الخميس ١١ نيسان (أبريل) ٢٠١٣

فتنة طائفية جديدة، متوقعة وغير متوقعة

عبد الرحمن يوسف

متوقعة، لأن جميع شروط الفتنة قائمة، وغير متوقعة من ناحية الزمان والمكان، فمن غير المعقول أن تصل الجرأة بمن يخطط للفتنة ويشعلها لدرجة مهاجمة جنازة يسير فيها مكلومون يودعون ضحاياهم.

الفتنة الطائفية فى مصر طبخة أمنية لتمكين الحاكم من المحكوم، ونحن اليوم ندفع ثمن طبخة تمت فى عهود قديمة مضت، إن الحاكم الظالم لا يستطيع أن يواجه الأمة ككيان موحد، وهذا ما حدث مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فقد سقط فى أيام حين وقف الناس فى وجهه جميعًا.

لذلك كان من أهم القرارات التى اتخذتها الدولة المصرية فى الخمسينيات والستينيات أن تحرم الأقباط من بعض المواقع الحساسة فى الدولة، وهذا معناه سوء ظن، ولا معنى لذلك سوى أن الدولة ترى أن بعض مواطنيها مشكوك فى وطنيتهم!

قال الله سبحانه وتعالى فى سورة النور: «لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ».

أهم شروط الفتنة أن يسىء الناس الظن فى أنفسهم، وانهيار الثقة بين الناس يخلق المناخ المناسب للاقتتال، وفقدان الثقة لا يحدث بين الطوائف المختلفة فقط، بل يصبح مرضًا عامًا فى كل المؤسسات الكبيرة والصغيرة.

نحن مجتمع لا يثق فيه الحاكم فى المحكوم، ولا الكبير فى الصغير، ولا اليمينى فى اليسارى، ولا الجار فى جاره، ولا المدير فى موظفيه، ولا الفقير فى الغنى، ولا المرأة فى الرجل، ولا المدنى فى العسكرى، ولا أبالغ إذا قلت إن غالبية المصريين لا يثقون فى أنفسهم أصلا، فلماذا نستغرب أن المسلم لا يثق فى المسيحى والمسيحى لا يثق فى المسلم؟
نحن أمام أزمة ثقة هى من مظاهر انهيار العقد الاجتماعى الفاسد الذى لم يتمكن من توحيد الأمة المصرية خلال العقود الماضية، وأول علاج لهذا الأمر هو أن يحسن الناس الظن فى أنفسهم أولا، وإحسان الظن وتبادل الثقة له أصول من المكاشفة والمصارحة والمصالحة بين الجميع، وهذا أمر لا يمكن أن يتم إلا بإرادة سياسية تأتى من أعلى سلم القيادة بالتعاون مع سائر الجماعات والتكوينات الاجتماعية الطبيعية فى المجتمع.

ﻻ يوجد تجمع بشرى بلا أحقاد، ولكن ﻻ يمكن ترك الحقد ليصبح أساس علاقات الجماعات واﻷفراد، واﻷصل فى المصريين الحب والطيبة، ولا يمكن أن تنسينا مرارة وقسوة اللحظة التى نعيشها أننا شعب تمكن من التعايش مئات السنين، وأننا أمة لم تعرف التطهير العرقى، ولم تعرف الاقتتال الأهلى، ولم تعرف العنف المنظم، وأننا أمة كانت دائما ملاذا لكل المضطهدين، وكانت بلدا مفتوحا لسائر الثقافات.

فلنعد مصريين!

عبد الرحمن يوسف

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى