الأحد ٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم أحمد علواني

قراءة نقدية في «حدثني عن البنات» لـفؤاد قنديل.

الملمح الأول فى مجموعة: "حدثني عن البنات" هو قضية المرأة.
يبدو من العنوان: "حدثني عن البنات" أن الكاتبَ منشغلٌ بقضية المرأة، ففي القصة الأولى والتي حملت المجموعة عنوانها، طلب الراوي من جده أن يحدثه عن البنات، وكان يتطلع إلى حديث مفصل عنهن، ولكن جاء الحديث عبارة عن تعريف موجز للنساء عامة فهن: «‏رياحينٌ خُلقن لنا»‏.‏ [1] ومن اللافت للانتباه أن هذا التعريف يأتي على لسان "الجد" وربما أستقى هذا التعريف من واقع خبراته أو مرجعياته التراثية أو ثقافته الذكورية التى ترى النساء أشبه بـ "الرياحين خُلقن للشم والضم".
ولكن تعريف "الجد" لم يُشبع سغب "الحفيد" الذي تطوق نفسه لمعرفة حديث مفصل، لا تعريف موجز. ولقد أبان "الحفيد" وأفصح عما يختلج فى نفسه ويصرح برغبته فى الزواج قائلاً: «‏أريد أن أتزوج». [2]
ويبارك "الجد" هذه النية، فيسأل "الحفيد": ‏«كيف اختار؟». [3] وينتظر إجابة "الجد" أو يتطلع إلى معرفة شروط الاختيار، ولكن لم يسعفه بما يريد، فصمت وتأمل طويلاً، ونهاه قائلاً: «لا تُجهد نفسك في الاختيار .. سيحدث وحده» [4]

ولكن لن يركن "الحفيد" إلى القسمة والنصيب، فيسأل عن دوره في هذا الاختيار: «وما دوري؟» [5] ويحاور "الجد" حفيده وينتهي حواره بنصيحة هي: «تجنب المنبت السيئ» [6] وواضحٌ هما أن "الجد" يستلهم هذه النصيحة من تحذير النبي
"إياكم وخضراء الدمن ... المرأة الحسنة في المنبت السيىء".

وكأن هذا "الحفيد" يمثل الجيل الجديد الذي لا يرغب في الركون إلى النصيب ولكن يسأل عن دوره وفى سؤاله يريد أن يفتح باب الحوار بين فكر الأجداد وفكر الأحفاد.

وفى قصة "أحلام مخصصة للانتقام" يُعيد الكاتب طرح قضية المرأة بصورة واقعية تتمثل فى الخيانة الزوجية، وما يقع على الزوجة من آلالام نفسية تتحول فى القصة إلى أحاديث داخلية ويتطور الأمر إلى هلوسات وأحلام تعكس رغبة الانتقام، حيث تعجز الزوجة عن القيام بفعل الانتقام الذي عجزت عن تنفيذه فى الواقع ولكن فضاء الأحلام يسمح لها بذلك، حيث يبدأ الحلم الأول بإشعال النار فى بيت الزوج، ربما لأن الزوجة تشتعل بين جوانحها نيران داخلية من الغيرة والغضب، كل هذه المشاعر تتقد وتتأجج فى لا وعيها الباطن فتظهر فى شكل حلم متكرر، فقد تكرر الحلم الأول هذا الحلم لفترة طويلة حتى جاء الحلم الثاني وهو الانتقام بالخنق وكتم الأنفاس ... وهى وسيلة جديدة من وسائل الانتقام التى تساور الزوجة فى عالم الأحلام، ولكنها سوف تفيق من هذه الأحلام عندما تنتبه وتفيق من أحلامها فتستيقظ على صوت طرقات الباب: «مهلاً.. هناك طرقات على الباب .. أعرفها .. هل تُراها له؟ شيء بداخلي يرتعش .. هل يمكن أن يكون هو؟. ما أجمل أن..» [7] هكذا ترك الكاتب النهاية مفتوحة أمام القارئ ليخمن، أو ليتوقع أو ليكتب بنفسه نهاية الحكاية.

وفى قصة: "حب خريفي بطعم العواصف" [8] تظهر في القصة واقعية سحرية غرائبية، حيث تبدأ القصة بداية عجائبية تتلخص في حدوث حمل لسيدة في الثالثة والستين من عمرها، ويقف الطبيب عاجزًا عن تفسير هذه المعجزة المذهلة .. وتظل السيدةُ على قيد الحياةِ حتى تلد وترى المولود ثم يذهب نظرها، ويموت زوجها، الذي يمثل الظهر والسند ورغم ذلك تواصل رسالتها وتربى الابن فيكبر ويتعلم، والغريب أن يمتد بها العمر إلى أن يتخرج الابن من الجامعة وأمام كل هذه الأحداث غير المعقولة يُضّمن الكاتبُ بعض الآيات القرآنية من سورة الرحمن وهى الآيات التي تركز على المعجزات الآلهية في خلق الكون. والكاتب بذلك يحاول إقناع القارئ أو المتلقي بأن قصته قد تحدث لأن الله قادرٌ.

وفى قصة "جموح قلب منسي" طرح الكاتب قضية بشرية منسية، وهى قضية عسكري المرور الذي يقف فى الشارع ينظم حركة المارة والسيارات، فهذا الرجل نمرّ عليه دون أن نلتفت إليه، أو نعيره بعض الاهتمام، فما يهمنا هو أن نمر فى طريقنا. وينجح الكاتب فى تصوير هذا الرجل المنعزل عن الواقع السياسى والاجتماعى بأحداثه وصراعاته وأزماته لا يشغله إلا حركة الشارع، وقد عزله عمله عن التمتع بحياته العائلية فقد أبعده عمله كثيرًا عن القيام بواجباته تجاه زوجه وأبنائه.

الملمح الثاني فى مجموعة: "حدثني عن البنات" هو توظيف الحيوان
يهتم فؤاد قنديل بـ توظيف الحيوان فى مجموعته القصصية على نحو خاص، فلا يظهر الحيوان بوصفه أعجمًا، بل هو مفصح ومبين، ففي قصة "حدثني عن البنات" صور الكاتب "فرسة الجد" تصويرًا ينطبق على فتاة مغرمة بفتاها، فقد ركب "الجد" فرسته وفى الطريق تلتقي بـ فرسها الأثير وتتوقف عن المشي لتبادله النظرات الحالمة وتتلقى منه الوعود الناعمة، ولا تعبأ بما ينهال عليها من لكزٍ أو ضربٍ أو حثٍ على المسير.

وفى قصة "صحراء حليمة" يوظف الكاتب العنزات والنياق يطرح من خلالها بعض الأعراف أو قوانين القبيلة الغريبة، وقد تركزت حول العنزة والناقة، فـقضت بألا يحلب العنزة أو الناقة إلا رجل، فقد حُرم فعل الحلب على المرأة. ثم يتحول الكاتب إلى الحديث عن الإبل التى «‏تتلمس العشب وتتبعه أنى سلك من دروب... لا تعرف الحدود الإدارية والسياسية، لا تعرف اسم البلاد والعباد .. ولا تدين إلا بدين العشب والماء.. الأمان الكامل يشمل مسيرتها التى قد تمتد أعوامًا.. ترعى وتجتمع وتتجامع وتتناسل، عالم مفتوح أمامها» [9] وكأن الكاتب يتطلع من خلال هذه الصورة الرمزية إلى رؤية الوطن العربى الآمن المفتوح أمام أبنائه بلا حدود إدارية وبلا قيود سياسية وبلا تفرقة جنسية وبدون تأشيرة سفر لعينة.

الملمح الثالث فى مجموعة: "حدثني عن البنات" هو: النهاية .. المأساوية

يحرص "فؤاد قنديل" في مجموعته القصصية ـ "حدثني عن البنات" ـ على كتابة نهاية حزينة، ففي قصة "حدثني عن البنات" كانت نهاية الزواج هي الطلاق. وفى قصة "أحلام مخصصة للانتقام" كانت النهاية مفتوحة على طرقات الباب وأحلام الانتقام التي ظلت تصاحب الزوجة. وفى قصة "جموح قلب منسي" يجمح قلب عسكري المرور ويتطلع إلى متعة من متع الحياة، ولكن تنتهي النزوة ولا يظفر بالمتعة التى جمح قلبه إليها، ويفيق على أصوات آلات التنبه وصياح ركابها ولعناتهم، وانتهت الحكاية بأن العسكري طحنته الحياة وحرمته من ممارسة حياته كإنسان. وفى قصة "صحراء حليمة" يطرح الكاتب قضية الزوج الغائب، الذي سافر وغاب أكثر مما وعد بالعودة، وفى النهاية يعود، ولكنها ليست العودة الأبدية، حيث تتجدد لديه الرغبة فى السفر، ويصر على الارتحال فيركب جمله لينطلق من جديد.
ولعل حرص الكاتب على هذه النهايات المأساوية يُشبع رغبة المتلقين وما يطوقون إليه، فالوجدان الشعبي ولا سيما المصري متصلٌ بهاجس يعتمل بداخله فيجعله هذا الهاجس.

المصادر:

  1. - فؤاد قنديل: حدثني عن البنات ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ سلسلة أصوات أدبية ـ العدد 427 ـ 2010 ـ ص7.
  2. حدثني عن البنات: ص21.
  3. السابق نفسه: ص9.
  4. نفسه: ص9.
  5. نفسه: ص9.
  6. نفسه: ص9.
  7. نفسه: ص9.
  8. نفسه: ص ص23ـ36.
  9. حدثني عن البنات: ص61.

[1فؤاد قنديل: حدثني عن البنات ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ سلسلة أصوات أدبية ـ العدد 427 ـ 2010 ـ ص7.

[2السابق نفسه: ص9.

[3السابق نفسه: ص9.

[4السابق نفسه: ص9.

[5السابق نفسه: ص9.

[6السابق نفسه: ص9.

[7السابق نفسه: ص9.

[8نفسه: ص ص23ـ36.

[9حدثني عن البنات: ص61.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى