الثلاثاء ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
نقد أدبي لرواية الروائي * جيلالي خـلاص * الصادرة عن دار الجديد سنة 2000 م .
بقلم عائشة بنت المعمورة

التوظيـف الجنســي في المناطق المحرمة

(( ذلك أني كنت عارية كما ولدتني أمي ، تلبية لرغبة وليد ..))
*الحب في المناطق المحرمة *أخذت منعرجا حاسما في توظيف الجسد ويبدو أن صعود "وليد" الجبل و انضمامه إلى الجماعة الإرهابية وراءه "سلوى " وليس القصد شخص سلوى و أفكارها هي التي دفعته … بل علاقته الغرامية البريئة مع " سلوى " الشاعرة و التي نالت شهادة البكالوريا على غرار " وليد " الذي أخذه الحب و الهيام ، وكان هنا حكم التقاليد و السلطة الأبوية أوقفت " سلوى " عن الدراسة و بذلك يصور حالات التعسف الأسري تجاه الفتاة وحـرمانها من الدراسة على غرار فتيـات لم يعرفن التعليم و المدنية قط ؟

الشيء الذي ترك فراغًا رهيبًا ووحشة في قلبه ، و نظرًا لظروفه الاجتماعية من فراغ قاتل لأيامه الاعتياديـة ، تنساب إلى عقله أفكار الجماعة المؤثرة و التي كانت تصطاد الشباب الضائع وتستغل ظروفهم الاجتماعية ، وتصوير الحياة الأخرى في رعاية المشروع الإسلامي و قيام الدولة الإسلامية .

الحب في المناطق المحرمـة ، شعــور في المناطـق المحافظة و قد دفعت " سلوى " ثمن حبها .. التوقف عن الدراسة .. ثمن حبهـا أنها كانت ضحية نزوة جامحة في قلب " وليد" (( المتعة)) أو زواج المتعـة كما هو معروف …
و كانت البداية هي الصراع بين الشعور و اللاشعور في قراءة ما بعد البداية ،كأن بالحب في المناطق المحرمة تعمد الكاتب فيها الضغط بشكل أو بآخر على القارئ مركزاً على الناحية النفسية ( الإثارة الجنسية ) وكانت أولى الصـــور المثيرة في الرواية تمتع " وليد " بجسد "سلوى" في الجبـل .

و الواضح من خلال الرواية أن " سلوى " لم تكن وحدها من السبايا ، بل أخريات ..مثل "حكيمة " التي دفعت ثمن رفضها للمتعة مع الأمير أبشع وسائل التعذيب الجنسي و الجسدي و النفسي عليها أمام مرأى أخواتها و أفراد الجماعة ، و كان توظيف الجسد عاريـًا في الرواية قوي الحضور بتشخيص أدق التفاصيل الذاتية ؟؟ و قد اعتبر جسد المرأة متعة أخرى لتدعيم الراحة النفسية و الضغط العصبي و هـي مرحلة تعـود بنا إلى كتابة السبعينات حيث وظف فيها الجنس بكثرة

*الحب في المناطق المحرمة* رحل إلى " أفغانستان " أين كان يقيـم "وليد" و المجموعة التي سافرت معه من الجزائر باتجاهها أين تتم التدريبات العسكرية القوية و عودتهم إلى الجهاد بالجزائر ، و يبدو أن التعاون والسرية التامة التي يتميز بها أحمد الملتحي مع أطراف لها وزنها سهلت له الكثير من الأمور كجوازات السفر والعبور عبر المطار والانتقال من دولة إلى أخرى، حوادث كلها تستدعي السؤال المر مـن وراء كـل هذا …
الحب في المناطق المحرمة يقف مع "جمال" و المــوت البطيء …أعصاب متوترة ، حلقات التفكير متواصلة … عيون شديدة المراقبة و آذان تصغي لدبيب النمل … إنها لحظات مرعبة يعيشها " جمال " و خاصة بعد تلقيه قطعة قماش بيضاء ملفوفة في استمارة وفاة شاغرة… حكم بالإعـدام على الكاتب " جمال " و كل مثقف جزائري … لغة الموت أخرست لغة الفكر والقلم و كانت البداية لتطال يد الإجرام العديد مــن المثقفين و المفكرين … اغتيال العقول برصاصـة واحدة تقتل الحقائق و توارى في التراب .

كانت الشعارات و الأفكار التي زرعت وسط مختلف فئات الشعب قد لقت صداهـا، لأنه ما من أحد يرفض العدالة الاجتماعية ، و لا رفض لعدالة السماء .

وكانت أرضية المجتمع مهيئة جدا لبروز أفكار تحررية ، عقائدية ، مستقبلية ، تغيير جذري في دواليب الحكم و المجتمع ككل ….
و لأن أخلاق المجتمع قد انحرفت فالبداية كانت بالاهتمام و الحرص على موضوع المرأة الذي يراه البعض بداية التغيير و الإصلاح ؟؟
وإن اختلفت النظرة بين "قاسم أمين" التحررية وما حملته فلسفته التنويرية في الحد من الضيق الذي يمارس على المرأة و بتغيير ذهنية التخلف في فترة ما ، وجد "جيلالي خلاص" نفسه مجبراً و في مجتمع انحرفت أخلاقياته يصور وضع المرأة في شخص سلوى و حكيمة ؟!، وبين تأرجح الكفتين سقوط للإنسانية و العقل… فكانت هستيريا الحب قاتلـة.. و هستيريا الأفكار نارًا تأكل الأخضر واليابس..وهستيريا السلطة حلما لابد من تحقيقه …رغم كل شئ يبقى هاجس الجماعة و الخوف من الموت مرعبا بأبشع و سائل التعذيب مثل ما عانتـه " حكيمة " ؟

* الحب في المناطق المحرمة * يدخل أبواب السجن بعد أحـداث أكتوبر الدامية التي شهدت مخاضـًا عسيراً لروح متمردة على كل شئ . ضحايا كثيرة التهمها البحر و عقول نيرة عذبت بسياط السلطـــة (( ووقعت في الفـخ ! كان " الآع " يتصنتون . ألقـوا القبض علـي و قادوني إلى مخبـأ غريب معصب العينين … مكتوف اليدين ، كهرباء ، جلوس على زجاجات مطلية بالصابون

أنا صحافي تجاوز حدود مهنته ، ممنوع التحدث إلى السكان " الشعبيين " ممنوع ذكر اسم الكاتب المختفي! )) ص 97

صـــورة أخـرى لحرية الصحافة … حرية الفكر .. يعني التطاول على السلطة … على الظلم … على فساد المجتمع…… الصحفـي يقف على حقائق المجتمع ككل و العقاب له إن تجاوز فكره و إبداعه حدود العقل و حدود النص ؟!

الحب في المناطق المحرمة مع " أوغستين " لتأتي مرحلة التاريخ و قد أقحمها الروائـي في ذكرياته ، وقد تكون إفراغا لشحنات انفعالية تقترب من أنماط الشخصية المزاجية .

هـل هي اعترافــات داخليـة له بابن القديسة مونيكا الذي عاش شباباً مضطربـاً .. لاهوتياً فيلسوفًا و كاتباً كبيراً ؟ أم ذاك الراهب المتمرد على العقيدة، التحرري الموفق بين سلطان العقل و الإيمـان . المحارب للراهب البريطـاني "لبيلاجيوس"بأن الإنسان لا يحتاج إلى نعمة الله في سبيل الخلاص و دحض تعاليمه …

أو أن " هيبون " هي مدينة الله التي اختطف فيهـا الكاتب و تم اختطاف العديد؟؟

رغم الفوضى التي عمت الروايـة ، وقف " أوغستين " التاريـخ يعيد إلى الأذهان مشهد القداسة ، في غياب رموز تاريخية أخرى قد تجسد الحاضر بالماضي مستقبلاً ؟و قد يكون الروائي تعّمــد ذلك لحاجـة في نفسه ؟؟!
*الحب في المناطق المحرمة * أخذت نسق الكتابة في السبعينيات و لم تأت بالجديد لا من الناحية اللغوية ولا الفكرية بغض النظر عن تصوير وضع المرأة كيف تغتصب من طرف الجماعة و تعذب ، أو لحظات الجنس أو الإشباع الجنسي الذي ركز عليه الكاتب ،، أو تلك الرسائل الغرامية التي كان يكتبها و هو في السجن إلى حبيبته "وسيلة " و لحظات الاضطراب للموت المفاجئ و قد صوره بفترات دقيقة ومرعبة مرت بها الإنسانية والمرأة خصوصاً،كونها لم تخلُ من الحب..من الجنس.. من العقل و من التاريـخ ومن الموت، و حتى موت السلطة !!

وانتهت بالجنس كذلك((وراحت تنزع ملابسي وأناملها ترتعد…))ص113
بالإضافة إلى ارتباطهــا برواية **عواصف جزيرة الطيور** التي يلح الكاتب على قراءتها من قبل "وسيلــة "و التي تجد نفسها مرغمة على تشتت أفكارها ، و القيـاس علـى القارئ أن يبحـث في الجزيرة وكأن بالحب في المناطق المحرمة لم تـف بالغرض ؟؟!

هل استطاع الكاتـب أن يسمو بالجانب التربـوي الأخلاقي في كتابته لهذه الرواية ؟ أم أنـه وجــد المتعـة في تنقـل متواصـل بين اللـذة و الألم بوضـع الحقائق دون ملل أو ضجر غير مدرك لأحاسيس القارئ (( المراهق )) و مـدى تأثره خاصة في تصويره الفاضح للجانب الجنسي.
يقـول بيكاسـو:
(( في اليوم الذي لا تعبر فيه إحدى لوحاتي حتى أكثرها إغراقاً في التجريد عن أمنية كبيرة تخدم حياتنا الإنسانية فأكون أول من يمزقها بيدي )) .

ـ هل الكاتب هو معني بالإصلاح النفسي التربوي الاجتماعي الذي تؤديه كتاباته الروائية في حفظ أخلاقيات المجتمع ؟

لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن فئات المجتمع تنجذب إلى قراءة الكتابات الوجدانية العاطفية ،أكثر من قبول فكرة تخضع للعقل و يسيطر عليهـا المنطق .

و يؤكد علماء النفس أن الكتابات التي تخضع للعاطفة و الوجدان لهــا الأثر التربوي النفســي الاجتماعي في تهذيب النفوس المضطربة ، ذات الأزمات الوجدانية .والغريزة الجنسية هي أكبر مصدر للاضطراب العصبي والشذوذ الخلقي، وتشتد رغبة المراهقين في الاطلاع لمجرد التغيرات الفيزيولوجية التي يمرون بها، و قد دلت هذه الأبحاث أنهم يجدون أجوبة لفضولهم الغريزي عن الأمور الجنسية في المجلات و الكتــب و القنوات الفضائية الرخيصة التي تروج لهذا التوجيه الخطير ، دون مراعاة الجانب النفسي التربوي .

كتب " سيرل بيبي "مرة يقول : (( و الواقع أنه في حالة الأحاديث التي تعطى لجماعة المراهقين - و هم غالبًا غير متزوجين -يعتبر المحاضر غير المتزوج أقدر على النفاذ إلى أغوار أفكار مستمعيه و أحاسيسهم)) .
ـ ما هي الرسالة التربوية التحسيسيــة التي أدتها رواية جيلالي خلاص** الحب في المناطق المحرمة **، و ما الغرض منها !!

ـ هل اتسمت الرواية بالمعالجة التربوية النفسية ، أم كان لها الدور السلبي في ذلك ؟

هامش

* الروائي الجزائري "جيلالي خلاص " له عــدة مؤلفات روائية و قصصية منها(أصداء ، نهاية المطاف بين يديك ، خريف رجل المدينة ،جزيرة الطيور..إلخ ) و له كذلك في الترجمة (الاراثة رواية رشيد بوجدرة ، البحث عن العظام رواية الطاهر جاووت ) و ترجمت قصصه إلى العديد من اللغات العالمية الفرنسيـــة ، الألمانية ، الانجليزية … إلخ .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى