الأحد ٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
بقلم محمود سلامة الهايشة

مشاجرة الأصهار!!

استيقظ مبكِّرًا، بعدما رنَّ جرس المنبِّه، كلُّ شيء كان جاهزًا: الحقيبة، الملابس، الإفطار؛ فأُمُّه لم تنم، ظلَّت طوال الليل ترتِّب أغراضه، قَبَّل يدها، حمَل كلَّ ما أعدَّتْه، نزل ووقف أمام البيت، فوجد أخاه ينتظر بالسَّيارة في الجهة المقابلة، عبَرَ الطَّريق، ركب، فانطلق مسرعًا، لم يتبقَّ سوى ربع السَّاعة على الموعد المحدَّد، بدأ يُتَمتِم بأذكار الصَّباح؛ حتى يُزِيل التوتُّر، وصل إلى مكان التجمُّع، وقف أخوه بسيارته أمام الحافلة، التي كانت تهمُّ بالتحرُّك، نزل مُهَرولاً، ممسكًا بأمتعته، التي كلَّما أمسك بواحدة منها وقعت الأخرى من يده، فنظر إليه، مشيرًا بيده:

• اذهب أنت، أصعد الحافلة، سوف أحمل لك باقي أغراضك.

بمجرد أنْ وَطِئت قدَمُه باب الحافلة، سمع صوت مشْرِف الرِّحلة يصيح بصوت مرتفع:
• ينفع هذا التأخير؟! نحن كُنَّا سنتركك، أنت المفروض عارف الميعاد؟!

• آسف جدًّا، لولا أخي أحضَرَني بسيَّارته، ما وصلتُ الآن، كان الطريق المختصر إلى هنا مقطوعًا، بسبب انفجار أنبوب المياه الرئيس، فكانت المياه تملأ الشَّوارع المحيطة به كالبحر، فاضطُرِرنا إلى أخذ طريق بديل جعَلَنا نتأخر.

• عمومًا، حمدًا لله على سلامتك.

ودَّع أخاه، أغلَقَت الحافلة أبوابها، استدارت عجلاتها، جلس على مقْعَده يذكر دعاء السَّفر وركوب المركبة.

بدأَتْ كلُّ مجموعة تفعل شيئًا؛ فمنهم مَن يتناول الإفطار، وهناك مَن يبدأ يتغنَّى ببعض الأناشيد، أو يُمسك بجريدة، أو يتأمَّل الطريق بعينه والسَّماعات الصغيرة في أذنيه متَّصلة بتليفونه الجوال، فالرِّحلة والطريق طويلة، ظلَّ الجوُّ داخل الحافلة هادئًا، فالأمور تسير بشكل جيِّد، إلاَّ أنَّه - وفجأة - اشتعَلَت مشاجرة بين اثنين، تجمَّع كلُّ من بالحافلة حولهم، يحاولون فضَّ الاشتباك، فالكل لا يفهم سببًا لهذا، فاليومُ من بدايته يسير على ما يُرام، كلُّ ذلك والسائق لم يعبأ بما يحدث واستمرَّ في طريقة، كأنَّه لم يسمع أو يشاهد شيئًا، فصاح مشرف الرِّحلة بأعلى صوته، فسكت الجميع:

• أنتما صهران! فكيف تتشاجران؟!

فوقف الاثنان ينظران لأنفسهما تارة، وللمشرف تارةً أخرى، الدَّهشة والاستغراب على وجهيهما! فإنهما لا يَرْبِطهما أيُّ صلة قرابة من بعيد أو قريب، الابتسامة تملأ وَجْه المشرف، والأسئلة تأكل رأسيهما، فطَلَب المشرف من السائق أن يتوقَّف عند الاستراحة التي تمرُّ أمامها الحافلة في تلك اللَّحظة، فأشار المشرف بيده:

• هيا بنا نَنْزِل لنجلس قليلاً بتلك الاستراحة، نحتسي بعض المشروبات؛ حتى أخبِرَكم بتفاصيل علاقة المُصَاهرة بين المتناحِرَين.

تجمَّع الشباب في حلقة كبيرة حول المشرف، وجلس المتشاحنان، واحد عن يمينه والآخَر عن يساره، سأل الأول:

• أنت دمياطي؟

فهزَّ رأسه بالموافقة.

فاستدار بوجهه للآخَر:

• وأنت مُنوفي؟
نعَم.

فنظر المشرف لتلك الوجوه المُحَملِقة:

• مَن مِنكم يعرف "بنت الشاطئ"؟

صاح أحَدُهم من آخِر المجلس، ملوِّحًا بيده:

• هل لي أن أُجِيب؟

فأشار المشرف إليه؛ أيْ: أجِب، فقال:

• هي الدكتورة عائشة عبدالرحمن، من مواليد محافظة دمياط عام 1913، حصَلَت على الدكتوراه عام 1950، تولَّتْ رئاسة قسم اللُّغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1962، كتبت الأشعار والمقالات، ونشَرَتها في الصُّحف والمجلاَّت باسم (بنت الشَّاطئ)، ألَّفَت مجموعة كبيرة من الكتب، حصَلَت على العديد من الجوائز والأوسمة، كانت من أبرز كُتَّاب جريدة الأهرام، انتقلت إلى الدَّار الآخِرَة عام 1998.

فقام المشرف من مكانه مصفِّقًا له:

• أحسنتَ، فتح الله عليك، هل تعرفون مَن زوجها؟

فضحك الجميع، ينظرون لبعضهم:

• أكيد زوجها منوفي!

• فمن هو؟! طالما أنتم بهذا الذَّكاء وتضحكون!

فانتاب المكانَ الصَّمتُ الرهيب، كأنهم تحوَّلوا إلى أشباح، فلم يَسْمع المشرفُ أنفاس واحدٍ منهم، فرَجَع وجلس على كُرسيِّه:

• سوف أخبركم به، على أن لا تَنْسوا المعلومة أبدًا:

كان زوجها الشيخ أمين الخولي، ولد عام 1895 بشوشاي محافظة المنوفية، انتقل إلى الدَّار الآخرة عام 1966، تخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي عام 1920، اخْتِير إمامًا لسفارة مصر بروما ثم المفوَّضية المصرية ببرلين، يُعدُّ مؤسِّس مدرسة التجديد في اللُّغة والنقد وجماعة الأُمَناء وله العديد من المؤلَّفات، قام بالتدريس لطلاب الجامعة، ومِن تلميذاته زوجتُه الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى