الخميس ٣٠ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم محمد أبو بطة

قصة حب

(1)

سار معها يبثها أشواقه قائلا أنه اصطفاها علي النساء !وأخبرها أنها انطقت فيه المشاعر وأشعلت بليله المشاعل ورسمت في ليله صورة بلابل!

وأنها لونت عمره بلون البحر والورد والشجر، كما أنها لونته بلون الدم والليل والمطر ! قال لها في شوق من نار أنه يصبو إليها في اشتياق وأنه يهواها
منذ بدء عمره وقبل أن ينطق بأمه أو يرمي حجر!! سألها أن تحرك لهيبه الساكن كي يحرقها جسدا ويمطرها حبا ويطحنها شوقا ويحصدها بكرا ويجعلها
رمزا في معبده!! لم ترد عليه وتركته يتحدث حتي توقف عن السير وأمسك بذراعيها وسألها لماذا لا تنطق ؟! أطرقت بوجهها إلي الأرض وصمتت برهة

قبل أن تلقي عليه بالصدمة وهي تخبره أن ابن الجيران العائد في أجازة من عمله بالخليج تقدم لخطبتها وسيعقد عليها بعد يومين وستسافر معه نهاية
الأسبوع!! لم ينطق، لم يتحرك كأنما تحول إلي تمثال !! نظرات عينيه حائرة!! دموعه تحجرت في مقلتيه!! توقعت أن يلطمها أو يركلها ولكنه لم يفعل بل
تركها وأسرع يركض بعيدا عنها وهو يردد وسط دهشة المارة : أنا أحبك وأنت حبيبتي .. ظل يرددها حتي ابتعد كثيرا وتاه وسط الزحام!

(2)

عادت إلي بيتها حزينة ، تترنح خطواتها وصورته وهو يجري ويهزي بكلماته تزيدها ألما !! كان قلبها ينزف دما لا يراه أحد! دخلت حجرتها وأغلقت بابها
عليها وانفجرت بكاءا وانهمرت الدموع من عينيها حتي بللت وسادتها الحزينة التي كثيرا ما شاركتها أحلامها في أحضانه!

(3)

عاد إلي البيت في الليل بوجه غير الذي خرج به!! وجه شاحب!! عيون ذابلة حزينة!! رغبة معدومة في الحياة! استسلام لليأس وتمني للموت!! لم ينطق حرفا ! اعتزل الأهل والأصحاب ! يصعد في الليل ليري النجوم في السماء ليتحدث إليها وينادي حبيبته يا من أحبك أين الآن أنت؟ منذ الفراق والقلب يبكي في صمت ، والنفس تأبي الفرح ، والهوي يعصف بي فلم اشتريت ولم بعت؟! والحب يطعنني والجرح يؤلمني فليت ما كنت ! والصورة قد بهتت وصوتي لم يعد صوتي والغصن قد يبس والدمعة قد جفت!ويخاطب نفسه معاتبا فيا عاشقا قد عشقت حبها هي غيرك عشقت ويا نسيما حمل سلامي اليها هل تعلم أنها رحلت؟ ويا نجمة شهدت علي حبي نجمتي أفلت ويا كلمة الحب لغيرها شفاهي ما نطقت فلا تلومني يا صاحبي فغيرها الروح ما عشقت!

(4)

ليلة عقد القران حضرت إليها صديقتها وهي جارته أيضا لتحكي لها ما آل إليه حبيبها! أهمل ملابسه ! يسير حافيا! لم يعد يغسل شعره! قد يكون أصابه مس! وأسرته تبكي لأجله ليل نهار !! بكت الحبيبة كثيرا أمام صديقتها التي سألتها لماذا تبكي وقد اختارت زوجا غيره؟! فسألتها الحبيبة وهل تنتظر ليطعمها من خيال حبه أو يرويها من عذب رضابه؟ أم يسكنها في بيت من أشعاره؟! أقسمت أنها تحبه ولن تحب سواه وصديقتها تتعجب !! دخلت أمها عليها والدموع تبلل وجنتيها فسألتها عن سر بكائها فقالت لها إنه الفراق والوحدة في بلد غريب !! فابتسمت الأم وهي تخبرها أن ما يهمهم في الدنيا سعادتها وسيتحدثون إليها كل يوم ويرونها أيضا عبر الماسنجر أو الإسكاي بي ! سألت أمها إن كان يمكنها الخروج والعودة بسرعة قبل حضور العريس فاستنكرت الأم ذلك فلابد أن تجهز نفسها قبل أن يأتي العريس ومعه المأذون فألحت عليها أنها لن تتأخر فأذنت لها الأم علي مضض!!

(5)

انطلقت بسرعة ومعها صديقتها إلي بيت حبيبها استأذنت في الدخول عليه وتركت صديقتها جالسة مع أمه وما آن رآه حتي انكفأ علي نفسه باكيا فأسرعت عليه وهي تبكي وتناديه بحبيب عمرها وظلت تقبل فيه وهو شبح انسان ! نهضت وأغلقت الباب ثم طلبت منه أن ينظر إليها ففعل علي إستحياء فإذا بها تتخلص من ملابسها قطعة قطعة حتي وقفت أمامه عارية كما ولدتها أمها وطلبت منه أن يفعل بها ما يريد فليكن أول من يلمسها في الحياة !! بكي أكثر فقالت له إنه حبيبها الأبدي مهما حدث سيكون هذا الجسد ملكا لرجل آخر ولكن قلبها سيكون له وحده إلي آخر العمر! اقتربت منه ليلمسها فلم يتحرك بل أمسك بيدها يقبلها وبدأ يساعدها في ارتداء ملابسها وهي تسأله أن يطفيء شوقه إليها كما يريد ولا زال يبكي حتي ارتدت كل ملابسها وأعاد فتح الحجرة التي أغلقتها ! وقفت أمامه عارية النفس والروح فانكفأ علي يدها يقبلها ولكنها لم تتمالك نفسها فجلست عند قدميه وأخذت تقبل قدميه وهي تسأله أن يسامحها وأن يستعيد حيويته وتفاؤله فلن تكون لغيره قلبا وروحا!! ظلت تبكي علي قدميه حتي دخلت أمه وصديقتها بعد أن سمعتا أنينها فلما رأتها أمه انحنت عليها وهي تستغفر الله وتحاول أن تنهض بها من تحت قدمية ولكن الحبيبة ظلت تبكي وتسأله العفو والسماح حتي انحني عليها ورفعها وطبع قبلة علي جبهتها وخرج من الحجرة يجري ويهزي!

(6)

سافرت الحبيبة مع زوجها ، كان يشتري لها كل الصحف المصرية فإذا عاد من عمله يسألها أن تحكي له عن أخبار مصر فهو يحب أن يسمعها منها !! أمسك بصحيفة لم تقرأها بعد ثم استرجع وهو يقرأ أن شابا سقط من أعلي برج القاهرة بالجزيرة ولم يستطع أحد أن يجزم هل سقط أم إنتحر!؟ تأملت الإسم والصورة فسقطت مغشيا عليها فأسرع لينقلها إلي المستشفي وأسرعوا بها إلي الإنعاش وما أن لمسها الطبيب حتي نظر إليه واسترجع قائلا في هدوء حزين : البقاء لله وحده .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى