السبت ١٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣
سجال بين هناء وسعاد
بقلم أحمد توفيق أنوس

رواية غربة

المساواة وحرية المرأة

سأل الحاج مصطفى ابنته عمّن طرق باب المنزل، وكان قد مضى حوالي العشرة دقائق على وجود سعاد بالبيت، فتذكرت الفتاة موضوع سعاد وأخبرت والدها بأن هناك امرأة تقول بأنها محامية أخيها جميل، وبأنها تريد رؤيته لأجل القضية المتهم بها أخيها، فأخبرها الأب أن تُعدّ لها طعام الغداء، وأنه سوف يراها فور إنتهائه من تناول طعامه، توجهت الفتاة حسب أوامر أبيها بطعام الغداء إلى سعاد التي كانت تشتعل غيظاً، وهي تنتظر أن يوافيها الرجل العجوز، وفوجئت بالفتاة وهي تحمل إليها الطعام، وتخبرها بأن والدها سيوافيها بعد انتهائه من تناول الطعام حيث أنه لديه ضيف يتناول معه الغداء، وبأنه لن يستطيع رؤيتها الآن، جلست سعاد على مقعد جانبي تراقب الفتاة الجميلة وهي تعدّ لها مائدة الطعام، وتتساءل في قرارة نفسها، هل هو هنا لأجل جميل؟، أم من أجل هذه الفتاة الجميلة؟، لماذا لم يُخبرني عنها سابقاً؟، ولماذا جاء اليوم إليهم وقد أخبرني بأنهم لا يعرفون أي شيء عن قضية ابنهم جميل بعدما سألهم طويلاً، لا بد أنه هنا من أجل هذه الفتاة، ولكن هل تحبه هي؟، نعم إنها جميلة ولكنها ليست أجمل مني، ولكن ربما يعجبه بساطتها وطبيعتها الهادئة كلمتها سعاد قائلة :
 ما أسمك؟
 هناء وأنا أخت جميل الصغرى
 كم عمرك يا هناء؟
 عشرون عاماً
 أهـ ألم تكملي تعليمك؟
 أكملت الثانوية العامة، وبعدها أخبرني والدي أن أبقى في المنزل؛ لرعاية والدتي فقد أصبح العمل داخل المنزل شاق عليها، كما أن الفتاة عندنا لا تحتاج أكثر من شهادة الثانوية، كي تستطيع أن تعلّم أطفالها وتستطيع القراءة
 الا تفكرين بالجامعة أقصد أن تكملي تعليمك؟
 لا لماذا؟
 يعني.. لتعملي
 أعمل..؟، لا.. عمل المرأة هو رعاية بيتها، وزوجها وأطفالها
 ولكن الحياة تبدّلت الآن، وأصبح لزاماً على المرأة مساعدة زوجها، حيث أن الحياة أصبحت
غير ذي قبل فكل شيء أصبح غالي الثمن و ....
 غالية؟، .. لا أدري ربما
 كيف، الا تذهبين للتسوق؟
 أذهب مع والدتي
 حسناً ألم تلاحظي بأنّ الأسعار تتبدل يوماً بعد يوم
 وما علاقة هذا بعمل المرأة
 راتبها، سيساعد في المنزل ويحسّن من معيشتهم
 حياتنا هنا عادية لم يختلف علينا أي شيء، هل أنت من الأقصر
 نعم، لكني من سكان القاهرة
 ربما الحياة هناك تختلف عن حياتنا
 الآ يهمك أن تلبسي وتأكلي وتتنزهي وأن ....
 (ضاحكة) أنا أفعل كل هذا
 حسناً، كل هذه الأشياء تحتاج إلى مزيدٍ من النقود، (وهي تأكل) مثلاً الطعام بالمطاعم مكلف
 نحن نأكل في بيوتنا فلماذا نأكل بالمطاعم؟
 يعني لأجل التغيير والملابس تكلف أيضاً
 لقد تعلمت من والدتي تفصيل ملابسي بنفسي، وأستطيع تفصيل كل ما أراه بالمجلات
 كل شيء؟
 نعم كل شيء
 الا تحبين مثلاً أن يكون لك شخصية مستقلة؟
 طبعاً لي شخصيتي التي ولدت بها، وأنا مستقلة برأيّ، وهذا ليس له علاقة بالعمل، والدتي مثلاً لا تعمل وها هو والدي لا يفعل شيئاً إلا بعد استشارتها
 والطموح، أليس لك طموح أن يكون لك شيء خاص بك
 بالطبع، فما أجمل أن يكون لي مملكتي الخاصة، بيت جميل، وزوج حبيب وأطفال يلعبون من حولي يملؤون حياتي فرحاً وسرور
 فما رأيك إن كان المال قليلاً وراتب زوجك لا يساعدكم على بناء هذه المملكة السعيدة
 علمني والدي بأن المال يا أختي لا يبني السعادة، الإنسان بقناعته يبني قصوراً تمتلئ بالسعادة، بينما ترينَ أجمل البيوت يهدمها المال، المهم هو الإنسان وليس المال
 ولكن الا تحبين أن تتساوى بالرجل؟
 يا أختي إن الله علمنا بأن الرجال قوامين على النساء بكل شيء فهل أقف ضد الله، هل أنا أعلم من الله وأنا المخلوقة الضعيفة؟

شعرت سعاد بأن هذه الفتاة التي لم تُنهي دراستها الجامعية، قد هزمت أفكارها فهي تكتنز من خبرات الحياة التي اكتسبتها من والديها، ومن خبرات الآخرين، ما يمكنها أن تهزم أعتى ظروف الحياة قسوة وهي الفتاة الصغيرة بأفكارها الكبيرة وبتصميمها وببساطتها اللآمتناهية.

نعم محقة هناء في هذا، فها أنا أملك مالاً ورثته عن جدتي وأمي، مالاً أستطيع أن أشتري به كل ما أريد، ولكن هل أستطيع أن أشتري به السعادة؟، لا.. لا أظن ذلك، وشعرت سعاد بأنها تحترم كل ما تقوله هناء، وبدا لها كم هي سطحية وسخيفة تلك الأفكار التي تنادي بتحرير المرأة، ومساواتها بالرجل، وتحريرها، تحريرها من ماذا؟، لا تعلم؛ لكنها شعارات سمعتها بالجامعة رددتها، حفظتها، ولم تسأل يوماً ما تتحرر من ماذا؟.

المساواة وحرية المرأة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى