الخميس ١٤ آذار (مارس) ٢٠١٣
الذاكرة المثقوبة:
بقلم مهند النابلسي

البطة البحرية ونصف مليون عربي!

حاولت بعض الدول الغربية منذ أكثر من عقدين استخدام الصحراء الكبرى بشمال افريقيا لدفن مخلفاتها المشعة وتم القضاء على هذه الفكرة في مهدها بفعل اعتراض الدول المحيطة بهذه الصحراء، علما بأنه يوجد في امريكا تشريع خاص بسياسة التخلص من النفايات النووية صدر العام 1982.

وبالرغم من انه لا يوجد اكثر من نوعين من النفايات النووية، الأول ناتج عن استخدام خام اليورانيوم والثاني عبارة عن النفايات التي تنتج من تشغيل المفاعلات في المحطات النووية، الا ان حرب الخليج الاولى قد كشفت عن وجود نوع ثالث ناتج عن اطلاق آلآف الطلقات المحشوة بما يسمى اليورانيوم المنضب، وهذا ما كشفه تقرير بريطاني سري، وقد جعلت من المحتمل وجود مناطق ملوثة بكميات هائلة من غبار اليورانيوم، وثبت ان هذه الكميات الهائلة في العراق قد تسببت في أكثر من نصف مليون حالة وفاة، وحالات لا يمكن حصرها من الأمراض السرطانية وتشوه المواليد!

نستنتج مما سبق ان حياة بطة بحرية ميتة ظهرت في مياه الخليج أهم بكثير من حياة نصف مليون عربي بائس، وأنهم استخدموا هذه القذائف بالرغم من معرفتهم المسبقة بخطرها الكيماوي والاشعاعي على السكان المدنيين والنساء الحوامل، وذلك ببساطة لأنهم أرادوا انهاء الحرب بوحشية فائقة وبسرعة قياسية تجنبا لأية خشائر بشرية من طرفهم، لأن الشخص الواحد من جنودهم يساوي احصائيا نصف مليون عراقي! كما أنهم حذروا العراق كثيرا من مغبة استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والاشعاعية، وبالمقابل فقد استخدموا هم هذه الأسلحة بما فيها القنابل الفراغية وقنابل الغاز وقذائف اليورانيوم، ولكنهم تمتعوا حقا بالرحمة وتجنبوا استخدام القنابل الكيماوية، وفضلوا دفن آلآف الجنود العرب أحياء في مكامنهم بالصحراء،وذلك باستخدام مئات الجرافات! وأنا استغرب حقا كيف نطالب كعرب وجامعة عربية ومجلس حقوق الانسان احالة هذا الزعيم العربي او ذاك لمحاكمات دولية، وننسى اجرام أمريكا والناتو واسرائيل بحق مشات آلآف المواطنين العرب الأبرياء في العراق وفلسطين وليبيا...لماذا ننسى اجرامهم ونتسامح معهم وننشغل بممارسات الحقد والاجرام والضغائن ضد بعضنا البعض وبلا هوادة؟ ولماذا دفعت اسرائيل بأسره العالم لتعويضها عن ممارسات النازية بحق اليهود؟ وما زلنا نقرأ ونسمع ونشاهد عشرات الأفلام المفبركة حول قصص المحرقة وويلاتها المزعومة، وبالمقابل لم نسمع مطالبات جدية لتعويض الفلسطينيين والعراقيين ( وربما الليبيين أيضا) مقابل الاجرام والقتل والتشويه والاعتقال والتعذيب الذي مورس بحقهم! ونجد محطات الاعلام المشيوهة تركز بجلاء على اجرام وممارسات الأنظمة العربية وحالات الانتقام والمجازر اليومية المتبادلة...وكأنهم يقولون لنا مجازا انتم تقتلون بعضكم على أي حال طمعا بالسلطان وكراسي الحكم، وبحجة التخلص من الاستبداد ورغبة بتنفيس احتقانات "كيدية" وطائفية ودينية دموية ( قروسطية )...هكذا أعطت تداعيات الربيع العربي البائس والدموي "حجة دامغة" لكي يتنصل الغرب من مسؤولياته الانسانية ومن كافة ممارساته الاستعمارية والاجرامية، وسمعنا لأول مرة خطباء مساجد يجدون العذر لممارسات ومجازر اسرائيل بحق الفلسطينيين بحجة أن ممارسات الأنظمة العربية قد تفوقت عليها!! لماذا لم نسمع مطالبات رسمية عربية لتنظيف ساحات المعارك من اليورانيوم المنضب وتأثيراته المتزايدة التي ما زالت تشوه المواليد وتتسبب بالسرطان؟! ولماذا لم نسمع عن مطالبات وتعويضات لآلآف الضحايا وذويهم؟ يمكن باختصار وصف الحالة العربية الراهنة بالحالة السريالية اذا ما تأملنا خطاب مرتكب مجزرة قانا شمعون بيريز الذي بقترح وقف المجازر في سوريا، ومشهد تدفق الآف المجاهدين العرب والاسلاميين للقتال في سوريا، فيما لم يفكر أحدا منهم بالذهاب لفلسطين!

ان "النفط والغاز واسرائيل "هو اغلى ما يملكون في الأرض العربية وما يسمونه " الشرق الوسط "، وانهم ربما يفضلون أراضي غنية بالنفط والغاز وبلا سكان، كما برر شامير كاذبا اسباب الاستيلاء على ارض فلسطين، وكما ادعت "جولدامئير" بأنه لا يوجد أصلا شعب فلسطيني في فلسطين! وربما أعطاهم الربيع العربي (الفوضوي- الدموي) حججا جديدة دامغة لكي يبرروا كافة ممارساتهم الاجرامية السابقة والحالية وربما القادمة...دعونا فقط نتشدق بانجازات الغرب الحضارية في مجال "حماية البيئة "، وبخاصة ان كانت هذه البيئة تخص العرب والمسلمين!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى