السبت ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٦
قصة قصيرة
بقلم لبنى محمود ياسين

صمت مواطن...

يبتلعه المساء... فيوغل في أحشاء الصمت ... ومن ذا الذي يستطيع فرارا إذا عسعس الألم داخل النفس ... و توغلت الأحزان في حنايا الفؤاد ...يتآكل قلبه ...تتساقط أشلاؤه... يتمزق صوته على حدود الزمان و لا من مجيب ...تقوم جاهلية القرن الحادي و العشرين بوأد مشاعره و كرامته...بينما يتجمد القوم متفرجين على طقوس صلب بقايا إنسانيته.

أبعد هذا الموت موت آخر؟؟

أين الملاذ؟؟يريد أن يفتح جناحيه و يهرب من ظمئه .. و من حدود مشاعره ..من عري أوجاعه ...يريد أن يحلق حيث لا أحد... لا أحد أبدا.

ووسط كل تلك البعثرة التي تنتابه ... لم يشعر بنفسه إلا و قضيب من النار الملتهبة يندفع من جوفه ...فإذا به يفتح فاه حد التمزق و يصرخ ملء صوته متقيئاً بكلمة واحدة : لا ...

و ما كاد يغلق فمه و يبتلع الفضاء صوته ...حتى وجد نفسه محاطا بآلاف المسلحين ..ببدلاتهم العسكرية و ملامحهم الجافة جفاف الصحارى ... ترافقهم في هذا الحصار الكلاب البوليسية الضخمة ... تمهيدا لاقتياده إلى (هناك).

وضعوا على عينيه منديلا احكموه جيدا لكي لا يرى ... و ُقيد معصماه... واُلصق شريط عريض فوق فمه ... و مضوا به إلى (هناك).
و (هناك) قام أحدهم بنزع القيود التي كانت على حواسه ... فتح عينيه ليجد نفسه في مكتب فاخر يشغله ضابط ... تتشاجر الشرائط على كتفه لتجد مكانا كافيا لها... و هنالك من هو مثله انتزعت قيوده قبل صاحبنا بدقائق فقط ...

قام أحدهم بطلي إبهامه بسائل قاتم لزج ثم نزع يده و الصقها على ورقة بيضاء و اخذ يضغط عليها و يحركها يمينا و يسارا حتى حصل على صورة كاملة لبصمته... في هذه الأثناء كان الضابط ذو الشرائط الكثيرة ... يطابق بصمة المواطن الذي سبق صاحبنا إلى (هناك) مع بصمة كبيرة تحتل وحدها ... صفحة من الورق المقوى و قد كُبّرت حتى أضحت واضحة تماما بكل تضاريسها... صاح الضابط بأحد العساكر مشيرا إلى المواطن ... (انه هو... المتمرد ... خذوه) .
ثم التفت إلى صاحبنا ... و سحب رسم بصمته الذي كان قد جف ... و طابقه مع نفس البصمة المُكبّرة ... و عاد يقول : (انه هو...المتمرد... خذوه)... و إذا بالعسكري يندفع إليه منقضا ... كما لو أن صاحبنا سبق و صفعه... انتابته الدهشة و الحيرة في آن واحد معا ... قال للضابط بتأدب مفتعل : عفوا يا سيدي ... ألم تتطابق ذات البصمة مع المواطن الذي سبقني ... أجاب الضابط و هو يرتدي ابتسامة تجمع بين التعالي و السخرية : نعم ... و ماذا في ذلك ... بالتأكيد تطابقت مع بصمته ... فهو الآخر متمرد .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى