السبت ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

مؤسسات التعليم والمصداقية الغائبة!!

من يتتبع أداء مؤسسات التعليم في بلاد العالم الثالث لا يجد مرجعية مؤكدة وعلمية وموضوعية من اجل التثبت من مصداقية هذه المؤسسات في تحقيق أهدافها في البحث والتدريس وخدمة المجتمع والنهوض بالأمة من كبوتها. وربما يعود السبب في غياب مصداقية معظم الجامعات والمدارس وغيرها من مؤسسات التعليم في بلادنا إلى غياب هيئات وطنية محايدة وغير فاسدة تلتزم بمؤشرات ومعايير عالمية في مراجعة الأداء المؤسسي والأكاديمي لجميع عناصر العمليات الفنية والإدارية والتعليمية في هذه المؤسسات.

إن عدم وجود هيئات وطنية مستقلة وغير فاسدة لمراقبة أداء مؤسسات التعليم ومراجعته والمساعدة في تطويره على أسس علمية من شانه التضحية بمستقبل الأمة التي ترى استمرار وجودها مرهون بنوعية التعليم الذي من المفروض به أن ينقلنا من غياهب التخلف إلى مراتب التقدم والرقي بين الأمم.

مرت سنوات عديدة على نيلنا الاستقلال الذي ضحى من اجله الآباء والأجداد لكننا لا نرى تقدما حقيقيا في مجالات التعليم وان ما نشاهده لا يتعدى سوى الجعجعة التي غاب عنها الطحين. نرى تزايدا في الأرقام فقط من حيث أعداد المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم المختلفة، ونرى دوائر رسمية مركزية تسمى وزارات ومديريات للتربية والتعليم، ولكنها في حقيقتها على كثرتها غثاء كغثاء السيل!

في بلادنا رياض أطفال وحضانات ومدارس دنيا وعليا ومعاهد وكليات وجامعات وجمعيات ومؤسسات تدريب مهني ومراكز تسمى ثقافية وجميعها تدعي أنها تقدم تعليما مميزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وللأسف تمارس كل هذه المؤسسات عملها بمجرد نيل الترخيص الشكلي من الجهات الرسمية، لكن أحدا لا يعلم على وجه الدقة كيف نتأكد من مصداقيتها وحسن سلوكها العلمي والتربوي والإداري والمالي.

تتعامل جميع هذه المؤسسات مع الإنسان الذي ندعي انه أغلى ما نملك، لكن أحدا لا يدري إن كانت هناك براهين تؤشر على أن هذا الإنسان يتلقى أفضل أنواع التعليم والتنوير والتربية. وفي غياب أية امتحانات وطنية أو تقارير ذات مصداقية فإننا لا نملك دليلا على أن التعليم في بلادنا يحقق أدنى مستويات التعليم العالمي من خلال مؤشرات دولية باتت معروفة الآن.

كما أن المواطن العربي لا يعرف مدى انسجام النظام التعليمي أو التربوي مع أية خطط أو رؤى تنمية اقتصادية أو اجتماعية إن وجدت. فالأصل أن يكون النظام التعليمي متوائما مع خطط وطنية واستراتيجيات تنموية ثابتة ومعلنة ومتفق عليها. أما أن تترك مؤسسات التعليم بدون رعاية كافية ودون توجيه ملائم فان ذلك من شانه ضياع الجهد بسبب غياب الرؤية الواضحة.

نعرف جميعا أن بلاد العالم الثالث تعاني من التخلف والجهل والتطرف والإحباط والبطالة والفقر ومحدودية الموارد وانعدام الديمقراطية. ونعرف أيضا أن كثرة المدارس والجامعات عدديا لم تسهم في حل أي من تلك المشكلات، بل انه بات واضحا أن مؤسسات التعليم صارت جزءا من المشكلة وعبئا على المجتمع بدل أن تكون سندا له في مواجهة أعباء الحياة وتحديات المستقبل. ونعرف الآن انه لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن حوادث العنف بالجامعات بأشكاله المتعددة والذي صار يهدد امن المجتمع بأكمله.

وإزاء ذلك كله أصبح من الضروري جدا أن نوكل أمر مراجعة أداء مؤسسات التعليم العام والخاص إلى هيئة وطنية مستقلة ومحايدة تكون رسالتها استعادة ثقة المواطن بمنظومة التعليم من خلال آليات مراجعة وتقويم علمية مستندة إلى معايير عالمية، ومؤشرات قابلة للتحقق.

لا مفر من مراجعة شاملة ودورية ومحايدة وعلمية لأداء مؤسسات التعليم في بلادنا. فمن حق المواطن الذي يدفع الرسوم والضرائب التي لا حصر لها أن يعرف ما الذي يحدث في كل مؤسسة تعليمية ومن خلال تقارير محايدة توضح مدى استقامة هذه المؤسسات أو انحرافها عن المعايير والمؤشرات التي تتبعها غيرنا من الدول.

نعيش زمان البزنس والكولسة واصطياد المناصب القيادية من خلال عمليات الإنزال المظلي، ونعيش زمان المتاجرة بكل شيء، ونشهد الانحدار في منظومة القيم والعدالة والأخلاق لصالح الفساد وطغيان الأنانية والجهل، ونسير نحو الانقراض بسرعة الضوء والسبب قد يكون ببساطة أننا فرطنا بالإنسان وتربيته على القيم والإنسانية.

نخدع أنفسنا لو افترضنا أن التعليم في بلادنا بخير! ومن أين يأتي الخير وقد أفسدنا كل شيء من اجل ثمن بخس دراهم معدودة نربحها بعد أن بعنا أغلى ما نملك!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى