الأحد ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢

أكبرُ عَمَلِيَّةُ سَطْوٍ فِي القَرْنِ

إبراهيم علُّوش

(مصادرةُ أصولِ الصندوقِ السيادي الليبي)

تأليف: مانليو دينوشي،

[نُشرت هذه المقالة في صحيفة المانيفستو الإيطاليَّة في 22/4/2011، وأعيد نشرها بالإنكليزيَّة في موقع "غلوبال ريسرتش" في 24/4/2011، ونترجمها للعربيَّة لأهميَّتها، ولِما تُلقيه من ضوء على الأهداف الإمبرياليَّة من العدوان على ليبيا، ومنها مصادرة الولايات المتَّحدة لاثنين وثلاثين مليار دولار، ومصادرة الاتِّحاد الأوروبي لخمسة وأربعين مليار يورو، من الأصول الليبيَّة، والمجموع هو أقل بقليل من مائة مليار دولار، ومنها احتواء الدور الذي تلعبه تلك الاستثمارات في سعي أفريقيا للتخلُّص من الهيمنة الإمبرياليَّة. وبهذه المناسبة، نودَّ أن ندقَّ ناقوس الخطر بشأن كلِّ أموال الثروات السياديَّة العربيَّة في الغرب، ولا يعرف أحد حجمها بالضبط، ولكنَّها كانت تقدَّر قبل الأزمة الماليَّة الدوليَّة بألفي مليار دولار أمريكي.

الصندوق السيادي

بالمناسبة، ويعرف أيضًا باسم "صندوق الأجيال"، هو الهيئة الاستثماريَّة التي تملكها الدولة، وتودع فيها عائداتها من فائضها التجاري، أو من مبيعات النفط والغاز مثلاً، ليتمَّ استثمارها وتنميتها من خلال المتاجرة بالأسهم والسندات والمشتقَّات الماليَّة والعقارات والمعادن الثمينة. وحسب تقديرات معهد الصناديق السيادية على الإنترنت، تقدَّر قيمة أموال سلطة أبو ظبي الاستثماريَّة مثلاً بنحو 627 مليار دولار، وتبلغ قيمة الصندوق السيادي السعودي نحو 440 مليار دولار، وتملك سلطة الاستثمار الكويتيَّة أكثر من 200 مليار دولار، وسلطة الاستثمار القطريَّة أكثر من خمسة وثمانين مليار دولار. ويوجد في "صندوق إدارة العوائد" الجزائري نحو 57 مليار دولار، الخ.. وقد تمَّت مصادرة الصندوق الاستثماري

الليبي بجرَّة قلم، وهي سابقة خطيرة لن يكون أحدٌ من العرب بمنأى منها!]

المترجم

هدفُ الحربِ ضدَّ ليبيا ليس فقط احتياطها النفطي المُقدَّر حاليًا بستِّين مليار برميل، الاحتياطُ الأضخم في قارَّة أفريقيا، ويتميَّز بأنَّ استخراجه مِنَ الأقلِ كلفةً في العالم. ولا هدفُ الحرب على ليبيا احتياطي الغاز الطبيعي فقط المقدَّر بنحو ألف وخمسمائة مليار متر مكعَّب. ففي مرمى "المستعدِّين" في عمليَّة "الحامي الموحَّد" في ليبيا، توجد أموال الثروات السياديَّة الليبيَّة استثمرتها الدولة الليبيَّة في الخارج.

تدير سلطة الاستثمار الليبيَّة أموال الثروة السياديَّة المقدَّرة بنحو سبعين مليار دولار أمريكي، وتصل إلى مائة وخمسين مليار دولار إذا أُضيفت إليها الاستثمارات الأجنبيَّة للبنك المركزي الليبي والهيئات الرسميَّة الأخرى. ولكن يمكن أن يكون الرقم أكبر من ذلك أيضًا. وحتَّى لو كانت أموال الصندوق السيادي الليبي أقلَّ شأنًا من الصناديق السياديَّة للعربيَّة السعوديَّة أو الكويت، فإنَّ أموال الصندوق السيادي الليبي تميَّزت بنموِّها السريع. وحينما تأسَّست سلطة الاستثمار الليبيَّة في 2006، كان لديها أربعون مليارًا من الدولارات تحت تصرِّفها. وفي خمس سنوات فقط، استثمرت سلطة الاستثمار الليبيَّة في أكثر من مائة شركة في شمال أفريقيا وآسيا وأوروبَّا والولايات المتَّحدة وأمريكا الجنوبيَّة في شركات قابضة ومصرفيَّة وعقاريَّة وتصنيعيَّة ونفطيَّة وغيرها.

في إيطاليا، تتمثَّل الاستثمارات الليبيَّة الأساسيَّة في بنك "يونيكرديت" الذي تملك سلطة الاستثمار الليبيَّة والبنك المركزي الليبي سبعة ونصف من المائة منه، ومجموعة "فينميكانيكا" الصناعيَّة (ثاني أكبر مجموعة صناعيَّة في إيطاليا، وأكبر مجمع للصناعات التكنولوجيَّة المتقدِّمة – المترجم). وتملك ليبيا اثنين من المائة منها، وشركة النفط والغاز الإيطاليَّة ENI التي تملك ليبيا واحد من الامئة منها. هذه وغيرها من الاستثمارات، ومنها سبعة ونصف من المائة من نادي "جوفنتس" لكرة القدم، لا تنبع أهميَّتها من الزاوية الاقتصادية (وقيمتها الإجماليَّة نحو خمسة مليارات وأربعمائة مليون دولار أمريكي) بقدر ما تنبع من الزاوية السياسيَّة.

فليبيا، بعدما أزالتها واشنطن من القائمة السوداء "للدول المارقة"، سعت لأن تجد لنفسها موقعًا على الساحة الدوليَّة بالتركيز على "دبلوماسيَّة الصناديق السياديَّة". وحالما رفعت الولايات المتَّحدة والاتِّحاد الأوروبي الحظر عن ليبيا عام 2004، وعادت الشركات النفطيَّة الكبرى إلى البلد، تمكَّنت طرابلس من أن تحافظ على فائضٍ تجاري يبلغ نحو ثلاثين مليار دولار سنويًأ، تمَّ استخدامه أساسًا للقيام باستثمارات أجنبيَّة. أمَّا إدارة الثروات السياديَّة فقد خلقت آليَّة جديدة للسلطة والفساد في أيدي الوزراء وكبار المسؤولين، أفلتت جزئيُّا على الأرجح من سيطرة القذَّافي نفسه. ويؤكِّد هذا القول حقيقة أنَّ القذافي اقترح، في 2009، أن يذهب ثلاثين مليار دولار من العائدات النفطيَّة "مباشرة للشعب الليبي". وقد فاقم هذا من التمزُّق في صفوف الحكومة الليبيَّة.

وقد ركَّزت الدوائر الحاكمة في أوروبَّا والولايات المتَّحدة على هذه الأموال، حتَّى أنَّهم قبل تنفيذ هجومهم العسكري على ليبيا لوضع يدهم على ثروتها من الطاقة، فإنَّهم سيطروا على صندوق أموال الثروة السياديَّة الليبيَّة. وكما كشفت برقيَّة منشورة على موقع ويكيليكس، سهَّل محمَّد لياس، ممثِّل سلطة الاستثمار الليبية نفسها هذه العمليَّة. وفي العشرين من شهر يناير/كانون ثانٍ، أبلغ محمَّد لياس سفير الولايات المتَّحدة في طرابلس أنَّ سلطة الاستثمار الليبيَّة قد أودعت اثنين وثلاثين مليار دولار في بنوك الولايات المتَّحدة. وبعد خمسة أسابيع من ذلك التاريخ، في الثامن والعشرين من شهر شباط/فبراير، "جمَّدت" وزارة الماليَّة الأمريكيَّة تلك الحسابات. وحسب البيانات الرسميَّة الأمريكيَّة، فإنَّ ذلك المبلغ كان "أكبر مبلغ في التاريخ يتمُّ حجزه في الولايات المتَّحدة"، وهو المبلغ الذي أمسكته واشنطن "وديعةٌ من أجل مستقبل ليبيا". في الواقع، سيُستعمل ذلك المبلغ حقنةً من الرأسمال للاقتصاد الأمريكي الذي يعاني أكثر وأكثر من الدين. وبعدها بأيَّام، "جمَّد" الاتِّحاد الأوروبي نحو خمسة وأربعين مليار يورو من الأموال الليبيَّة.

الانقضاضُ على أموال الثروةِ السياديَّة الليبيَّة سيكون له تأثيرٌ قويٌ في أفريقيا. فشركة الاستثمار العربيَّة- الأفريقيَّة الليبيَّة، كانت قد استثمرت في أكثر من خمسةٍ وعشرين بلدًا أفريقيُّا، اثنان وعشرون منها جنوبي الصحراء الكبرى. وكانت تخطِّط لزيادة استثماراتها هناك خلال السنوات الخمسة القادمة، خاصَّة في مجالات التعدين والتصنيع والسياحة والاتِّصالات. وقد كانت الاستثمارات الليبيَّة ذات تأثير حاسم في إطلاق مشروع "راسكوم" أوَّل شبكة اتِّصالات فضائيَّة لأفريقيا يُفترض أن تمدَّ المناطق الريفيَّة في أفريقيا بالبثِّ التلفزيوني والاتِّصال بالإنترنت - المترجم)، وقد دخل القمر الصناعي "راسكوم" في مداره في آب/أغسطس 2010، مما للبلدان الأفريقيَّة أن تبدأ بالاستقلال عن الشبكات الفضائيَّة الأوروبيَّة

والأمريكيَّة، ويوفِّر عليها مئات ملايين الدولارات.

وأكثر أهميَّة من ذلك، كان الاستثمار الليبي في إطلاق ثلاث مؤسَّسات ماليَّة للاتِّحاد الأفريقي: بنك الاستثمار الأفريقي، ومقرُّه طرابلس، وصندوق النقد الأفريقي، ومقرُّه في ياوندي في الكاميرون، والبنك المركزي الأفريقي، ومقرُّه في أبوجا في نيجيريا. إنَّ تطور هذه الهيئات كان سيمكِّن البلدان الأفريقيَّة من التملُّص من سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أداتي الهيمنة الاستعماريَّة الجديدة. وكان سيعني

بداية نهاية "الفرنك الأفريقي"، العملة التي تجبر أربع عشرة مستعمرة فرنسيَّة سابقة على استعمالها (الفرنك الأفريقي تضمنه وزارة الماليَّة الفرنسية، وسعر صرفه ثابت مقابل الفرنك الفرنسي السابق، والآن اليورو، وهو يكرِّس تبعيَّة هذه الدول الأفريقيَّة النقديَّة لفرنسا – المترجم). ولهذا فإنَّ تجميد الأصول الليبيَّة يضرب كلَّ المشروع ضربة قاصمة. فالأسلحة التي يستخدمها "المستعدُّون" ليست وحدها المُستخدمة في العمليَّة العسكريَّة المَسمَّاة "الحامي الموحَّد".

إبراهيم علُّوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى