الاثنين ٢٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أحمد طالب

النقد التأثري خصائصه ومميزاته المنهجية "

خصص "جول لومتر" وصديقه " أناتول فرونس" [1] اسم"النقد التأثري" لمذهبهما هذا ، على خلاف ما ذهب إليه خصمهما "برونتيير" الذي سمى هذا الاتجاه النقدي، بالنقد الشخصي تارة، وبالنقد القائم على اللذة تارة أخرى.

وإن كنا نذهب إلى ما ذهب إليه " لومتر" و"أناتول فرونس" ومعظم الباحثين، بالإضافة إلى تاريخ النقد الأدبي، فإننا نلاحظ بأن التعريف العلمي السليم، لم يكتمل لهذا المصطلح النقدي. وحتى الشرح الذي وضعه "برونتيير" يُنقص من شأن هذه الظاهرة الأدبية، كما أنه يتنافى و! الروح العلمية السليمة، لأنه بُني على المعارضة أساسا.
لقد ظهر مصطلح " النقد التأثري " في فرنسا، في القرن التاسع عشر الميلادي، وإن كانت هذه الظاهرة النقدية موغلة في القدم، فإن المصطلح ظهر متأخرا، وكان ظهوره طبيعيا، في هذه الحقبة الزمنية، التي شهدت تطورا ملموسا، في مختلف المجالات الأدبية والنقدية والفنية عامة.

كما مهدت أفكار الناقد "أرنست رينان" الذي صرح بأن الإبداع الفني ما هو إلا ذلك الذي يُمثل الجمال الخالد اللانهائي للطبيعة الإنسانية، وأن كل شيء، يثير الإعجاب والنقد. مما جعل "لومتر" يستفيد من هذه الأفكار القيمة لاستكمال منهجه النقدي.
ومما زاد من تطور المنهج النقدي التأثري، طابع الصراع، والمعارك الفكرية، التي أثارها "برونتيير" الذي آمن بنظرية "داروين"، بالنسبة لتطور الأنواع الأدبية، في الوقت الذي كان "جول لومتر" و"أنتول فرونس" وأتباعهم يؤمنون بالذوق الأدبي ، والإحساس به، بدل تقنينه والحكم عليه.

فالمقالة التي نشرها الناقد "برونتيير" في "مجلة العالمين" [2] ، أحدثت أثرا عميقا، في تاريخ النقد الأدبي، لأنها كانت بمثابة هجوم صارخ وعنيف، ضد المنهج النقدي التأثري، كما أنها كانت بداية الصراع النقدي، بين المدرستين التأثرية والموضوعية. فلم يسكت كل من "جول لومتر" و"أنتول فرونس"، إذ انهمكا على كتابة مقالات، للرد على خصومهما، وبخاصة "برونتيير" ومن حدى حدوه، مبينين خصائص ومميزات النقد التأثري، موضحين أهميته بالنسبة للاتجاهات النقدية الأخرى.

لقد خصص "جول لومتر" كتابا أسماه "المعاصرون" [3] للرد على خصومه، كما ألف "أناتول فرونس" كتابا آخر على المنوال ذاته! ، عنوانه: "الحياة الأدبية" "la vie litteraire" . وإن كان "لومتر" في كتابه يعترف بوجود مفهومين للنقد الأدبي. المفهوم الأول، ينحصر في موافقة الإنتاج الأدبي، للقوانين الضرورية، للنوع الأدبي، الذي ينتمي إليه هذا الإنتاج، مع انتمائه، لروح العصر، ومراعاته الأخلاق العامة، والأوضاع الاجتماعية، وأن يكون مناسبا للحظات التغير والتطور، التي تطرأ على هذا النوع الأدبي.

أما بالنسبة للمفهوم الثاني، فقد يهدف إلى تجسيد وشرح الانطباعات، التي نتلقاها، من الإنتاج الأدبي، والتي تترك فينا شعورا غامضا من الأحاسيس العميقة، وقد سمى "لومتر" هذا الاتجاه بالنقد التأثري، دو! ن أن ينكر وجود النقد الموضوعي، على خلاف من صديقه "أناتول فرونس"، الذي ينفيه تماما، بحجة أن النقد الموضوعي، لا وجود له. وأن أولئك الذين يدّعُون أنهم يضعون في الإنتاج الأدبي، غير روحهم الخاصة، إنما هو مخدوع بأكبر خرافة. [4] وقد ارتأى بأن أصحاب النقد الموضوعي، يصدرون أحكاما قائمة، على حقائق ثابتة، وهذا فهم خاطئ، لأن الحقائق الثابتة، مجالها العلوم الدقيقة مثل الرياضيات، ولا تنطبق أساسا على سائر عالم الفنون، ومن بينها الأدب. كما أن العلوم الدقيقة، لا تقوم هي الأخرى، على أساس مجرد الإحساس، والشعور، والتأثر، كما هو الشأن بالنسبة لعالم الفنون والأدب. [5]

فالفن عموما، لا يستطيع - في نظر أصحاب النقد التأثري- أن يتقيد بقيود تفرضها القوانين الجامدة، و لا يلتزم بقواعد ثابتة جافة. إذ هو عالم حر طليق، تُنتجه عبقريات فردية، تتفاوت من حيث القدرة على الإبداع الأدبي والفني. و قد نبه "أناتول فرونس" أنه " ليس من شك في أن الشعر والشاعر، لن يصيرا في يوم من الأيام موضوعا، يعالجه العلم البحث." [6]

فالصور الرائعة الجميلة الغامضة والعميقة، المليئة بالأسرار، هي من صميم الفن، وليس من شك في أن أكثر ما يجذبنا إلى الإنتاج الجميل هو ذلك الغموض، والأسرار التي تكمن فيه. ويرى أصحاب النقد التأثري أيضا، بأن النقد الموضوعي، سوى إيديولوجية، تقتل تلك اللذة، والمتعة الفكرية، التي تتولد داخل نفوسنا، من خلال تذوقنا للنصوص الأدبية المختلفة.

ورغم هذا، فقد أتبث النقد التأثري جدارته، من خلال كونه نظرية نقدية، أسهمت في الكشف، عن المتعة الفكرية، في العمل الإبداعي، كما أنه، يأتي في المرحلة الأولى، للعملية النقدية، قبل النقد الموضوعي. فالقارئ يمر حتما، بانطباع أولي، عندما يتأثر بالموضوع، والأسلوب واللغة، وشخصية الكاتب. بينما تتبع هذه المرحلة، القراءة الموضوعية للنص لاكتشاف الحقائق بعيدا عن العاطفة الجياشة، والانفعالات الذاتية المؤثرة. وقد أكد " لانسون" مؤسس منهج التاريخ الأدبي على أهمية هذا النقد، كمرحلة ضرورية في بداية المرحلة النقدية، قبل المرور إلى المرحلة الموضوعية.

الهوامش:


[1Antonio «Annette», Anatole France critique litteraire

[2Bruntiere «La critique impressioniste» revue de deux mondes, 1 janvier,1891,P.210-224.

[3Le Maitre «Les contemporains» de preface P.11.

[4France A. «la vie litteraire» P.17.

[5المرجع السابق،ج3 – المقدمة-ص 13.

[6المرجع السابق،ص 17.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى