الجمعة ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم شاكر فريد حسن

صرخة من الاعماق..!

العراق بلد النخيل والرافدين، ومهد الثقافات والحضارات السومرية والكلدانية والبابلية والاكدية والاشورية والعباسية، وبلد العلم والتراث والف ليلة وليلة، التي الهمت الشعراء وعشاق الحرف والكلمة والجمال، الذين ابدعوا في كتابة قصائد العشق والحب والغزل الرقيقة.

والبلد المتعدد الاقانيم، الذي تتصارعه الهموم الثقافية والتجاذبات السياسية والصراعات الفكرية والعقائدية والطائفية، ويعاني شعبه من اثار القدم الهمجية والاحتلال الامبريالي الامريكي والاستعمار الاجنبي الجديد. هذا البلد كان له على الدوام دور حضاري وثقافي وريادي فاعل ومؤثر ومتميز في الحضارات الاخرى، ولديه تراث غني جداً.انه يشتهر بفن العمارة، ويزخر بالعديد من المبدعين والمفكرين والمثقفين والفنانين التشكيليين والسينمائيين، وبالاسماء العظيمة والمضيئة في مجالات الفن والادب والفكر والثقافة والابداع الشعري والروائي والقصصي والمسرحي. ويكفيه فخراً واعتزازاً انه انجب الشاعر احمد بن الحسين ابو الطيب المتنبي في العصر العباسي، والزهاوي والرصافي والبياتي والسياب ونازك الملائكة وعلي الوردي وبلند الحيدري وسواهم في العصر الحديث. بالاضافة الى اعلام ادبية وفكرية لا تقل قيمة واهمية وشهرة واضاءة وابداعاً وصدقاً، يضيق المجال لتعداد اسماءهم.

وقد فقد العراق في الآونة الاخيرة عدداً من المبدعين والمنتجين، الذين اثروا الثقافة الوطنية والديمقراطية العراقية الحرة والمشهد الادبي الانساني العراقي المعاصر، واسهموا في رفد الفعل الثقافي والابداعي العراقي والعربي، من خلال العمل والابداع الشعري والعطاء الادبي والثقافي، امثال الشاعرالكبير محمد علي خفاجي، والقاص فهد الاسدي، حامل راية الجياع وآلام المسحوقين وعذابات المضطهدين، وكاره الظالمين والطغاة والمستغلين، واحد المؤسسن للفن الجمالي العراقي، وهادي الربيعي، البلبل الغريد في سماء الشعر الطبقي الانساني المتوهج، الذي شدا لفقراء الارض وشهداء الوطن واحرار العراق، والباحث الموسوعي زهير احمد القيسي، الرمز الثقافي واحد رواد الحركة الفكرية والثقافية والاعلامية العراقية، والشاعر سليمان الجبوري، الذي ترأس تحرير مجلة "الاقلام" العراقية. بالاضافة الى العلامة والقامة الشعرية الباسقة الاستاذ محمد جواد الغبان، الذي قضى اكثر من خمسين عاماً متقلباً بين الشعر والادب، وكرمته العديد من الاندية والملتقيات الادبية والثقافية.
وهنالك الكثير من الادباء والشعراء والكتاب العراقيين، الذين يعانون الآلام والاوجاع المبرحة ويلازمون الفراش بسبب الامراض المزمنة والاوبئة المختلفة، كمظفر النواب وآمال الزهاوي وجبار السوداني وحسين عبد اللطيف وجاسم المطير وغيرهم ممن لا تحضرني اسماءهم الآن، والذين عانوا الاهمال والتهميش من قبل الدكتاتوريات الحاكمة والآفلة.

وفي حقيقة الامر، ان مأساة المثقفين والادباء والكتاب العراقيين كمأساة ومعاناة سائر المثقفين والمبدعين في البلدان العربية، انهم يتضورون جوعاً وبؤساً، ويموتون بسبب عدم تمكنهم من دفع تكاليف العلاج، وجرّاء الاهمال الحكومي وعدم الاهتمام بهم من قبل المؤسسات والدوائر الثقافية والوزارات المختلفة. وعليه، نطلقها صرخة مدوية في وجه هذه المؤسسات الثقافية والوزارات المسؤولة في العراق وسائر الاوطان العربية ان انقذوا حياة المرضى من الادباء والمثقفين، واهتموا اكثر بهم، وتكفلوا بنفقات العلاج لكي يواصلوا الحياة والابداع. فالمثقفون والادباء كانوا وسيظلون ضمير الامة النقي، والقادة الحقيقيون للمجتمع، ولهم الدور المؤثر في عملية التحدي الحضاري والتغيير العصري والبناء الثقافي. لكن وللاسف الشديد انهم في مجتمعاتنا العربية لا كرامة ولا احترام ولا تقدير لهم، ولا اهتمام بهم في زمن الضيق والشدة وهم على فراش المرض.

فهل تلقى هذه الصرخة آذاناً صاغية ام ستظل صرخة في واد؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى