السبت ٢٣ شباط (فبراير) ٢٠١٣
الاحتفاء بتجربة
بقلم أحمد بلحاج آية وارهام

الشاعرة نجاة الزباير

صدر ضمن منشورات أفروديت كتاب «كطعم العذارى..دراسات نقدية في شعر الشاعرة المغربية نجاة الزباير» للدكتور أحمد بلحاج آية وارهام، عن مطبعة وليلي في طبعته الأولى 2012، في إخراج فني آسر.

ومما جاء في التقديم «إن المتخيل الشعري هو الذي جذبنا إلى أرض الشاعرة المغربية نجاة الزباير لنستقرئها، ونسبر سرَّ أسرارها، وخفي مهجوساتها ومحلوماتها». فكانت هذه الدراسات التي ارتضت لنفسها أن توجه بوصلتها إلى ثلاثة أقاليم أساسية في شعر الشاعرة، باعتبارها العمق الأكنز، والجوهر الأنفس في متنها الشعري كله، وهذه الأقاليم هي:

أ ـ الوجود في حضارة المعنى

ب ـ مسكن الهويات

ج ـ زمن مضاد للزمن

ففي الأول تستعير الشاعرة برهافة مختلف أطياف الفنون التعبيرية لبناء قصيدة تتحرك بقوتها الجمالية في تضاريس الوجود، فتثير الأغوار بغليانها الروحي الصافي الذي لا يفضي إلا إلى النور كرمز أقدس للحرية والمحبة. فالوجود الآن يعيش الحضارة بالروح الهتْليرية، والشاعرة تريده أن يعيشها بروح الإنسانية، وهذا هو مكمن أرقها الشعري الحادِّ. وللإنسان المتلقي أن يختار بين هذين الاتجاهين لتحديد مستقبله، وتحديد طريقة الخروج من المشكلات التي تنخر دواخله؛ وفي مقدمتها مشكلة الهوية الأونطولوجية، والهوية الثقافية، والهوية الحضارية.

وكل انصراف عن هذا التعرف لن يؤدي إلا إلى انبهام الوجود، وضياع الموجود فيه بسبب جهله طرق السباحة في نهر الزمن، ومن ثمة يتلاشى جوهر المعنى وحضارته، وتذبل روح الجمال التي تسعى إلى حل كل دقيقة من دقائق الحياة. وإذا مات ذوق الجمال في الكائن مات الوجود، فالجمال هو وجهه، ووجه موقعه في العالم.

وفي الثاني تقوم برحلة طليقة للخيال بقدميْ لغة ماكرة رشيقة، وجناحيْ معرفة عُليا بدواخل الكون، تواكب الزمن وتخاتله في الأسلوب والموضوع والمعنى، لاكتشاف ما يقع وراء الذات والوجود. فالحدس الشعري لديها يُعيدنا إلى المعرفة الروحية، باعتبارها إطارا للواقع فوق الطبيعي، فأنت تلمس في مدونتها الشعرية تلك النزعة الأونطلوجية التي تفتح مجالا مهتما بإنشاء فُسح لضروب الحقيقة، وبـ"تأسيس الوجود بالكلمات"؛ على حد تعبير مارثن هايدجر؛ وهي في كل ذلك تحاول أن تسبق المفكر على طريق الوجود، إذ بتسميتها للخفي في الوجود تقترب من الكائن وهوياته أكثر مما يقترب منه المفكر، ففي إشاراتها وترميزاتها نعثر على آثار الكائن المنسي.

ويعني هذا أن شعرها لا يُفكر، ولا يقول ما يمكننا استخراجه منه، ولكنه مع ذلك يُغمغم بشيء ما يُخلف صداه في الذاكرة ، لأن مراده ليس إشاعة المعنى، وإنما الدفع باستحالة عودة المعنى مظفرا، وتفجير الحدس الساطع للمطلق قصد بناء حقيقة الكائن. فهو إذن شعر ينطبق مع الحقيقة العظمى للكائن الذي بنى حقيقته انطباقا لا يُستشف إلا من خلال اللافكر، ومن خلال الإصغاء إليه بما هو "عالم يتكلم فينا، عالم يُكلمنا مباشرة باللغة وفيها" لنجترح معنانا الخاص، والمعنى لا يكون كذلك إلا إذا أصر على الاقتراح واستمر فيه ـ كما يرى جيلْ دولوزْ ـ. وبهذا يحقق أعلى تمظهرات الهوية، لكن الهوية هويات، وكل هوية لها مسكنها اللغوي الذي تتمرأى فيه وتتبدى كما النجوم في الماء، والنور في العطر.

أما في الثالث فإن الشاعرة تدور بنا حول زمنها الشعري المضاد للزمن، وما الزمن؟ إنه ببساطة نهر يعبر العالم منذ الأزل، ولكنه نهر صامت ننساه أحيانا، وننسى أنه نسغ الحياة الذي لا يُقدر بثمن.

وانطلاقا من هذا تحضُّنَا الشاعرة على الكف عن الثرثرة الفاحشة، وعلى الاستماع إلى الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب، فالشاعرة نجاة تبدع زمنها المضاد هنا، وكأننا داخل عقلها الذي هو (عقل على نار) من أجل جرنا إلى منطقة التحري عن كيفية " الكينونة ـ في ـ المعنى "مقابل الكينونة ـ في ـ العالم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى