الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم عبد الرحمن البيدر

ومضة

يكافح من أجل البقاء الذي لم يعد يعنى له الكثير بعد أن اختلفت لديه معاني مفردات الحياة، واختلف لديه معنى الموت بعد ان صار الموت اكثر شراسة ويداهم الناس بلا حياء، لقد صارت الحياة أسيرة القدر وضاق فيها هامش الاختيار، اختلف لديه معنى الامل بعد أن شط عنه ولم تترسب في نفسه أية فسحة يمكن أن يرسم عليها حلما ولو كان صغيراً، إختلف لديه معنى الحب، فبرأيه قد صار الحب طريداً يبحث عن زاوية يختبأ فيها، ولم يعد يتجول في الشوارع عطر نساء ولا قرع نعالات ترقب مجيء حبيب، إختلف لديه معنى حب الوطن الذي كان يخشى اشهاره، معنىً واحداً تكرس لديه وازداد ترسخاً، ذلك هو معنى الرعب، لان الرعب قد صار سيداً يهيمن على كل شيء، كان يعيش زمن الرعب في كل اللحظات، الرعب من الموت بطرق وحشية، الرعب من فقدان الاحبة بطرق غير شرعية، الرعب من تدمير الاشياء والأماكن، الرعب من ضياع الاخلاق،الرعب حتى من الخلوة، ومن سماع الموسيقى، ومن نشرة الاخبار، ومن صوت المؤذن في غير اوقات الصلاة، الرعب من النوم بملابس خفيفة، ومن ضجيج الحوامات بعد منتصف الليل، ومن السير في شارع ابو نؤاس،

في خضم كفاحه المسكون بالهواجس المتراكمة، إلتمعت في مخيلته ومضة صغيرة، إنشد اليها كأنها بانو راما يتيمة تجول بين طيات القدر، استلقى شابكاً كفيه تحت رأسه وتمنى لو أن القدر حمل تلك الومضة والقى بها وسط مشهد الحياة التي يجول بين ثناياها هاربا من كل شيء، حتى من حبه الذي كان يتدفق لأطفال الحي ولحبيبته التي انقطعت اخبارها فجأةً، أخذته اغفاءة الى زمن اخر، وقف على الرصيف يرقب مذهولا سيارات الاسعاف والإطفاء وسيارات عسكرية مسرعة، وأناس يرسفون بجلبة، كأنهم خارجون من وسط عاصفة هوجاء دمرت بعض البيوت، وقتلت قسماً من الناس وأصابت قسماً آخر، ثمة امرأة حافية القدمين وقد تقطع جزء من ثوبها تحمل طفلا يسيل الدم من أنفه وشدقيه، هزته إرتعاشةٌ عنيفة، قال في نفسه هذا الزمن يشبه ذالك الزمن، فز مرعوباً، تناول قدح الماء ومق منه بشراهة، دعك عينية وشفتاه ما زالتا ترتجفان، بعد برهة تراءت له نفس الومضة، شبك كفيه تحت رأسه وراح يتأمل، هل هذا معقول، لم أقرأ أو أسمع ان أناسا قد مر عليهم ما نراه وسط هذا الرعب، ما هو ذنب الناس المسالمون لكي يموتوا افرادا وجماعات؟ الموت.. الرعب..، الرعب.. الموت، من أجل ماذا، ما هو الثمن؟ لا أحد يدري، القدر.. القدر.. لا ليس القدر من يتحكم بحياتنا، لابد ان هناك شيئاً أكبر من القدر، يفعل بنا ما يريد، بالتأكيد هو ليس الله، لان الله خلقنا لكي نعيش .....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى