السبت ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم محمد دلة

من يشتري الشمس

حانة قديمة تتسلل بين أزقة المدينة،ومنذ ثلاثين سنة حزمت حقائبها،وما زالت تنتظر ان تستفيء ظل مكان اخر،وها هي ترقب كل شيء ولا تبوح ، الصور التي التصقت بالحائط ما زالت تغرز أدرانها في صمته،الطاولات نسفها تتثاءب السوس والقلق البني ،وانحنى ظهر المقاعد ولم تهجر عربدة الظل الغائم بالطيف والدمع والشبق والانكسار،والرجل ذو العين الواحدة كمثلث الرؤيا يعلق اللافتة فوق مقعده بنزق

"من يشتري الشمس"

اللوحة تحدق في المتفيئين سخريتها وضحالتها وعجمتها وغربتها،اللوحة تمتص النور الخافت الجاري من سعال المصابيح الكسلى،وتسكبه في عريها رقعاً من أول عبث الوقت
اللوحة تغمز وتلمز وتشتم وتبصق وتلعن وتبتسم وتضحك وتقهقه وتكتب وتختزن وتسجل،ذاكرة متحفزة لعري المكان
واحدا يدخلان ،شجرة لا تتمايز أغصانها،وتغيب ثمارها في شبق الجذور
عناصرهما دائبة التفتح كأكمام الإشتهاء

تتبرج بهما الحانة

يضحكان فيتدلى الرنين والموسيقي عناقد من زعتر ومسك

تتراقص المقاعد والكؤوس والأقداح

وتمتليء بالحزن الأشيب وبكائنات الخمر

تنحني إليه تاركة صدرها يصعد ويهبط فوق كتفيه كنشوة البرتقال هامسة في أذنيه ببحة جدول مغناج

"الم تعدني بأن تهديني شمعة صغيرة،ابلل بأمطارها عرية جسمي؟"
وينطلق من مقعده مفاجئا كفورة البرق،ويشبك بيديه يديها كعليقة حلم ،وينتصب رمحا أمام الشيخ المتكور في كرسيه كحلزونة المساء
انا اشتري الشمس .

احتضنت يداه كأسه المطفأة،وارتعشتا شاحبتين بتقاطيع التجربة ومدهما كدلو تتثاءب الصحراء فيه،وأشار بكأسه المفرغة الى غواية الانية وراء الزجاج

املأ كاسي

أسرع الفتى الى النادل ،وطلب منه ان يسقيه

اعتدل الشيخ ونفث نفثيتين من سجارته الصفراء

كم تدفع يا بني مقابل الشمس؟ وان شئت أبيعك البحر أيضا
كل ما املك

ومسرعا وكأنه احتضن شبابه ،اخرج من جيبه كوشانا من ورق البردى وناوله للشاب وما كاد الشاب يمد يديه لجيبه حتى غضب الشيخ صائحا "الشمس تهدى ولا ....."

صفقت الأقداح ،فردت جناحيها عصافير الجدار

صعد الشاب طاولة الخمر،ومزق الكوشان طولا وعرضا ،وظل يمزقه حتى استحال أشلاءً صغيرة وتناول عود ثقاب وأشعل الأشلاء

الحبيبة جمعت الرماد وسكبته في الأقداح

لنشرب نخب شمسي الحرة.

وما هي إلا لحظات حتى فرغ مقعد الشيخ متهدلا بالخضرة والنهر

بائع الحكمة

أوى الى رصيف مهمل من زوايا المدينة،يداه ترتعشان،وتمتدان في الأصفر شمسا ميتة،عيناه تشعان سحرهما بخبث وعمق،وافترش عربدة الأرض،وأقام ميزانه

أبيع العدل،أزن الكون بالقسطاط

أبيع الحكمة

هممت ان أؤنس كساده،واشتري قليلا من الحكمة ارتق بها ملابس أيامي الداخلية ،ولكن زحام المارة حول بضاعته منعني من فرصة الوصول
يا لعاثر حظي نفقت بضاعته

يبيع الحكمة ومن قلبه يدفع الثمن

ومنذئذ وأنا ادلف كل يوم الى رصيفه ،فلا أجده وتزداد أيامي عريا ومرضا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى