الجمعة ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم هيثم نافل والي

الضياء

تنويه:

أحداث جسام حدثت، بعد أن كتبت قصتي القصيرة بعنوان(على ضفاف نهر الأردن) ونشرها، وما ألت إليه آراء الناس... جعلتني أفكر جدياً بلقاء يوحنا المعمدان مجدداً، وهذا ما حاولت أن أسجله دون أمل، ولم يحالفني سوى الفشل!!

فالمرء منا، ما أن يتمنى... حتى تختفي من أمام عينيه كل الصور التي يود ويحلم بلقائها، فجأة!! في حين كانت قبل لحظات قليلة تجلس معه وتسامره...

عجباً؟! كيف لا ترنو الصور التي نشتهي رؤيتها متى ما نريد؟! إنها حقنا في الحلم والتمني! وألا ما نفع التأمل والخيال عند الإنسان؟!

جلست في المقهى، حاولت أن أعيد المناظر التي كانت قد حصلت... بلقائي الأول مع يوحنا، دون نجاح... لم ينفع جلوسي ولا حالة السرحان ولا حتى خمسة فناجين بمائها الأسود المر، المغلي من البن، وقد آلمني ذلك كثيراً وجعلني أشعر بالإحباط...

في الليل؛ وبعد أن أجهدت نفسي مرتبكاً، متمنياً، حائراً وأنا أحاول أن أصل إلى عالم يوحنا دون فائدة تذكر؛ وعندما كنت نائماً من غير عمق وبقلق وأنا أستذكر شريط الرسائل التي وصلتني بعد نشري لتلك القصة، بعواطف جياشة، مبهمة الغاية... استوقفتني رسالة كتبها الدكتور(ع)... جاء فيها:

"نحن قوم معرفيون، أذكياء، أمة راقية، زاهية في تراثها، نقية في دينها وتعاليمها وطقوسها... ولا ينقصنا سوى التوعية الدينية، كي نتسلح بها ونحمي أولادنا من حالات الصراع أو الضياع"

في حين آلمتني رسالة أخرى، حررها الشاعر( ق) رقيق الشعور، مرهف الإحساس وهو يسطر في حناياها وجداً لا حدود له، وشجون طافحة بالألم والحسرة... وصاحبها يعاتبني، لأنني أوجزت حديثي مع يوحنا، ولم أقل أو أنقل له كل ما نعانيه وما وصلت وتجلت حياتنا من بعده؟!

ووسط هذه الذكرى والقراءات والتأمل المشحون بالحسرة والرجاء، ومن بين الأوراق، والتمرد والإحباط والأشواق... في تلك الليلة بالذات ودون تحضير مسبق أو استنباط، حدثت المعجزة، التي كنت أنتظرها ولم أتوقع حدوثها بهذا الشكل أو التوقيت المفاجئ...

حاصرنا الظلام، بعد أن هبط الليل علينا كعادته؛ ذلك الفضاء الأسود العميق، الكبير، الكثيف الذي يكشف لنا روعة وجمال ومحاسن الطبيعة، وكأن لا وجود لها في النور؟ بهيبة وإتقان وسحر لا يملكها سوى واجده!! في الليل تهدأ العواطف وهي ثملى، وترتاح الأجساد بعد تعب وجهد وضجيج النهار، وفي أحيان يلتقي الأحباب عبر الأحلام في المنام...
وهذا ما حصل لي عندما كنت نائماً في غرفتي، كالمستيقظ الحالم، بعد أن تسللت إلى جسدي حمى، كما يسري المخدر في الجسم، سببت لي رعشة غير متوقعة، فالتهبت أهذي على غير عادتي...

في تلك الليلة بالذات، كان القمر فيها سيد الكون ببهائه الساطع، متربع السماء وهو يكشف لنا سر جماله البارع، شاركته النجوم الإمعة فرحة لزهائه، وهي تغمز إليه بإغراء العاشقة الحبيبة بين لحظة وأخرى... في حين بقي شلال نور القمر الفضي الناصع، الساطع البهي يتلصص محتجاً بضيق ومشقة، بسبب عتمة وسمك نسيج الستائر، تلك الواقفة خلف شبابيك الغرفة وكأنها تحرسها، ولكن عناد تلك الأشعة الفضية وإصرارها على النفاذ إلى الداخل من خلال بعض الشقوق والفتحات التي كانت موجودة بين ثنايا الستائر، جعلها تفوز بقدر ما تستطيع لأنها تريد!!

فجأة حطت يد خفية خفيفة، لكنها ثقيلة الوقع، على كتفي، وانتشر فجأة وهج من الضياء وهالة من الخيال في الغرفة التي كنت نائماً فيها، فلم يعد الظلام يحاصرني بعد أن سطع ضياء الطيف منيراً في المكان، وكأن القمر تنازل من علوه ليحل ضيفاً يشاركنا الحديث والاستماع! ثم تسمرت أوصالي وأنا أسمع صوت ألهاني عما كنت غارقاً فيه في بحر مناجاتي وهيامي... كان صوته هامساً يسألني بعطف اتسم بالكمال، وهو يتفحصني بنظراته العميقة، التي لها جذوة النار المتقدة في قوتها وهيبتها وعظمتها، تفحصاً أقلقني:
هل كنت تنتظر قدومي؟!

 بخشوع ووجوم ورهبة: سبحان الله... يوحنا المعمدان؟! (همست وأنا هائم في أطواء الماضي الغائر، وأبلع ريقي اليابس بصعوبة بالغة، غير مصدق في شبه غيبوبة)

 رن صوت يوحنا، بإباء محكم العذوبة: لقد قلت لكم، أنا معكم، دائماً وفي كل الأوقات...
لم يكن واقفاً على الأرض، ولا طائراً، فالوهج والضياء المنبعث منه وحيث كان قائماً، كأنه الفجر حين يستيقظ... جعلني أهيم مذهولاً في عالم ليس لي علم بأجوائه أو أسراره... لكنني استطعت من خلال التركيز الحاد، المثار برغبة جامحة وفضول نابع من نفس مضطربة تسعى إلى المعرفة، من تمييز ثيابه، تلك التي لم تتغير، كما رأيتها في المرة الأولى، بيضاء بلون القطن، عينيه اللوزيتين اللون والمتناهيتين في الصفاء تشع بريقاً، صافياً، ساحراً وكأنه آت من شق في السماء، فتضيف إلى وجهه الدائري العريض جاذبية وفتنه خاصة، تشعرك بأنهما تحملان في تلافيفها أسرار الماضي السحيق؛ شعره الطويل الثائر الذي لا يفتأ أن يعابث وجهه السمح بالإلحاح كلما تحرك؛ ملامحه الحادة، الجادة التي لا ترمز إلا للعمل الثوري الصارم،الشاق الصعب الحاسم، فيوحي لك بعد برهة بأنك أمام قوة مصنوعة من صخر التمثال بعظمة وجمال وهيبة وجلال، وهيئته وصوته ورسمه... كله صفاء ونقاء وبهاء؛ له جذوة لا يمكن لي وصفها، لكنني شعرت بأن لتلك الجذوة، قوة يستطيع أن يسيطر من خلالها على الأحياء والأموات... قوة، لها هيبة الله، وجبروت وعظمة الخلود دون طغيان، وقوة وذكاء الإنسان... له طلعة ترتاح لها النفس وتطيب وهي مرحى، ناهيك عن جاذبيته الساحرة في النطق والصورة والمظهر، والمتسمة بالاتزان والثقة والاعتداد والجمال الفريد... ما جعلني لا أملك أن ألتفت بصري عنه بعد أن استبدت في أعماق قلبي مشاعر مخلوطة من الحب والإعجاب والتأثر. وأنا أشعر بتقهقر، دمدمت هامساً أحدث نفسي بيقين:

يا إلهي، كم أنت عادل وحكيم، ثم طفرت دمعة من عيني حارة وصادقة دون إرادة وأنا أهم بالوقوف أجلالاً وإكراماً له... وسألته وأنا أشعر بأن ضربات قلبي بدأت تزعجني من قوتها، مستفسراً في ارتياع وذهول، بعد أن نهضت وأصبحت قبالته واقفاً، مشدوهاً:

كيف عرفت، بأنني كنت أبحث عنك، ولم أوفق؟

 التمعت ابتسامة على شفتيه، دلت على طيبة عريقة فيه، وبرزانة ولين وإيحاء فلسفي أنشد، وكأنه يتلي تراتيل ممتزجة بالبخور:

قل لأبناء جلدتي أن يطلبوني عندما لا يكونوا بحاجة لي!

أن يسعوا لي عندما يشعرون بالفرح لا فقد بالترح!

أن يصغوا لي حين يكونون منتشيين ولا وقت لهم!

أن يتحدثوا معي عندما يأبون الكلام!

عندها ليتمنوا، فسألبي... لأنني لا أمنح حبي وعطفي وحكمتي إلا لمن يعرف القناعة، وينبذ الوضاعة؛ ثم خفق والابتسامة مازالت لم تفارق محياه بتجل رائع، وهو يقول متابعاً بزهو وادع:

أن لا يفكرون يوماً، بأن يكونوا محل إمبراطورا في نهاية حكمة المنحل!!

أن لا يمجدوا الغفران على حساب العدالة!! لأن بفعلتهم تلك، يكونون كمن يرفع سقف المنازل، ليرى ما بداخلها وما يفعله الناس، وفي هذا جرم لا نقبله نحن المسالمين، المعرفيين.

أن لا يعطوا الذي يطلب كل شيء، كوجبة من الطعام الممضوغ الجاهز، فهو يجعل الطالب فريسة سهلة للملل والبطر والخمول... ثم أضاف مختصراً:

وأنت لا أراك من فئة هؤلاء... لذلك جئتك عن قناعة تامة وبقلب صادق متفتح، كقلب طفل، بعد أن عرفت ما يجول في سريرتك وما تضمره روحك... ثم سألني(وهو يتـأملني بعمق، وكأنه يراني لأول مرة) بجد حازم والنور يتلألأ على وجهه، كمرآة أنعكس عليها ضوء ساطع، فانتشر:

هيا، سل ما كنت تصبوا إليه، وحدثني عن كل ما كان يؤرقك؟

بهرتني كلماته القاصفة، العاصفة، اللاذعة، الجزلة، الرصينة والحكيمة، فأجبته مستغيثاً وأعماق نفسي تتلوى أنيناً:

لله درك يا يوحنا، لقد نشرت كلماتك التي قلتها لي في قصة، وراعني ما وصلني... فأبناء جلدتك مذهولون، مبهورون وبحبك وإجلالك منصهرون، وهم يرفعون الصلاة والسلام لشخصك الكريم العزيز مأخوذين؛ حتى بكى أحدهم وهو منهمك بقراءة كلماتك التي نشرتها... ثم نوهت له بحزن وألم قائلاً:

لقد ورد احتجاج عربي على قصتي تلك التي كتبتها بعد لقائي بك، فأوقفوا عضويتي واعتبروني خائنا، وربما جاهلاً؟! (وبعد وقفة قصيرة، سحبت فيها نفساً عميقاً من داخلي المتوثب المقهور) سألته مستعجلاً، مرتبكاً، مباغتا، وكأني أحرص على كل لحظة من لحظات هذا اللقاء:

ترى هل سماع صوتك، ورؤية رسمك، والهيبة التي نقشوها في أذهانهم عنك، وحبهم لديانتهم ونبيهم، هي وراء كل هذا الحب والشغف بسيرتك ومتابعتها من خلال كلماتك التي نشرتها في القصة؟ ثم أردفت مكملاً، مبهوتاً: أتعلم بكل هذا الحب وما يضمره لك أبناء جلدتك؟! وهل تعلم بكره الآخرين، الذين لا يؤمنون بما تقوله وما تنشره من حكمة وتعاليم؟ ربما خوفاً منك وهيبة من شخصك؟!

 محتداً: ما هذا الذي أسمعه؟ (قال ذلك وعيناه البراقتان التمعت فيهما الحيرة) ثم تابع بجزل بليغ وبلسان طليق عذب وبنفحة ثقة لا تقارن أو توصف:

يوبخونك ويحجبون عنك النشر، لأنك كتبت عني؟! والله أشعر بأنهم وبفعلتهم غير المفهومة وغير المنطقية تلك والتي لا تعبر إلا على عقل مغلق تماماً، عقل لا يكره في حياته شيئاً أكثر من النور والمعرفة... وأردف مواصلاً حديثة، بجرأة:

أنا لا أرى إلا أنهم اليوم يدخلون مرحلة الانحلال والتفسخ والتي ستنتهي بالتأكيد إلى انقراضهم لا محال، إن أصروا على نهجهم هذا غير الواعي وغير المسؤول. ثم استطرد بحماس وهمة بعد أن ارتسم السرور مجدداً على وجهه:

قل وأوص أبناء جلدتي الطيبين، هؤلاء الذين يكنون لي الحب والإجلال والتقدير:

أن يتسلحوا بالمعرفة، فهي كالماء الجاري ونوعاً من التطهير.

أن لا يكونوا غرباء على عصرهم، فلكل عصر لغته وثقافته التي هي عماد الحياة وسقف الآخرة، أرجو وأدعو لهم أن ينجحوا ويفوزوا وأن لا يكونوا من الخاسرين، أمثال هؤلاء الذين لا يعلمون بأنهم سيكونون من النادمين.

( لم يكن يهتم بالأسئلة المباشرة كثيراً... هذا ما لاحظته من إجاباته، فقد كان منشغلاً بما هو أهم ) لذلك استطرد قائلاً كما توقعت، بفكر ناسك نير، تقدمي، حضاري متفتح لا مجال بمقارنته مع أي فكر فلسفي من الذي أعرفه:

كن إيجابياً، سترى الأشياء التي من حولك كلها كذلك! وأنت وأبنائي من هذا النوع، وأنا أعلم بذلك، بل فخور بهم( صرح بهذا ورائحته قد انتشرت في الغرفة التي كنت نائماً فيها، كعطر ورد الرازقي في الليل) وتابع برصانة وثقة، كما عهدته في المرة الأولى:

لا تجبر أحداً على فعل ما، بل اقترح له أن يفعل ذلك، أخبره أن ذلك واجب، لكن إياك أن تضع نفسك حاجبا، وأنا لا أحب المتسلطين! ثم أردف برنة ساحرة، جعلتني أتقعد الأرض تبجيلا:
فكروا قبل أن تقولوا، وقولوا عندما تشعرون بأنكم راضين وليس مقهورين؛ فالظلم لا يأتي أو يقع إلا في حالة الغضب والسفاهة!

عيشوا يومكم وكأنكم لا تملكون إلا اللحظة، ولكن أن لا تكونوا إلا جادين، صادقين، مبدعين، مفكرين وعاملين عندها تبرق لكم السعادة، كالشهب سريعاً وقوياً ومؤثرا.

 سألته مشفقاً على حالي، كالحالم الذي استيقظ دون أن يكمل حلمه فجأة، وأنا مسحور بحديثه، حتى نسيت الكثير مما كان يجول في خاطري، وما خططت لقوله:

حدثني عن النفس، أرجوك(بلهفة قلت ذلك وعلامات الاستفهام تلمع في عيني)
 أجاب باسترخاء دون توتر أو تفكير، وكأنه يعرف بما سأسأله وبماذا يجيب، فقال:
كن نفسك وليس شبحاً لها.

لا تقبلوا يوماً أن تكونوا ظلاً، فالظلال خرساء رغم تعبيرها، عمياء رغم حركاتها التي تأتي بها!!

لا تمثلوا دور الإنسان، بل كونوا الأصل دائماً.

لا تلبسوا الأقنعة وأنتم تتحدثون أو تعملون، ثم بإصرار نوه مركزاً:

إياكم ولبس الأقنعة فهي لعبة الشيطان التي يتغنى بها!!
 ماذا عن العقل؟ (سألته منبهراً بشغف)

 بين العقل والشهوة خيط رفيع، إذا انقطع اضطربت النفس وهاجت الروح وطاب الشيطان أمرها! ولكن كل منا خالق على وجه من الوجوه... وتابع وهو يغرس نظراته الصارمة، غير الزائغة فيّ:

إذا أراد العقل أن يبدأ، فليبدأ بالنقطة التي توقف عندها المبدعون السابقون.

عليه أن يعلم بأن لا يغوص إلى الأعماق، فقط لكونه يجيد السباحة.

أن لا يساوم أو يطلب من البخيل الرد.

أن لا يطالب الآخرين الانتظار وصبره فقاعة.

أن لا يرفض أو يرفع صوته وهو يعلم بأنه خائن أو ظالم.

أن لا يسمح للمصلحة الذاتية أن تكون هي الحق. ثم نادي ورأسه نحو السماء مرفوعة:
إياكم وخلق الشر، فهذا يفرح الشيطان ويجعله يرقص طرباً، هذا الذي يسميه المعروف!!
 برجاء وبصوت هامس، قلت له وأنا أعطس عطسه خفيفة: حدثني عن الجمال والقيمة؟ ثم أردفت، فأنا لي رغبة لا تقهر لمعرفة حكمتك في كيفية الحكم عليهما؟!

 هناك علاقة وطيدة، ثابتة ومتبادلة بين خالق منتج وآخر متلق؛ بمعنى، أن خالق الجمال يحتاج إلى خالق آخر يؤثر فيه، ومن ثم يظهر هذا الآخر تأثيره بشكل يكون هو في هذا الموقف، كخالق جديد يدعم الخلق الذي أنتجه الخالق الأول. فقيمة الخلق الثاني تساوي وتوازي تماماً قيمة الخلق الأول، وهذا كله يكون نتيجة تأثير العقل وفراسته وذكائه على عمل الإنسان.

هممت بسؤاله... فقاطعني بنباهة، بعد أن شعر بما يجول في خاطري وقال مستأنفاً، شارحاً، متماسكاً، عليماً ما في النفوس وما تفكر به العقول:

تريد أن تسألني عن الإنسان كإرادة، كمخلوق خلق بأحسن صورة، ومع ذلك نرى فيه الشرور والنفاق والحسد والكره والأجرام... أليس كذلك؟! ثم رن صوته في أرجاء الغرفة، وكأنه في واد:
عليك أن تبدأ بذاكرتك، وأن تعمل لا للعمل ذاته، فمن يعمل للعمل ذاته... تأكد بأنه عاطل عن العمل!! وهكذا شخص يكون ذهنه مشتتا، وكأنه شعب من التناقضات؛ كذلك لا تردد فقط ما يقوله العظماء، بل قل ما تراه أنت، وتذكر صعوبة النجاح وقسوة الارتقاء، وفي نفس الوقت أن لا تنس سهولة وسرعة الانحدار... وأن لا تبيع بضاعتك إلا لمن يرغب في شرائها، لأنك إذا فعلت عكس ذلك، تكون كالشحاذ الذي يستجدي المشاعر قبل المال!! ثم باغتني مجيباً، مكملاً حديثة بقوله:

لا تجعلوا الجمال مرادفاً للترف. فالحطب يضيء عندما يشتعل، لكنه يأتي على كل شيء، وأول ما يبدأ به، هو حرق نفسه!! إذن ابتعدوا عن الترف والتبذير والإسراف، وأن لا تخزنوا الذهب والفضة، فأن وزنهما ثقيل، ووزرهما أثقل وحسابكم عند الله أشد وأعسر!!
لا تجعلوا أرواحكم من ثلج ولا من نار، بل من خليط الحب والأفكار.

أمنعوا عواطفكم الطيبة أن تقرر لكم، فهي لا تنفع للتقرير وحسم المصير!!
إياكم وتقليد الأمراء في استهتارهم، فهم أن مشوا سحقوا، وإن قاموا كفروا... وهم لا يعوون ولا نراهم يندمون.

همست أخاطب نفسي مبهوراً، وأنا أرتجف محموماً، كلهب الشمعة: سبحان الله، له أسلوب جذاب في الحديث، يسحر ووصفه دقيق يبهر، كلماته قوية، لكنها عذبة الوقع على السامع، تأسر القلب والعين تدمع، يترجم مشاعر الإنسان وأحاسيسه بلغة فلسفية راقية، ذات بعد إنساني عميق، تتجلى قدرته فيها وهو يسمو في رحاب عالية، محلقة في فضاء غير مرئي، كهالة من الضباب، فيجعلك تشعر بها وتحسها، وكأنها تعبر عن ألمك الخاص، يا لها من قدرة فذة في تحليل وتفسير خلجات النفس الإنسانية وما تضمره وما تخفي من أسرار... قلما وجدت أو قرأت هذا في شخص آخر، مهما كانت مكانته الدينية أو الأدبية أو الفلسفية. ثم بتخاذل حقيقي، مفضوح، معبراً عن حسرة متورمة، قلت بصوت مسموع، متنهداً:

للأسف، انتظارنا حدث يحتضر، وزمننا لا يسعى إلا إلى الجري، والصبر في عرفنا الحاضر، همس لا يسمع له صوت! كلماتنا باتت ليست من صنعنا، والمتكلم أصبح لا يسمع إلا صوته، اختلفنا وآراؤنا تعددت وتشابكت وأصبحت أكثر تعقداً من إيجاد الحلول لها!
علا صوته في المكان مجلجلاً، فجأة: ما هذا الذي تقوله؟ أنكم تعذبونني بأعمالكم المشينة هذه... ثم أدرك:

أنا أستغرب حقاً من تصرفات البعض، فأراهم ما أن يتعلموا مبادئ الكتابة، حتى يكتبوا عن ذات الله ورسله وأنبيائه!! إنه جهل وليس معرفة، كفر وجرم وليس تنوير أو تحرر... وهذا لا نرضها نحن الموحدين(وبعد وقفة صمت قاتم، شعرت بأنه تألم لاستدراكي كثيراً) وتابع بصوت منخفض وبرنة حزن:

عليكم إذن بتربية إرادتكم أولاً، وأن تتعمقوا بقراءة كنزكم الثمين، كتابكم العظيم.
أن لا تنشدوا الحقيقة المجردة وأنتم تغوصون حيث الأعماق وتشدون في رقابكم أحجاراً، كما أن الفرد منكم يجب أن تحسب وتعد ممتلكاته على قدر الجهد المبذول، فكلما كان الجهد كبيراً ومبدعاً وخلاقاً، كانت ممتلكاته كثيرة وأرزاقه وفيرة، ثم ردد محذراً:

احذروا في تعاملكم مع الحب، فأحياناً يولد للحب بنت تدعى كراهية!!

وأن لا تهابوا الموت، بل الحياة، تلك التي فيها تعملون وتبدعون وفيها الخطايا ترتكبون!! وأن لا تكونوا كالأصداف الفارغة، تلك التي لا تأوي في داخلها سوى الرمل!!

سحقتني كلماته، والحكمة التي ينطق بها، فقلت وأنا أداري جهلي: بماذا تنصحنا إذن؟
 جاء صوته هادراً، كالصوت التي تطلقه الموجة المتذمرة، الحانقة:

لا تهربوا من الحقيقة إلى جهة الظلام.

لا تنظروا إلى الجانب القريب من الأشياء دون البعيد منها.

لا تنتزعوا من الحياة قيمتها، وذلك بتذكركم الموت فيها!

لا تتسلحوا بأسلحة الحيلة، فتلك الأسلحة صدئة، مكشوفة، عارية وتخجل منها الأخلاق!
لا تتنصلوا من التبعة وأنتم تحت نير المضطهدين.

لا تكونوا مستبدين، مستلبين، متسلطين... فأنا لا أحب الوصوليين والمتكبرين الطغاة، وما هم إلا فارغون هواة، وبجهلهم لا يعلمون وبالباطل ينطقون وهم في الحقيقة خرس لا يفقهون.

أن لا تقولوا بأن المرء فيكم حر حتى وهو في قيده... فذاك كفراً لا يقبله المصلحون. ثم ختم كلامه قائلاً:

المتمرد غير الثائر، فالمتمرد يحتج وفي نفسه منفعة، بينما يثور الثائر وهو يطالب بالتغيير، ساعياً لمصلحة عامة عليا، فلا تكونوا إلا ثائرين، لا متمردين... أنقذكم الله من إغواء النفس والشيطان.

 أجبته سائلاً متشنجاً من جديد، وكأن أسئلتي لا تقبل إلا التحديد: ماذا عن الدجل؟ وكيف نتعامل مع الدجالين والمحتالين؟ فهم، كالسحرة... مرة بالدين مؤمن، وأخرى في السياسة مدمن!!

 رد بسلاسة وذوق سليم معافى بالحيوية والحكمة، وشعرت بأن في طوية نفسه اغتباطا، وصدق حدسيا، فابتسم عن ثغر بديع الجمال ونوه: أراك تسألني بكلمات منتقاة بحذر، لها جمالية ووقع على الروح، كما تطيب النفس بشم العطر(فابتسمت مطمئناً لإطرائه) ثم أردف بجد بعد أن حزم أمره في الرد:

لا تمسكوا العصا إلا من طرفها، فالدجال هو الوحيد الذي يسعى إلى وسطها... لأنه يحب الدنيا وعيناه على الآخرة يرقبها!! كمن يريد صداقة الصديق والعدو في آنٍ واحد، وهذا خلق غير أخلاقي، ولكن هذه هي فلسفة الدجال المبنية على أساس واحد فقط، إنه يعلم، لكنه لا يريد!! وقراره لا يحزم أمره، وهو يردد دون حياء، أن ما أفعله... إلا من أجل الله والآخرين!! وفي هذا مواربة وغش وحيلة ومهادنة غشيمة، يجب أن لا تنطلي عليكم، وهم يفعلون كل ذلك بضمير مرتاح، ونفس مطمئنة، وروح مستقرة، ويتبجحون بنبل عواطفهم، ورقة مشاعرهم، وحرقة دموعهم، وبكائهم ونحيبهم وهم لا يستحقون؛ وأنا لا أمقت في حياتي أكثر من هؤلاء، لأنهم بلاء، دون نصح أو أراء أو حالة بناء. أبعدهم الله عن حسناته وجناته.
 لي سؤال نقله لي صديق وفي جداً ومخلص، يقول: لماذا لا أنجب؟ لماذا لا يكون الحكم الإلهي عادلاً أحياناً؟ لماذا يسعد المجرمون والسارقون والمتحذلقون بأوقاتهم، ونحن نقاسى ونتألم، رغم إننا نحيا ونحن مؤمنون وللوصايا العشرة مفقهون ومقتنعون؟

 إنها حكمة الله التي لا مفر منها ولا اعتراض، ولكن أشعر بأن صديقك الوفي هذا، له قلب أبيض من لون الحليب، يتمناه الكثيرون، وهذه هبة لا يعطيها الله إلا إلى الأنبياء والأتقياء والصالحين... إذن قل له، ليفرح بذلك ويغتبط وأن لا يحزن، فهؤلاء الذين ذكرهم هم الذين يحزنون وهم لصفاء قلبه، لحاسدون. ثم عدل من وقفته، وسرح شعر لحيته بيده، وأشار لي سائلاً: أحب أن أعرف المزيد عن أبناء جلدتي، هلا حدثتني عنهم قليلاً؟

هذا ما كنت أخاف منه!! فالحديث سيجعله يتألم، وقد جربت في المرة الأولى أن أذكر له جزءاً يسيراً عما نعانيه، لكنني ندمت بعد ذلك كثيراً وشعرت بأنني قد قسوت عليه... ترى ماذا أقول؟! ثم أزعمت الأمر بيني وبين نفسي هامساً، وكأنني أسرها:

سأحدثه عن وضعنا الحالي بشكل عام، وسأترك التفاصيل والجزئيات... وارتحت لهذا الحل، ورفعت رأسي نحوه( وهو يتابع حركاتي وسرحاني مع ذاتي، ويتأملني بدقة متناهية، وكأنه يرسمني) وقلت بعد أن حزمت أمري مرغماً، بهدوء يشوبه الحذر:

حياتنا في ظل المندائية أصبحت للأسف مرة المذاق في أحيان كثيرة، ولأسباب عديدة، منها جوهرية، ومنها بلا هوية!! ثم أجبته تهرباً من الاسترسال، سائلاً: ترى لماذا هذا الذي يحصل لنا؟!

 أيمكن لهم أن يعتقدوا بأن الكون خلق من أجلهم فقط؟! وفي هذا مفارقة كبيرة إن صح قولي، وإيماء بعيد عن الفطنة والذكاء، وربما بسبب الغرور، فالغرور نوع من أنواع الجهل، وصورة للتخلف المغلف، لأن الجاهل يعتقد بأن له شأن كبير، خارق، كشأن الله أو أحد ملائكته!! وهذا كفر وإشراك بالله لا نقبله نحن الموحدين، ثم أكمل حديثه:

وعندما يشتد مرض الغرور عند هؤلاء، يشعرون بأنهم يحومون فوق التاريخ، وهذا أيضاً لا يجوز، فالمرء منا جزء منخرط في التاريخ، ولا شيء غير ذلك؛ ثم أستغفر ربه متألماً، متحسراً ونادي:

ما هذه الثقافة الهزيلة التي يتمتع بها البعض؟ وسألني مستفسراً، كأنني أعرف الجواب! ترى من هو معلمهم؟! ومن هو الذي أشار لهم بتلك الحكمة الغريبة على أخلاقنا وناموسنا؟! ثم نوه بقسوة، ترى ماذا يفعلون رجال الدين حيال تلك الدعاوى؟ هل لهم دور تنويري، تثقيفي، تعبوي وتعليمي إزاء هكذا مشاكل جوهرية لا يفرح بها سوى الشيطان؟! وتابع بعد وقفه، هل هناك صفوف أو مدارس أو ندوات تقام، كي يحاولون تصيح المسار؟ ويبثون فيها الوعي الديني القويم الذي جئنا به؟! عندها خفض بصره نحو الأرض مخذولاً، مقهوراً وصاح لأول مرة من أعماقه:

حاربت من أجل هذا الدين، وسأدفع حياتي- وأنا أعلم بذلك – لأجله ولأجل إعلاء كلمة الحق، وليكون أبنائي من بعدي على فهم ووعي قويم... أسألهم أنا من هنا، ترى لماذا يفعلون كل ذلك؟ ولمصلحة من؟ فحريتكم مرتبطة بحرية الآخرين، وإن خاطبتم أحداً، فخاطبوا الضمير؛ ابتعدوا عن تملق عواطف الناس، وأن لا تصرخون يوماً بأنكم من العقلاء، ففي كل إنسان منا قسطاً من الجنون، وإلا ماذا نسمي الغضب؟ أليس هو نوعاً من حالات الجنون؟! لا تكونوا متناقضين، متقاطعين مع أنفسكم، لأنكم بذلك ستقعون في اضطراب يجعلكم غير قادرين على العطاء بصدق، فالصدق مع النفس أولاً ومن ثم مع الآخرين، وهذا أرفع مراتب الإيمان في ديننا الصابئي، كن صادقاً تكون طاهراً وتقياً؛ وعقد الديانة الصابئية يتكون من حبات متساوية، فلتكونوا أنتم أيضاً بحدود حرية متساوية ولكل الأفراد، لأنكم من قالب واحد ومن مادة واحدة، وأن تقوموا بتحقيق الذات من خلال التعاون والاتحاد وبتكاتف كل السواعد دون فرق أو تمييز. ثم حدق فيّ بعين ذات بريق خاطف، كوهج مشعل، وأردف:

عندما تنوون قول رأيكم، فليكن صادراً من أعمق أعماقكم، لأن العدل المحض لذاته، كلمة غامضة، وقد يقارن أحياناً بالظلم لو فهمناه دون تفعيل أو موقف خاص نتخذه؛ ثم سألني مباغتاً وهو يعلم بأنه لا يحتاج أو ينتظر مني جواباً:
ترى لو هادنت الملك هيرود في فساده... هل يمكن لي أن أصبح أو أكون رمزاً خالداً لكم؟! فالخلود إذن إزاء موقف حاسم لابد لنا أن نواجهه يكون ثمنه غالياً، كحياتنا، لابد من دفعة كي نستحق الكرامة ومن ثم الخلود... ولن أزيد قولا، سوى، اتقوا الله فيما تفعلون، وأنا يحيى أبن زكريا كما تعلمون.

 حدثني عن الفن والإنسان... وكيف نحيا أو نكون بأحسن حال؟! (قلت له ذلك، محاولاً تغيير الموضوع الذي شعرت بأنه أجهده وضايقه)

اقترب مني قليلاً، فشعرت بأني أغوص في هالة من الضباب بسبب الضياء الصادر، المتوهج منه، وهمس بعذوبة قائلاً: الفجر على الأبواب، سأحدثك عن الفن والتاريخ والإنسان، وأنقل كلماتي لأبناء جلدتي بأمان، عندها سأغادرك وأنا مرتاح النفس، مطمئن ولا أشعر بعدها بعذاب أو حزن أو سلوان، واستدرك:

الفن الخالص لذاته، والذي لا يحاكي إلا نفسه، والفن الفارغ، شيئاً واحد، لأن الفن يجب أن يكون نقيض الحياة، أن يعريها ومن ثم يبحث عن كيفية تغيرها، لا أن يركن إلى متعة ولغو الفن للفن ذاته، كالشعر الذي يعني أسطورة، في حين يكون النثر صورة، والشاعر هنا ليس بصامت ولا بمتحدث، في حين يكون الناثر عاملاً أبداً، موجهاً دائماً ويطمح نحو التغيير في كل فكرة يجسدها من خلال الكتابة النثرية. ثم سرح قليلاً في فضاء وخيال ليس لي علم بحدوده- قربه أو بعده - واستطرد بعد لحظة التأمل تلك قائلاً:

عمل الفنان يجب أن يكون من صنعه، من ذاته، عندها سيشعر بأنه خالقه ومصدره، عكس الصانع الذي يأتي به ضمن قياسات معدة له سابقاً، عندها سيشعر بأنها غريبة عليه... والمخلوق له مواصفات الخالق وعلى قدر، والأقدار تختلف وهذه هي مشيئة الله سبحانه، فلا حكم عليه أو قضاء؛ كما المتكلم الذي لا يسمع إلا صوته، في حين يختلف ذلك عند المتلقي، فالمتلقي هو الذي يجد ما هو جديد فيما يسمعه، وهو الذي يعطي صفة الوجود للكلمة التي يسمعها، وعليه فجهد المتلقي يعادل جهد الذي يلقي... وهذا عكس طبع الذي يلقي، فهو لا يجد ما هو جديد فيما يلقيه أو يتليه... وهذه إحدى سمات الخالق وأقصد هنا طبعاً، الفنان. وكلما ارتقى الإنسان في سموه، كلما وصل إلى مرتبة الفنان، وكلما صبر الفنان على عمله، كلما أتقنه وأوصله إلى درجة العبقرية، التي لا تأتي إلا في حلقة الانجاز بعد أن يتجلى وعيهم في حدود عصرهم الذي يحيون فيه، فالتاريخ عبرة، والحاضر تجربة، والمستقبل هو الانجاز؛ ولكن بشرط أن يعي الأخير بأن لا حياد في الحياة، ولا حياد في الفن، والأبيض هو لون الكفن، والأسود لون العزاء والدفن، وعليهم أن لا يتخذون الحياد نهجاً لهم، وأن يختاروا الحق طريقاً، وإلا ستكون روح الشيطان ذاتهم، وشكله وجههم وأخلاقه طبعهم!! وأن لا يتملقوا عواطف المتلقين حين يتحدثوا، ولا يستملون أهوائهم عندما يقصدون، وإن خاطبوا أحدهم أن لا يفكروا في استعباده، وأن يقولوا ما يريدون، ويتركون له حرية الاعتقاد وحق القرار؛ وأن لا يقولوا لأنفسهم بأنهم مبدعون، لأنهم إذا قالوا ذلك، فأنهم قد فشلوا بشكل بارع!! وأن لا يحكموا على أعمالهم بأنفسهم، فأن فعلوا، يكونوا كالقضاة الذين يحكمون على قانون كتبوه بأنفسهم!! وعليهم أن يتذكروا دائماً، بأن هناك من هو أذكى، وأتقى، وأعلم منهم، وأن لا يجعلوا أنفسهم مثالاً وأن لا يتحدثوا عن أعمالهم، لأنهم يعرفونها، والفنان المبدع هو من يرى أعماله أقل إبداعاً مما هي عليه، وأن يقبل الحكم عليها بعيون الآخرين، وأن لا يقولوا يوماً أنا، فالأنا عيب إن عبرت عن ذاتها، فلا تقبلوا العيب على أنفسكم، والصمت هنا أرحم وأكرم، لأن الصمت في هذه الحالة صلاة المؤمن، طقس في معبد، وأن يتكلموا متى ما شعروا بأن كلماتهم حادة، كنصل السيف، قاطعة، كالفأس، وثقيلة، كالحجر... عندها يأتون بالمعنى والدلالة، وهنا لا خوف عليهم ولا يحزنون. ثم عدل من هندامه، وهم مودعاً وهو يقول:

لا تتكهنوا في دينكم، فالتكهن يأتي بالصراع ويؤدي إلى الضياع.

لا تظلموا، كي لا يظلمكم الآخرون.

أعطوا تأخذوا، أومنوا تؤمنوا.

اطلبوا الخير، تجدوه.

أجحفوا، تكرهوا.

لا تفكروا في الموت كثيراً، كي لا تجدوه أمامكم.

اعتقدوا بالحياة، ستكون لكم في كل طلعة شمس ولحظة غروب، باسمة، مفعمة بالفرح والأمل.

السعادة، هي قمة هرم الحياة، كافحوا تصلوا، وتذكروا دائماً بأن النبوغ هو التجاوز على حدود الذات في الإنتاج والانجاز، وكلما تخطيتم وابتعدتم عن تلك الحدود، كلما اقتربتم من العبقرية.
احرصوا على أولادكم، فهم امتدادكم، وبهم يبقى الدين ويدوم إلى ما شاء الله له أن يحيا ويكون.

الإلهام، لغة عنوانها الصمت، وأسلوبها التأمل، وعملها الاكتشاف بصبر وروية دون تذمر.
وإذا أردتم أن تكونوا ذوي شأن، فابحثوا في ملكات أنفسكم أولاً، وابدؤوا بها، فهي الغاية، والغايات تأتي بالمعجزات، والجمال دون قيمة ذاتية لا يسمى جمالاً، بل جماداً، والعمل، كالجمال لابد من اقترانه بغاية، وإلا كان العمل عاطلاً... وأنا لا أحب العاطلين؛ ثم أردف جملته الفذة التي تعبر عن مدى سموه، ورفعته، وحبه الكبير في المساواة بين الرجل والمرأة:
الأهم أنْ لا تجعلوا مجتمعكم ذكورياً، وكأن المرأة فيه حصة من الميراث!! وميدان الجهل واسع... وأنا لا أحب الجهلة المعتدين.

ثم شعرت بأن الصبح بدأ يتنفس، ويوحنا يبتعد رويداً، وبخطى خفيفة، غير واضحة، كالظل بلا معالم، بلا صوت... في حين ظل صوته الوحيد هو الذي يرن في الغرفة بهمس خافت، كالصدى ويخفق مردداً:

حتى وأن أصبح هذا اللقاء ذكرى، فالذكرى باقية، بقاء الروح في الجسد. ثم اختفى كما أتى. وصدى كلماته الأخيرة ترن في أذني وفي الغرفة... الذكرى باقية، بقاء الروح في الجسد!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى