الخميس ٢٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
بقلم فراس حج محمد

هذه هي الروح المتعبة يا شهرزاد

شكَت الروح من أوجاعها، وأتعبتها أمنياتها، واشتعلت نيران الانتظار، أتعبتها الحروف الخاوية من حرارة دفء الوصال، أتعبتها الجروح المفتوحة التي تقرحت ولا يوجد أمل لشفائها إلا بداء دوائها، فكيف ستشفى ودواؤها وداؤها أنت، أعيد زفرة أبو نواس قبل ألف عام، "وداوني بالتي كانت هي الداء"، أنت الداء وأنت الدواء، أنت الصحو والسكر، أنت الشك وأنت اليقين، أنت الحضور وأنت الغياب، أنت الفجر وسناه، وأنت الليل وما أقساه عندما تشدين الرحيل وتغيبين كأنك نجمة مسافرة لفلك جديد، لا تلتفتين إلى الوراء، ولا تلتفتين إلى ذلك الظلام الذي تركته، أعرفك لا تحبين الظلم، ولكنك لماذا رضيت بكل قسوة أن تظلمي قلبا أحبك بكل ما في قدرته بل أقوى وأعظم من طاقته، استعان على حبك بقوى أخرى سحرية خيالية، فقط ليقول لك يوما "أحبك".

تركت القلب مثل طريق عرفها السالكون فأدموا أديمها طرْقا واستراحوا وهم يطئونها بأقدامهم بلا رحمة، لقد نزعت القلب من مكانه وأخذته بعيدا، فهل سيكون بوسعي أن أعيش بغير قلبي المسلوب؟ لقد جاءت الأقدار دفعة واحدة فقلعت عواصفها فؤادي وأشعلت دنياي بالوجع الكبير غير المتناهي.

تكبر أوجاعي كل يوم يا شهرزاد، تتغذى على ما تبقى من ذمائي وشقائي، تعاود كتابتي في متون الغياب، كأنني سطر بلا معنى ولا ذكرى، كأني بعض شعر بلا وزن ولا ماء ولا قافية ولا رواء، سرقت الشعر والألق إذ سرقت الروح، كنت قاسية وظالمة وعنيدة ودكتاتورية حب. لقد سبقت كل الظلمة يا شهرزاد تفوقت على كل الجبابرة، كيف لك أن تكوني هكذا وأنت من أنت رقة وحنانا وعاطفة، أهكذا يكون الحب يا شهرزاد؟ أهكذا يكون الرضا يا شهرزاد؟ أهكذا يكون الوعد يا شهرزاد؟ أم أنه جزاء سنمار؟

لعلك قرأت كما قرأت قصص العشق السابقة ليس في قصص ألف ليلة وليلة الخيالية، ولكن قصص عشق حقيقية لأناس من لحم ودم عاشوا الحياة وتنفسوها نسمةً نسمة، لقد كانوا على ما في أرواحهم من وجع وألم إلا أن محبوباتهم لم يتركنهم نهب الهواجس والذكريات، كانت تأخذهن الشفقة بمن أحبوهن فيسكبن بعض الوصل، فتنتعش الروح وتتجلى ويزهر بعض شبح من أمل، لم يكنّ ظالمات إلى حد القطيعة المطلقة، كن مخلصات يعرفن معنى أن يحب رجل امرأة ويذوب من أجلها ويتصاغر، كن يعرفن ماذا تعني كلمة أحبك، كن يعلمن حق العلم واليقين مدى بشاعة الصد والهجران على قلب الرجل، إنهما إن لم يقتلنه فإنهما يحبطنه ويصبنه بالخور واليأس، وربما أتته مشاعر الانتقام حادة فانتقم من نفسه، لأنه لا يجرؤ أن ينتقم ممن أحب.

هكذا كانوا يا شهرزاد؟ فهل نحن نعدل شرو نقير مما كانوا عليه؟ أظن أنك لم تعرفي الحب كما يجب أن تعرفيه، الحب ليس بعدا فبعدا فبعدا، هجرا فهجرا فموتا، إنه بين بين يا سيدة الغياب، يكفيك بعدا فارحمي القلب الذي يصبو إليكِ، وكان وما زال يتمنى أن تملكيه وصاحبه بين يديك، لا امتلاك عذاب وسجن وتسهيد، بل امتلاك حب وعشق ووصال دائم ما دامت الروح ساكنة في جنبات النفس.

شهرزاد الغياب والارتياب والشك والعذاب، أحبك، يكفيك بعدا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى