الأحد ١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم ميمون حرش

حِــرّيــــــــف

يشمر عن يد وأيد، ويقف وقفة من يحسم أمرا جللا، قامته طويلة، يده اليمنى التي يرفعها كيفما اتفق أكبر من اليسرى ،شكلها يمنحه هيئة إنسان آلي في فيلم كارتوني.. في عينيه طاقة ما، والهدوء الذي يشع منهما حين كان يرمق بائع الحي، سيفاجئ الجميع.. كان في المكان أكثر من زبون سيشهد على الموقف، هم شركاء في حمل القفة، لكنهم مختلفون في طريقة ملئها ،وكذلك تأبطها.. وكشرطي مرور يشير «حريف» (هذا هو اسمه) بيديه الطويلتين إلى رزمة من الفلفل الحار، ويقول لصاحب المحل:

" كيف تجرؤ أولد لحرام؟،..

تبيعني فلفلا مغشوشا، ماشي "حار"...حرام.."

وكلقطة "بوز" تحول المشهد إلى صورة غير متموجة .. صاحب المحل بدا مخيفا وهو يمسك صنجة الميزان ، رازه الجميع بحذر، ولسبب وجيه ،بالنسبة له على الأقل،سيحمل حفنة من الفلفل مختلف لونه ، ثم يُلقي بها خارج المحل أمام ذهول الكل..كان ذلك، على ما يبدو، هو رده على "حريف" دون أن ينبس ببيضاء ولا سوداء..

عجيب أمر "كحل الراس"!..
هل أراد أن يستفزه؟ أم هي محاولة شبيهة لما يفعله السحرة حين يبغون لفت النظر إلى غير الجهة المعنية..

وسأعرف لاحقا، نقلا عن صاحب المحل نفسه، أن حريف لا يمل من شكايته تلك رغم أنه لم يشتر من عنده الفلفل الحار إلا مرة واحدة لا غير، والصدفة وحدها هي التي ستوحي للبائع بالحل ،.. طريقة رمي الفلفل خارجا اهتدى إليها بعد أن كف حريف بعدها مباشرة عن الصراخ والكلام معه.. ولما أتت أُكلها بات يكررها، وحريف كل مرة يلتقط الفلفل ويمضي..
يخرج كل مرة يجر يده اليمنى، يعبس ولا ينبس.. يختفي يوما، يومين، وربما أكثر، ثم يعود ليحتج بعبارته الأثيرية " ما شي حار.. حْــرام..."

"فلفل ما شي حار"..

فكرتُ:

"في زمن موسوم بالحار ، يتخلى الفلفل عن جلده، نكاية، وربما احتجاجا.. فما ذنب البائع؟
ثم ..ما يضير فلفلا " طلع" غير حار من تربة احتضنت الحَرّ، فأنبتت خلافه.."

إنه مشهد عصي على نسيانه ، تتبعته، يومها، باهتمام كمن يشاهد فيلما بوليسيا إلى النهاية ، و لا تزال هيئة حريف راسخة في ذهني..تتراقص أمام عيني، يده اليمنى تحديدا تفرض علي نفسها كلما رأيت فلفلا حارا متوجا وسط مائدة..

"حريف" ليس سويا، وكل شباب الحي يشفقون عليه، ولأن الزمن عضه بنابه ، لم يكن "پوڨري" يستمرئ أكلا يخلو من حريف ..

يومها في المحل كان يجب أن أقول لحريف، ولصاحب المحل ولكل من كان حاضرا:
" ما نحتاجه يا أصيحابي ،ليس الحار الذي في الفلفل، إ،نما بعض بهارات الرجولة في مواقف حارة فعلا"..

مواقف حارة..

ما أكثرها فعلا!

ومنذ حادثة "حريف" ( يجب أن أعترف بهذا) بدأت أشتري فلفلا حارا،وما همني إن كان غير حار.. لكني كل مرة ألوم نفسي لأني موظف بسيط ينقصه الحار في بلاد حارة جـــدا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى