الجمعة ٣ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم حسن الشيخ

أيها النقاد اكسروا أقلامكم

لا ندرى الى أين ستأخذنا تجاربنا الشعرية المحلية? فمجموعة المحاولات والتجارب التى يمكن رصدها من خلال الأصوات الشعرية المعروفة لا تتراوح فى عمق تجربتها الفنية فقط, بل وتتفاوت فى أساليبها الإبداعية وتوجهاتها الشعرية أيضا, ولعل الرصد المكثف للحصيلة الإبداعية المحلية يكشف بوضوح عمق الأخاديد فى وجه إبداعنا المحلى. ويؤكد - من جهة أخرى - الحاجة للإطار النظري النقدي كقاسم مشترك يجمع بين تلك الإبداعات الشعرية, ويقرب من الفجوات المتناثرة هنا وهناك فى ظل المفهوم النقدي المطلوب.

واذا وجد المبدع على ساحتنا المحلية بالرغم من صيحات ؛أزمة الإبداع« الى تطلقها صحافتنا الثقافية بشكل ممل, فان صيحة ؛أزمات النقد« أحق ان تطلق مع غياب الناقد المحلى. واذا وجد الناقد والنقد فانه مازال بين احتضان الأكاديميين وإسفاف الصحافة غير المتخصصة.

ويبدو ان النقد الأول - الأكاديمي - يعانى ليس من جفاف الطرح و أكاد يميته المملة فى كثير من الأحيان, بل ويعانى من تلك ؛التفاصيل« النقدية الصغيرة, أو لنقل هذه المنمنمات البالغة الصغر والمصفوفة بأشكالها الهندسية الجميلة فى إطارها الأكاديمي, هذه التفاصيل وما يتبعها من شروحات وحواش وهوامش تجعل من العملية النقدية عملية شائكة وشاقة ليس فقط للمتلقي بل وللمبدع فى مسايرتها ولمس نتائجها فى الواقع العملي على الساحة الأدبية.

أما النقد الثاني - النقد الصحفي - فهو يعانى من هيمنة الدخلاء على الأدب, لذلك فهو على الطرف الآخر من المعادلة, يستوحى ؛أحكامه« النقدية الصارمة من قراءات القائمين عليه السريعة وغير الجادة.. فتأتى أحكاما مبتسرة, وعامة, فى تقويمها للعمل الإبداعي.

أذن ما هو النقد المطلوب? ليس فى مفهوم الأوائل أو المعاصرين.. بل فى مفهوم المتأخرين? لنأخذ مفهوم النقد وتجربة سليمان البستاني النقدية, لكونه شاعرا وناقدا وكاتبا في آن واحد, ولكونه مارس النقد عمليا وليس هو من الأوائل كالجاحظ و الجرجانى الذين اختلفت أساليبهم النقدية مع مقتضيات العصر, ولا هو من المعاصرين الأكاديميين كالدكتور شوقي ضيف, أو د. إحسان عباس, أو د . شكري عياد.. وغيرهم. البستاني يرى فى (مقدمة الالياذه) ؛ان النقد الأدبي هو درس فى الآثار الأدبية وتحليلها لتمييز غثها من نفيسها, وجيدها من مبتذلها بكشف حسناتها وعيوبها كشفا مبنيا على تعليل صحيح ونزاهة وإنصاف«.

ويمكننا استنتاج الكثير من هذا التعريف, ومن تجربة البستانى ذاته. ان النقد ليس علما صرفا لانه يركز على الذوق وليس ادبا لان فيه علوما عدة كعلم الجمال والبلاغة والنحو والصرف, كذلك فان العملية النقدية بحاجة الى شمولية فى الثقافة وملكة نقدية صادقة حتى يمكن عن طريق تلك الملكات الحكم على أسس ومعطيات ثابتة ليصل فى نهاية العملية النقدية للعمل الأدبي الى استنتاجات منطقية تدفع بالانتاج الإبداعي ككل الى المقدمة وتخلق فى النهاية قاسما مشتركا نسعى إليه.

هذه السمات للعمل النقدي تجسدت عند سليمان البستانى باعتباره اديبا وناقدا أصيلا لا يكتفي بالعرض السريع للنتاج الأدبي, بل اتخذ أسلوب التحدي العلمي الذي لا يثق بحكم ولا بشهادة ولا بقول الا بعد التثبت والتمحيص, واعتمد البستاني - كما لم يفعل ناقد قبله - باتباعه لجميع المناهج النقدية الحديثة المعروفة, فجاء نقده تكامليا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى