الأحد ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم فراس حج محمد

جولة في ربوع بلادنا يا شهرزاد

تقودني الأقدار لأرى جزءا متاحا من بلادنا، وأشد ما أثار استغرابي هذا اليوم أنني لم ألحظ وجودا مكثفا للاحتلال على الطرقات، أين ذهبوا يا ترى؟ فهل يا ترى كانوا مشغولين بالانتخابات الأمريكية ونتائجها الأولية، التي تحدثت بتجديد ولاية أوباما لفترة رئاسية ثانية؟ أم تراهم مشغولين في الإعداد لمجزرة ما أو مخطط ما؟ والأغرب من كل ذلك أنني لم أسمع عن حوادث أو احتكاكات مع جنود الاحتلال!!

فهل صاروا عقلاء واقتنعوا بأنه من الأفضل عدم الاحتكاك بنا أم أنهم مطمئنون أن الأمن مستتب؟ فلم يعودوا يخشون على أنفسهم من حجر هنا أو طعنة هناك، أو رصاصة مصوبة من أحد الغاضبين أو المشاغبين كما يحلو لإعلامهم أن يصفنا؟ أم أن الشعب لم يعد يكترث بوجود الاحتلال، لوصوله إلى درجة عجيبة من تبلد الأحاسيس والمشاعر؟ فهناك ما هو أهم من الاحتلال ومصائبه، أم أننا تصالحنا مع وجودهم ورضينا بهم، وصرنا على استعداد لتقبلهم محتلين وقتلة ومصاصي دماء وأعمار؟؟
دارت في ذهني كل تلك الأسئلة وأنا أقطع المسافة مشيا على الأقدام، لأرى أثار الخراب الحادث في الأرواح قبل الممتلكات، ألتفت من حولي لأرى أن شوارع بلداتنا وقرانا المعبدة حديثا سرعان ما تآكلت ورحل عنها غشاء "الزفت" الذي تطلى به، بفعل فاعل غيور على الطريق، فلا يريد لها أن تلبس ثوبها الأسود، أراد أن يبرز لنا أديم الأرض الأبيض حرصا منه على أن تظل فاغرة فاهها تشكو وجع "الزفت" الذي ألمّ بها!!

أتابع مسيرتي، فلا سيارة تريد أن تقلني، فهم إما يتبخترون بسيارات فارهة مزركشة مرهونة "للبنك" بشكات طويلة الأمد، ليمارس الواحد منهم تكبرا مذموما ورخيص الثمن، وإما سيارات غير مرخصة يقودها ثلة من العابثين الذين لم يراعوا لأنفسهم حقا ولأبناء بلدهم حرمة، تقفز إلى ذاكرتي صور من حوادث سير مروعة كان ضحيتها سائقين مستهترين غير مرخصين، فكانت الكارثة مضاعفة والمصيبة مصيبتين!!

لعلك تقولين يا شهرزاد، أهذه بلدي؟ ألا يوجد فيها شيء جميل تخبرني عنه؟ هل تحولت أرضنا أرض العسل واللبن إلى أرض بور ودمار وصحراء قاحلة؟ هل أقفرت من أهل الطيبين الغلابى المحبين الخير والراجين رحمة الله بكرة وأصيلا؟ هل تعمى يا شهريار عن أن ترى ولو موقفا بسيطا جميلا في بلادنا المغلوب على أمرها؟

تنهالين عليّ بالأسئلة وكأنني لا أحب الخير لهذه البلد، أو كأنني معنيّ بتصوير الألم، وتظنين أنني أعمى عن رؤية الناس الذاهبين إلى أعمالهم كل صباح يتحدون كل عناصر الكسل ليتابعوا حياتهم، ويصروا على أن يكون لهم في الطيبات نصيب، لا يا شهرزاد الخضرة والماء والوجه الحسن، إني أرى كل ذلك وأعيشه مع أهلنا المصابرين المقاومين، ولكن ما أثر هؤلاء إذا كثر الخبث وعم الخلل، وصار وجه الزمن أسود والمطر النازل على زروعنا حامضي قاتل، لم يعد لهؤلاء صوت أو أثر، لم يعد لهم مكان وسط كل هذا التردي يا شهرزاد، إنهم موجودون بلا شك ولكنهم أغلبية صامتة تموت بحسرتها، وهي ترى أن كل جميل يتلاشى كبقعة السراب الصحرواية، أنهم موجودون يا شهرزاد، ولكنهم قابعون خلف أسوار كثيفة من الإهمال فلم تعد الحياة تلتقت لهم، فلعل الزمن يخبئهم ذخيرة وخميرة للموعد القادم والفرح الجميل يوما ما!!

إني أنتظر يا شهرزاد، فهل ستنتظرين معي!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى