الجمعة ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم شاكر فريد حسن

في الهاجس الثقافي المحلي

تشهد حياتنا الثقافية ومسيرتنا الأدبية المحلية في العقدين الأخيرين تراجعاً حاداً وملموساً في الوعي الثقافي ومكانة الأدب وتأثيره، بعد أن كنا في أحلك الظروف التي مررنا فيها في هذا الوطن، رافداً هاماً ومؤثراً في نهر الثقافة العربية الكبير.

فثمة انحسار للأدبيات والمجلات الأدبية والفكرية والثقافية واحتجاب العديد منها، وفي طليعتها مجلة " الجديد" التي رافقت وطوّرت حركتنا الثقافية الوطنية وشكلت ركيزة ودعامة أساسية وقوية لهذه الحركة، وعلى صفحاتها نمت وترعرعت كل المواهب الأدبية لشعبنا في الداخل الفلسطيني، وكانت النافذة الواسعة لاطلالتنا على الثقافة التقدمية والانسانية العالمية والعربية، وصوت البديل الحقيقي، صوت النضال الوطني الديمقراطي الثوري والشعبي. كما وهنالك أقلاع عن القراءة والثقافة وانخفاض المشاركة الشعبية في الأجندة والندوات والحلقات الأدبية والثقافية، وحتى المثقف المعرفي الموسوعي لم يعد يقرأ كل أدبيات مهنته، والمبدعون لا يعيشون النشاط نفسه الذي أعتدنا عليه من قبل، وهذا بطبيعة الحال ناجم عن التغيرات في أنماط الحياة واهتمامات الناس، واضمحلال قيم العطاء بدون مقابل. وطبعاً، نتيجة مناخ ألأحباط السياسي والاجتماعي والثورة الالكترونية وهجوم الغزو الاستهلاكي المتعولم، ثقافياً واجتماعياً، عدا الوضع الاقتصادي الصعب وأنشغال الناس بمشاكلهم وهمومهم الحياتية والبحث عن رغيف الخبز.

أن اللوم يقع على عاتق النخبة المثقفة وعلى حملة الأقلام الذين لهم باع طويل في العمل الثقافي الابداعي، فهؤلاء قل وتقلص دورهم ولم نعد نسمع عنهم شيئاً، وما يقدمونه من أعمال أدبية قليل أذا قيس بمدى ما يتمتعون به من ملكة ومقدرة وابداع.

صحيح أن الاوضاع السائدة لها تأثيرها، ولكن هذه ألأوضاع يجب أن تتحول الى سلاح بأيدي المبدعين والمثقفين لشحذ الهمم في حركة ابداعية، في خضم هذه الفترة الحالكة التي لا نريد أن تخيم عتمتها وسوادها على حركتنا الثقافية المحلية لسنوات طويلة قادمة.
لقد عاش شعراؤنا وكتابنا أوضاعاً أشد صعوبة وايلاماً وشراسة، ودفعوا ثمن مواقفهم الوطنية والجذرية، فعانوا المرارة والملاحقات وعذاب السجون والزنازين، ورغم ذلك أخذوا موقعهم في الخندق النضالي ولم يفقدوا البوصلة، وتمسكوا باشراقة الأمل وبالتفاؤل الثوري التاريخي، وأنتجوا أدباً مقاوماً وملتزماً بقضايا الأرض والوطن والحرية والانسان.. أدباً متفائلاً يعشق الحياة، وأدباً طبقياً منحازاً لجموع الفقراء والعمال والكادحين ضد مضطهديهم ومستغليهم. ولا اجافي الحقيقة أذا قلت، أن النزعة النرجسية وعشق الذات تطغى على الأجيال الجديدة، مثلما طغت على " أبقارنا المقدسة"، وغدا اللهاث وراء الألقاب وأوسمة الشرف وجوائز التفرغ، الهاجس الأهم الذي يوجه الأغلبية من العاملين في الحقل الثقافي والأدبي.

أن غياب اتحاد عام للكتاب والشعراء والمثقفين وعشاق الكلمة، وفق أسس سليمة هو سبب رئيسي ومباشر للوصول الى هذا الوضع المأزوم والمقلق، وكذلك انعدام حركة نقدية جادة وفاعلة ومؤثرة، ومساهمة دائرة الثقافة العربية في نشر وترويج الأدب الضحل والغث. علاوة على تساهل القائمين على الأعلام العربي والملاحق الثقافية في الصحف المحلية مع المواهب الشابة والناشئة، كل هذه العوامل أدت الى نمو وتكاثر الفطريات الأدبية واغراق السوق الأدبية بأعمال لم تكتمل نضجاً وتخلو من أية قيمة فكرية وجمالية، ولا تعتبر ابداعية بالمقياس الفني والنقدي والذوق الأدبي السليم وخصائص العمل الابداعي او عدمه. وأخيراً، فأننا أمام حالة تتطلب من كل الأوساط الأدبية والقوى الثقافية والعاملين في حقول الابداع الثقافي المجتمعي، ترسيخ الوعي الثقافي والفكري، وبناء مؤسساتنا الثقافية الوطنية من جديد، واعادة أدبنا لسابق عهده.. الى الأصالة والرصانة والخصوصية والتميز والشفافية والوهج الثوري، بالاضافة الى تعزيز الحوار الثقافي حول مجمل القضايا المحورية والمفصلية والمسائل الأدبية والثقافية المطروحة لأجل النهوض بمسيرتنا الأدبية لتكون فاعلة في حضارة عصرنا الراهن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى