول من يرفض النقد والحوار". وباختصار شديد، ان النقد ب"الاستكتاب" ظاهرة مخجلة، مقلقة ومسيئة الى المبدع والادب قبل كل شىء وتترك اثارها السلبية على تطور ادبنا وثقافتنا .وهذه الظاهرة ان دلت على شيء فتدل على الخواء والبؤس والضياع والفقر الثقافي الذي يعيشه كتاب هذا العصر.

ويبقى القول في النهاية، ان الكاتب الاصيل والمبدع الصادق المؤمن بالكلمة الحرة النظيفة لا يلهث وراء الصحافة والاعلام ووراء النقاد و"الطنب "عليهم واستجدائهم، وان حياتنا الادبية والثقافية تحتاج الى ادباء وكتاب حقيقيين يحترمون انفسهم اثبتوا حضورهم ووجودهم على الساحة عن جدارة واستحقاق، وليس "نجوما"صنعتهم الصحف ووسائل الاعلام والاحزاب والتنظيمات الادبية وفرق السحجة وجوقات الزمر والطبل، علاوة الى النقاد المؤهلين. ومن الضروري لكي تنشا نهضة نقدية حقيقية عندنا يجب ان تستعيد الصفحات الادبية والثقافية في صحفنا دورها الجدي لخلق حركة نقدية واسعة وقريبة من القارىءوتساعد على تطوير ادواته الفنية.

(مصمص)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى