الأربعاء ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
تفاصيل صغيرة في أضمومة

زوليخا موساوي الأخضري

عبد السلام جاعة

أعتذر للأستاذ عبد السلام جاعة وللأديبة زليخا موساوي الأخضري عن عدم تمكني من حضور لقاء الإحتفاء بمجموعتها القصصية نشاز آخر للبياض لظروف قاهرة و أقدم إليهما المشاركة التي كنت أعددتها لهذا اللقاء.

تفاصيل صغيرة في (نشاز آخر للبياض)

سنحاول أن نجلس جلسة حميمية مع الأديبة المغربية زوليخا موساوي الأخضري التي استطاعت أن تصنع لها مكانا مائزا في الحقل السردي المغربي. بدأت كروائية حيث أصدرت روايتين لحد الآن: الحب في زمن الشظايا 2006 و طارينخير بين الضوء و السراب 2011 أردفتها بعملها القصصي الذي سيكون محور جلستنا هذه.
صراحة و أنا أجالس هذه المجموعة القصصية وجدتني أكتشف شيئا جديدا في هذا السرد النسائي.

بطبيعة الحال هناك أسئلة كثيرة تولّدت من هذه الجلسة الحميمية:

ماذا تقول هذه المجموعة القصصية؟

كيف تقول؟ و لمن تقول؟ و لماذا تقول؟

هل فعلا ما تضمنته من نصوص يتميّز بالحكي و الحكاية؟

ما التقنيات و الآليات المعتمدة في الحكي و العرض؟

ما استوقفني كثيرا هو العنوان: نشاز آخر .. للبياض فماذا تقصد الأديبة زوليخا بهذا العنوان؟
عندما نقارب النصوص 28 نجد من حيث الأفكار و الرؤى.. تبحر بنا في عوالم فلسفية و تشكيلية و اجتماعية و مناجاتية. صحيح أننا عندما نعاين نصوص نشاز آخر للبياض نستشف أنها نصوص خضعت للتجربة و التجريب.

يمكن أن يلتبس كثيرا التفريق بين التجربة و التجريب. فالتجربة و التجريب عرفتهما الثقافة العربية منذ القديم و الشاهد في ذلك قول الذبياني:

ثورتنا من أزمان يوم حليمة
إلى يوم قد جربن كل التجارب

و قول الأعشى:

كم جرّبوه فما زادت تجاربهم
أبا قدامة إلا المجد و النفعا

لقد عرف الأدب العربي اختراق العلوم لمجاله.. و تجلى ذلك في دخول نظرياته إليه: كنظرية التطور الدروينية و البقاء للأصلح النيتشية و نظرية التحليل النفسي الفرويدية و اليونغيةو النظرية اللاكانية و غيرها...

و كما نعرف، العلوم الحقة تعتمد التجربة و التجريب فهل يمكن هذا في الأدب عامة، و القصة القصيرة خاصة؟

الأمر لا يشكل أي إزعاج: ’’ إذ التجربة مجموعة من العمليات المادية الملموسة التي يقوم بها الإنسان قاصدا اكتشاف الخفي من الأمور، هي ممارسة لها آلياتها الخاصة حسب الموضوع المشتغل عليه كما أنها تقود إلى نتائج قابلة للدراسة و التقويم’’1
لا ينكر أحد أن التجربة ممارسة.. ممارسة لآلة الكتابة و القراءة و المحو و البحث عن الصيغ المتنوعة و المختلفة و الحداثية و المقبولة.. و إعادة الكتابة.

إنها ممارسة يتم فيها التأثر و الـتأثير و التفاعل المتبادل و هذا ما أكده الدكتور سعيد يقطين حين اعتبر التجربة ممارسة: ’’ من خلال تفاعل الذات –الكاتب- مع الموضوع- مادة الكتابة- و بدون هذا التفاعل لا يمكننا التأثير لعملية الإنتاج التي نعتبرها مرحلة لاحقة عن المرحلة التي يقع فيها التفاعل’’ 2

و السؤال المطروح:

هل نشاز آخر للبياض نتاج تجربة و ممارسة و تجريب؟

أين تحققت هذه التجربة؟ و أين تجلياتها؟

صحيح أن التجربة لا تظهر و لا تتحقق إلا في النص لما يحتويه من عناصر التجديد و التميّز و من هنا اعتبر الدكتور محمد عدناني:’’ أن التجربة ممارسة تؤدي إلى نتائج لقاء تفاعل الذات و الموضوع، و تكون النصوص أوضح تمظهر لهذا التحقق، أي أن التجربة تضيف المجد و النفع.. و تراكم المعارف و تزيدها نضجا. فالتجربة إذن تحققات نصية ملموسة’’3

بطبيعة الحال هذه التحققات النصية تتطلب جهدا و مجاهدة و بحثا عن المغاير النهائي.. و هذه كلها ملامح التجريب.. و التي تجلت كنصوص قصصية.. و صحيح كذلك .. أم كل هذا لا بد أن يقوده وعي منتظم و تساؤلات ركبتها الكاتبة زوليخا لتخرج بإجابات جاءت في صورة هذه الأضمومة القصصية التي اجتمع فيها التجريب و التجربة، أي الممارسة المحكومة بالزمان و المكان، و الوعي المطلق الشامل.

عندما تعود إلى العنوان، نجده يتركب من ثلاثة أسماء: نشاز + آخر+ للبياض
تربط بينها علاقة وصف و ربط و امتلاك.. كما يبين لنا هذا النشاز فيه القبلي و البعدي.. عناك نشازات أخرى سابقة و هذا نشاز جديد آخر ينضاف إلى السابق و هي كلها مرتبطة إلى هذا البياض ارتباطا و توصيفا و أول ما يتبادرنا هو كلمة نشاز. فنشاز جمع النشز و النشّز.. و هو المتن المرتفع من الأرض، و هو ما ارتفع عن الوادي إلى الأرض و ليس بالتغليظ و نشز ينشز نشوزا أشرف على نشز من الأرض وهو ما ارتفع و ظهر، يقال : ’’ اقعد على هذا النشاز’’ و في الحديث في خاتم النبوة: بضعة ناشزة أي قطعة لحم مرتفعة عن الجسم و في القرآن الكريم: ’’ و إن قيل انشزوا فانشزوا’’ قال أبو اسحاق : معناه إذا قيل انهضوا فانهضوا و قوموا. يقول أعرابي:

فما ليلى بناشزة القصيري
و لا وقصاء لبستها اعتجاز

و يشرح الشراح ناشزة القصيري أي ليست بضخمة الجنبين. و انشز الشيء : ارفعه عن مكانه.. و في الحديث الشريف: ’’ لا رضاع إلا ما أنشز العظم’’ أي رفعه و أعلاه و أكبر حجمه. و النشوز بين الزوجين: كراهة واحد منهما صاحبه.. و نشزت المرأة زوجها: استعصت عليه و خرجت عن طاعته. و رجل نشز: غليظ. قال الأعشى:

و تركب مني إن بلوت نكيتي
على نشز قد شاب ليس بتوأم.

و النشيزة: الدابة التي لا يستقر السرج على ظهرها.

و عندما نربط لفظة نشاز بنصوص المجموعة القصصية نجد أن كل نص قصصي يتضمن نشازا خارجا عن الذوق و المألوف، و من ثم تصبح هذه المجموعة القصصية كلها نشازا ينضاف إلى نشازات سابقة.هذا النشاز الآخر هو في ملكية البياض و يثبت هذا الإنتماء لام الملكية و البياض ككلمة تتعدد مدلولاتها الشيء الذي يجعلنا نتساءل: هل كاتبنا زوليخا تريد بالبياض الضوء، أم اللون أم هما معا؟

عندما نبحث في معاني الكلمة و مدلولاتها نجد من معانيها: الأرض البياض كالأرض الجرداء التي لا زرع فيها و لا غرس.. كما أن البياض نوع من السمك العظمي و كذلك البياض:
الورق.. نقول: ’’ آتني دواة و بياضا’’ و نجد البياض يعني الشخصية أيضا. من خلال هذه المعاني و تعددها، نجد أن العنوان يوحي بأن هذه النصوص القصصية و ما تحمله أو تتضمنه من نشاز/ مفارقات خارجة عن المألوف، تنتمي أو تتضمنها هذه الورقة البيضاء التي هي المجموعة القصصية. عندما ندخل عالم المجموعة القصصية، نجدها تتوزع بكاملها بين ثلاثة روابط أو محاور، و هي تداعيات الذات و بوحها، الرؤية الإجتماعية : الصراعات اليومية، الرغبات، القلق، المنحدرات الرمزية: الهروب من الواقع، إدانته، البعد الفلسفي في لباس الرمز، تداعيات الحلم، الوهم، القلق، معاناة الواقع...

هذه التبويبات الثلاثة تجعلنا نقف على أمر هام جدا و هو أن هذه المجموعة القصصية تحبل بالتفاصيل الصغيرة و المقصود بها هو مجمل الجزئيات الصغيرة المحيطة بمكونات القصة القصيرة و محيطها، و آلياتها. هذه التفاصيل الصغيرة محمولة بحامل اللغة و اللغة هي التجلي الوجودي للعالم في هذه المجموعة القصصية على حدّ قول هايدجر.
صحيح أن الأشياء تكشف نفسها من خلال اللغة و من ثمة فإن الإنسان ليس هو الذي يستخدم اللغة، بل اللغة هي التي تتكلم من خلاله.

و الوجود كله ينفتح لهذا الإنسان من خلال اللغة و عبرها.

هذه التفاصيل الصغيرة التي تتضمنها نصوص المجموعة القصصية (نشاز آخر للبياض) هي رسالة قابلة للتأويل، و المتلقي المستقبل لهذه الرسالة، يؤولها من الزاوية التي يريد، تبعا لتكوينه، و رويته الخاصة، و ثقافته، و إديولوجيته و بالتالي يصبح تأويله لهذه الرسالة إعادة إنتاج النص وفق معطيات الراهن. صحيح كذلك أن العمل الأدبي يتشكل من خلال فعل القراءة.4

من هنا نقول أن الأضمومة القصصية (نشاز آخر للبياض) تتضمن مجموعة من المعاني الداخلية داخل نصوصها و قد مارسته زوليخا ككاتبة و كطرح و كفكرة و ليس كموضوع محدّد. لذا هي تكتب لقارئ باستطاعته أن يكتشف هذا المعنى و يبحث عنه و يؤوله بالصورة التي يراها ملائمة و مناسبة و طابقة لتوجهه و رؤيته و من هنا نقول كما قال رولان بارث بأن قصص زوليخا ليس بمفهومها القدحي بل بمفهومها الإيجابي: nuisibles قصص مشوشة و الجميل هو أنها كتابة تحفز القارئ على السؤال و التأويل و بذل الجهد للوصول إلى هذا المعنى الخفي.

و عندما نقف إلى هذه التفاصيل الصغيرة نجدها ذات جانبين:

1 _ جانب موضوعي مشترك يجعل عملية فهمها مشتركة بين جميع المتلقين بصفة عامة.

2_ جانب ذاتي، و هو فكر المؤلفة و رسالتها التي ضمنتها لهذه التفاصيل الصغيرة.

و هذا الفكر الضمني يتجلى في طريقة الإستخدام الخاص للغة من طرف الكاتبة زوليخا و ما تحمّلها من دلالات و رموز و إشارات تبعا لتجربتها في الحياة.

يقول أدونيس: ’’ إن المرئي وجه اللامرئي و أن الملموس تفتح لغير الملموس، فما نراه و نحسه ليس إلا عتبة لما لا نراه و نحسه’’5

و من ثم كاتبتنا زوليخا تقدم لنا نصوصا قصصية ذات لغة هي عبارة عن معارج تساعدنا على العروج إلى عوالمها الضمنية و معانيها الخفية، أي أنها تقدم لنا هذه التفاصيل الصغيرة مكشوفة واضحة ولكن وضوحها يغطي المستتر و ما علينا كقراء و متلقين إلا كشف هذا المستور و المخفي وإماطة اللثام عما لم يقله النص من خلال ما يقوله بالفعل. و من هنا اعتمدت الكاتبة زوليخا الفراغات، و عبرت عن الكلام بالنقط كما في قصة: (رسالة إلى فرانكو) و التي نأخذ منها هذا المقطع:

’’ خالي رجل أحمق، ولد بالضمة على الواو و لم يلد. لا زوجة و لا ابناء.انتهت عقود الحرب الأهلية الإسبانية التي شارك فيها. عاش من عاش و مات من مات وخالي لا يزال يسكن حروبه.

هه؟ ماذا قلت؟

....................

بعد السؤال نجد سطرا امتلأ بالنقط و قد عبرت بها الكاتبة زوليخا عن الصمت الذي خيم بعد السؤال. و تقنية الصمت هذه و السكوت عن الكلام و الإفصاح نجدها موظفة في قصص أخرى من المجموعة: نشاز آخر للبياض و هي: شتات البياض ص 24، الكف و الأغنية ص 62
هذه التفاصيل الصغيرة نجدها تتوزع إلى ثلاثة أمور:

التفاصيل الصغيرة

التشكيل، ما يتعلق بالفلسفة و الوجود و ما يتعلق بالمجتمع و النقد و الإدانة

1_ التشكيل: عندما نقف إلى قصة حذاء فان غوخ و قصة متحف السراب نجدها تتضمن بعض القضايا التشكيلية و الفنية و التي أثارت جدلا في الأوساط الفنية و الثقافية و منها لوحة فان غوخ الحذاء و قد ثار الجدل حولها بين ثلاثة من أساطين الفلسفة و الفكر و هم: هايدجر، جاك دريدا، و شابيرو. و كل واحد سجّل انطباعه و رأيه حول هذه اللوحة في كتاب و الخطاطة التالية تبين ذلك: لوحة الحذاء، فان غوخ التي رسمت في 1886

هايدجر، شابيرو و دريدا

أصول العمل الفني 1935 الحياة الجامدة بوصفها تمظهرات الحقيقة. موضوعا فنيا 1965. في التثقيب 1973

كما نجد إشارة إلى التكعيبية و الإنطباعية و الطبيعة الميتة في قصة متحف السراب و التي من خلال هذه الإشارة تصل إلى اختيارات الساردة أو فلسفة الكاتبة زوليخا في الحياة و التي تمحورت حول:

البوح
السؤال
تحديد الإنتماء و الهوية
المقارنة
و هذه الفلسفة و قنتعتهت يتطلبان أربعة أشياء:
الرجاحة و العقل
الرصانة
الحياة المستقيمة الخالية من الإهتزازات
الأحلام الهادئة السعيدة

’’ من يفكر في الغد له رجاحة عقل تؤهله لذلك . رصانة، هدوء، حياة مستقيمة، أيام متشابهة خالية من الأحلام المستعصية أو من الأحلام نهائيا’’ ص 7

إنها نوع من الطوباوية

2_ اللمحات الفلسفية و نستشفها من حديث الساردة عن القلق المؤدي للعدم و التوتر الإنساني.

و هذا يبيّن لنا اقتناع اقتناع الساردة/ الكاتبة بفلسفة هايدجر و نظرية الوجودية إذ نجد عنده أن القلق الإنساني يتولّد من l’être و الذي نكتشف منه معنى الوجود le néant يؤدي إلى العدم جراء إدراك هذا الإنسان بأنه محكوم في النهاية بالموت الذي هو العدم نفسه.
و الكاتبة زوليخا تنبهنا إلى هذا العدم الذي يتولّد عنه الخوف. و ما القلق إلا حالة الخوف المطلق أمام العراء المطلق. و ترى زوليخا هذا العدم في جريان الزمان و استباقاته و لذا المستقبل و العيش و الأمان و الغد كلها تمثل عناصر هذا الخوف و هذا القلق. و من خلال هذه التفاصيل الصغيرة التي نلمس فيها نفحات فلسفية و نشتم فيها قلقا وجوديا، نستنتج أن الذات الساردة مرغمة على اختيارين وجوديين يجنبان أناها من السقوط و هما:

1_ الوجود الأصيل أو الشعور بالموقف الأصيل حيث القلق يجعل الذات و الأنا authentiques و هذا ما يدفعنا إلى محاولة تجاوز هذا القلق و هذا الواقع و هذا نلمسه في كثير من قصص المجموعة القصصية:

’’ أنا؟ أنا كرة الثلج المتدحرجة من أعلى الجبل، كنت أظن أني مع الوقت و تكاثر تجاعيدي قد اكتسبت بعض الحيلة في طرد الأحلام و اكتساب أيام هنيئة من دون الغوص في عذابات النفس الماراتونية التي أجلد بها ذاتي يوميا. ما توقعته كان خاطئا. ازدادت هواجسي و تكاثرت أحلامي الحمقاء كالفطر بعد أيام ماطرة’’

’’ من أين سآتي بالجهد الكافي كي أبدأ من جديد. لأنه عليّ أن أبدأ من جديد؟’’ ص7
من هنا نجد الذات الساردة تقتنع بالتعايش مع الواقع لتجاوز هذا الخوف و هذا القلق و تمنح لوجودها الحياة.

2_ الوجود الزائف أو المبتذل حيث تحاول الذات الهروب من هذا الواقع /القلق inauthentique و تجاوزه.

3_ الالتباس: إنها ترى هذا الوجود المليء بالقلق و العقبات وجودا مبتذلا و أمام هذا الابتذال تنغلق متاهات القلق و تنغمس الساردة في الحياة اليومية الروتينية_ للهروب من هذا القلق_ و من واقع المجتمع و آلامه.

هذا دفع بالساردة /الكاتبة إلى الشك في بعض القيم المجتمعية وفي بعض الحقائق المعلن عنهاز فنجدها تطرح مجموعة من الأسئلة الحيوية حول الإنسان ، الحياة، القيم و المجتمع و من هنا جاءت قصتها: و تلعق الثلج.. الرسالة و التي تتدحث فيها عن مأساة إنسانية كبيرة و هي وفاة 29 طفلا من أطفالها في لهيب فصل شتاء 2007 /2008 و قد وظفت الكاتبة القرية المكلومة للدلالة على التهميش و الإقصاء و المعاناة و الموت و الصمت القهري و البياض القاتل الذي يغلّف هذه القرية الأطلسية.

من هنا الساردة الكاتبة من خلال الطبيعة الميتة المتمثلة في قرية أنفكو و غيرها من القرى المغربية المهمشة تبين الإسقاطاقات التي تتلاشى فيها الموجودات المادية و علاقتها بالإنسان و كيف أنه داخل هذه العلاقة يعيش نوعا من العبث و هذا يدفع الكاتبة كما قلنا إلى الشك لأنها تؤمن بأن الشك أول طريق إلى اليقين و الشكوك موصلة إلى الحق.

من التفاصيل الصغيرة التي نجدها في هذه الأضمومة: الصيغة السردية أو نمط السرد الذي اتبعته الكاتبة زوليخا في كتابتها القصصية هته و التي من خلالها نعرف الكيفية التي تعرض لنا بها الساردة القصص و تقدمها لنا بها. 7

في( نشاز آخر.. للبياض) نجد أنواعا من صيغ الخطاب و هي:

1_ الخطاب المسرود أو المحكي حيث تورد الساردة أفكار الشخصية لا أقوالها كما نجد في قصة (القط و المرآة )ص35: ’’ تمر أمام المرآة، مرآة طويلة مثبتة في الجدار جنب الدولاب. تتحاشى النظر إليها. تتذكر كل القصص التي كانت جدتها ترويها لها و هي توصيها ألا تنظر إلى المرآة بالليل’’

2_ الخطاب المحول بالأسلوب غير المباشر:حيث تعمل الساردة على نقل أقوال الشخصيات بطريقة غير مباشرة أي التعبير عنها بأسلوبها الخاص كما في قصة (شتات البياض):’’ أنت مستيقظة. قال لي الصوت الخشن’’

’’ هو البرق في ليلة عاصفة و أنا الواقية التي تمتص الصاعقة كي تختزلها في باطن الأرض. قال دولوز محاولا تقريب الصورة عن علاقة فلسفته بتفكير غاتاري’’ ص25
3_ الخطاب المنقول: تفسح الساردة المجال للشخصية لتعبّر عن نفسها بطريقة مباشرة كما في قصة : (و تلعق الثلج الرسالة): ’’ بعد أن هاتفني ابني:

أمي لقد أضعت تذكرة القطار و أنا في ورطة.

أرمي الكرة بعيدا عن مرماي: لماذا لا تكلم أباك؟’’ ص 12 و 13

’’ لم تنته الحملة الانتخابية لكن السيدة الوزيرة انتهت في حجرة في درب بويا عمر مسلسلة من رأسها حتى أخمص قدميها و تصرخ بأعلى صوتها: ابعدوا عني الهياكل العظمية لأطفال أنفكو! أبعدوا عني الهياكل العظمية لأطفال أنفكو!’’ ص13

4_ مناجاة النفس و البوح: و هو من تيار الوعي حيث تقدم لنا الساردة المحتوى الذهني و العمليات الذهنية للشخصية مباشرة من الشخصية إلى القارئ بدون حضور المؤلفة كما في قصتها: متحف السراب ص7 و (تاء الخطيئة المتحركة) ص20:

’’يا جسدي تمرد أهمس لك.. تمرد كي تستحق وسامتك.. ثر كي تستحق نبلك.. ثر على البياض، ثر على السواد.. ثر على الثورة المجهضة. كن أنت .. لا تكن سواك.. امتشق إنسانيتك’’

5_ الوصف: كما في قصتها (نخب محمد شكري) ص18: ’’ هي حمامة بيضاء. أناقة و سحر طبيعي. يليق بها اللون الأزرق. بيضاء من رأسها حتى أخمص قدميها’’

6_ الحوار: كما في قصتها (لن أراقص حبيبتي) ص31

’’ ألو. حميد؟

نعم حبيبتي ماذا تفعلين؟

أتهيأ لحفلتنا

أوه هذا جيد. هل أمرّ لاصطحابك في الوقت الذي اتفقنا عليه؟

هل من الممكن أن تضيفني ساعة أخرى حتى أجهز كي أليق بك؟

أنت دائما تليقين بي و لو كنت ترتدين بيجامة.

بيجامة يا مجنون!

و ختاما نقول أن الأديبة زوليخا كاتبة يشغلها هوس الكتابة و لذا نتمنى أن نجدها في أعمال أخرى إن شاء الله.

محمد داني

ناقد من المغرب

عدناني( محمد): إشكالية التجريب و مستويات الإبداع، جذور للنشر 2006 ص13

المرجع نفسه ص13

المرجع نفسه ص13

روبرت هولب: نظرية التلقي ترجمة عز الدين اسماعيل النادي الأدبي الثقافي جدة 1994 ص 24

أدونيس: الثابت و المتحول دار العودة بيروت 1979 ص213

موساوي الأخضري( زوليخا): نشاز آخر للبياض منشورات دار التوحيدي 2012 ص29
العيد (يمنى): تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي دار الفارابي 1990 ص 107


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى