السبت ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
بقلم خيرة خلف الله

كلمة في «رذاذ الأمكنة»

على هامش الأيام الوطنيّة للمطالعة والمعلومات بالجمهورية التونسية

قراءة: الأستاذ منصور الشتويّ

ذات تضجّ بهمومها، مكان يضجّ بأحداثه:

في الإبداع الأدبيّ، والسرديّ، لا نقرأ النصّ بل نقرأ به. إنّنا نرى العالم بعين المبدع. فالوقائع تخترق ذاته ثمّ يصوغها نصّا يرسمها كما أحسّها وأدركها ورآها.

ينطبق هذا على رواية "رذاذ الأمكنة" لخيرة خلف الله. ومن مداخل القراءة أن نُعنى بحدّين مادّيّيْن للكتاب، العنوان ونصّ خلفيّة الغلاف. وبين الحدّين صلةٌ وثيقة. فإن كان العنوان هو أكثف تلخيص للنصّ و"اسمًا" له وقولٌ بطريقة أخرى فإنّ النصّ الذي يختاره الكاتب ليضعه على الغلاف يكشف رؤية المؤلّف ذاته لأثره. فهو يلخّص حال الساردة على لسانها: "يشرخ الصمت داخلي، يؤنّبني كياني، شهاداتي العلميّة، دمي بل إحساسي. أشعر بالانهيار ويستبدّ بي القلق، تطؤني الذكرى، الأمجاد..". يتركّز هذا القول في مدخله على "الداخل" داخل الساردة. ذاك هو المكان الذي يختزل "الأمكنة" الواردة في الرواية. إنّ الأمكنة في النصّ ليست أمكنة بل هي انعكاس لذلك الداخل. والرذاذ ذرّاتٌ. هو تشظّي الذات التي "يشرخها الصمتُ" فيكون البوْحُ والتداعي أسلوبين مهيمنيْن. فيتضخّم الخطاب على حساب الخبر/ الأحداث.

إنّ هذه الرواية بهذه القراءة ترسم نفسا تضجّ بهمومها، مكانا يضجّ بأحداثه. وما الأحداث إلاّ حركة داخليّة تبدو على غير منهج عاكسةً اضطرابا. تتزامن تلك الأحداث فينعدم الزمن ويبرز المكان/ نفس الساردة محتويا كلّ تلك الهموم وكلّ ذاك الرذاذ الذي لا يروي عطشها. وكأنّ الكاتبة التقطت العدوى فكانت روايتها تروي ولا تروي. تروي أحداثا وتبوح بشجون، لكنّها لا تروي غُلّتنا إلى تمام القصّة. فيُترك الحدث معلّقا أحيانا وتُترك التتمّة لخيال القارئ أحيانا أخرى...

إنّ الساردة في قراءة الكاتبة للرواية ليست سوى أنموذج، جمع بصيغة المفرد. إنّها صورة لكلّ عربيّ. "لعلّ كلّ عربيّ في مكاني يشعر بهذه المفارقة الوجدانيّة...".

حوافّ النصّ: المدرِّسةُ/ المبدعة:

سياق الرواية يتدرّج من الذاتيّ إلى الموضوعيّ، من الفرديّ إلى الجماعيّ. وبين المستويين صلة وثيقة. فالذاتيّ مُتنزّل أبدا في الموضوعيّ. فالذاتيّ هو أنّ لدى هذه الكاتبة الروائيّة تحدّيا لإتمام نصّ وإصدار كتاب به تستكمل مشروعا تقول فيه وبه ذاتها في الوجود. وليس هذا التحدّي بعيدا عن إنشائها نادي الإبداع بالإعداديّة التي تدرّس فيها "إعداديّة مطماطة الجديدة"، ذاك النادي الذي تنشّطه رفقة عدد من تلاميذها/ "أبنائها" بعبارتها. إنّ هذا النادي امتداد لممارستها البيداغوجيّة التربويّة فيه يمارس التلاميذ "التعلّم" خارج قيود "البرمجة الرسميّة القسريّة". فيه يكونون هم/ ذواتهم/ شخصيّاتهم... وفيه تكون هي/ المبدعة/ الامتداد الآخر للفعل التربويّ/ الحياة... ولهذا الفعل صلة بمفهوم ركين من مفاهيم التربية. إنّه "التربية بالقدوة" وهو ما يسمّيه أهل العلم "الممارسة الاجتماعيّة للمرجع". وإنّ هذا الحيّز النصّيّ الضيّق لا يسمح لنا بأن نعدّد مزايا هذه الممارسة. فليسأل من شاء أولئك التلاميذ عن أثر قراءتهم رواية "آنستهم". سلوهم عن رغبتهم في أن يكونوا مثلها قرّاء/ كُتّابا. وإنّ هذا لممّا نحتاجه حاجة الحياة في مدرسة نرجو أن تكون...

لقد كانت هذه الرواية، والاحتفاء بها، مناسبة مُثلى للتفكير في قراءة النصّ. نعم. لكنّهما كانا أيضا، وربّما قبْلا، مناسبة خاصّة لممارسة التواصل المتين العضويّ بين المدرسة ومحيطها. أليست المدرسة مشروعا مجتمعيّا لبناء الإنسان المبدع؟

قراءة االأستاذة وسيلة الوشتاتي:

"رذاذ الأمكنة" للمبدعة خيرة خلف الله.

نُكبر فيها جُرأة الإبداع في زمن موؤدة إبداعاته.نحترم فيها شجاعة القلم وصدق الكلمة التي تتدفق منها معاني مُتشابكة مُوجعة مُلتهبة. في تشابكها وتقاطعها تُلن عن نسيج فُسيفُساء في التفكير والإحساس.

إعلان لجُرأة القُدرة على التعبيرعن مُفارقة وجدانية هاجس قد نشعربه قد نُدركه وقد نُقدم لنُصرح بما نُحس من ألم و فرح وما نُدركهمن خفايا قد تخوننا خاصة فيواقع مُشوه.

تُعلن المُؤلفة عن وج مُثقفي هذه الأرض بين المخاوف و الآمال: أمل الذهن يُواصل شُرودا في مُطاردة و آنتظارأحلام يُقيدها الواقع بأشواكه فتتعمق المأساة بين أسر الواقع وما نتُوق له حُلما.

ما نُثمنه هو إبتسامُ المُؤلفة.إبتسامة تسكن في الأعمام بالرغم من أنّ الواقع شرس ، ظالم ، مستبد ...

وهذه سمة تجمع بين الإبداع والحبكة القصصيّة وتُعبر عن صورة هي ثقتنا في المرأة العربيّة وأملنا في الإنسان التحدّي رغم الطغيان ، طغيان جهلنا بأن ّ الإختلاف جمالٌ وبأنّ التخلف تُهمة وإهانة تُعمّق ضعفنا وإن كانت يقينا إلاّ أنّ الأمل والمُحاولة يمكن أن تُعيد الإعتبار.

نُثني على دقّة الوصف وجمال المشاهد داخل الرّواية ونشُد على مواصلة الحلم من صورة مكتوبة تفتح أأفق الصورة المشاهدة (المسرح، السينما).

تُذكرنا الرواية بإبداعات الأدب الواقعي الذي يصف ألم الواقع وتحمل عبء الحياة ويشخّص أوجاعها وتفنّنها في بعثرة الأحلام في أسلوب قصصي ذكي ذو أبعاد فلسفيّة وقضايا وجوديّة يمكن أن تكون مشروعا لإبداع أكبر بمزيد الإنتظام داخل الحوار وترتيب الأحداث وإسترسالها في موضوع نواة ثابت يوضح توزع الأحداث داخل الرواية بإنتظام يقلص من الإضطراب المنهجي أساسا وأملنا أن يغذي التوتر النفسي الذي يعدّ عنصر جمال في الرواية توتر فاعل لإبراز عمق مشكلات الواقع لكن في إختيار نموذج من هذه المشاكل يزيد الأمر دقّة ووضوحا داخل الرّواية ويكون إيجابي فاعل بشرط أن يقدم في صورة إنتظام وجُرأة إختيار وضعية مشكل دقيقة يتم إنتقاؤها من ضمن عدد مهول من المشاكل التي تاسرنا بها الحياة . فيمكن أن يكون الأمر في هذه الوضعيّة أكثر إلتزاما بهدف التشخيص ومحاولة التفكير في حل فيكون بديلا فاعلا بفيض من إثارة الألم الذي وإن لامس الوجع وجدّد الألم بشكل واقعي إلاّ إنه لا يتحدّى من أجل إقتراح الحل وربّما لأنّ الإنفراج مطلب قد يصعب تحقّقه لكن يبقى التوق إلى صرح نشيّده ينآى بنا عن الألم والأوجاع ويحقّق شيئا من إنسانيتنا مجال مطلوب ولو كان ذلك حتّى في إطار المسار الذهني ونكابد إصرارا لتحقق واقعي .

هذه إحراجات تواجهها الرواية لكنّها تظل تحمل إبداعا جميلا ننتظر منها المزيد.

وأوّل الغيث قطرٌ.

محاولة: قراءة في عتبة النص قراءة الأستاذة : فاطمة فرشيشي

في رواية: "رذاذ الأمكنة"

لكاتبتها الشاعرة خيرة خلف الله

يقول ميشال هوسر : "قبل النص ّهنالك العنوان وبعد النص ّيبقى العنوان " ومن أجل هذا فالعنوان فنّ إختيار وتوظيف تسقط عنه العبثية ويلبسه التكثيف والإكتناز ويحاصره وجه الإغراء المحفز على معانقة المتن وخوض تجربة القراءة لاستكناه ما غمُض والتبس وأغرى...
ورد العنوان تركيبا إضافيا من جملة إسمية قُدّر خبرها و لابد من رصد معنى الإيحاء إذ الخبر هو الذي يجلي معنى الإبتداء ويفصح عنه وصفا و تحويلا وتأويلا ولا غرابة أن تكون الرواية هي المخبر عن العنوان وإن كان للعنوان ما يحمله من دلالات جرت في الفكر والوجدان مجراها بفعل الوقع الأوّلي والمصافحة الخارجية ...فلا يمكن أن نعبر إلى تناول الرّواية خارج أسوار المعنى الذي يرصده اللّفظ في العنوان فنحن إزاء مضاف هو الرذاذ و من أبسط تعريفاته و أولى حقائقه أنه لا يروي ويجفّ قبل أن يستقرّ على الأرض وهو غير المطر فماذا لو كانت الأرض عطشى وماذا لو كان للرذاذ دلالة خارج معناه المعجمى؟

وهذا المضاف إليه "الأمكنة "يطالعك جمعا يثير فيك رغبة التعرف على خارطة الأماكن عبر الرواية لتقف على بعض ملامح الحركة في النص جغرافيا...فهل حافظت وظيفة المكان على حضورها المتعارف عليه ام تجاوزته لتشحنه بما يخدم الفكر الذي يحرك الأحداث ويشحنها؟
إنّك عندما تدخل الرّواية وتثبّت أقدامك في ثناياها تكتشف أن سمة العطش هي المحرّك الحقيقيّ لكلّ ما يدور ويعتمل في شخصية ساجدة فتنصرف إلى تأويل وجدانها وانفعالاتها وتداعياتها وأفكارها وطموحاتها وأحلامها وتنظر في صراعاتها وامتثالاتها وتخيط للمعنى ثوبا من وجع النفس فتعيد قراءة العنوان لتتلمظه مصرّا على تحديد مذاقه المستعصي بين الحب والاحباط والخوف والوجع حدّ التشظي فساجدة التى قالت في حديث الذات صفحة 82 من الرواية :وتبخّرت بعض العواطف التى كانت تتسرب اليّ بالرغم من تكلّس الاديم ...انتبهت إلى الطريق الطريق طويلة تتطاول أمامى...وأنا على حالتى تلك..النور في نهايتها يتضخّم...يهاجمنى ...يغزوني فلا أبالي ...يتجاوزنى فلا اتلفت"

...كتلة متشابكة تختزلها الكاتبة في روايتها تأتي على أغلب ما يشتت ويغرق في فلك الحيرة من علاقات ذاتيّة وإجتماعية ...هواجس جيل وعذاباته...تتحرك وفق حركتها التلقائية تراقص أفكارها وتجالس تداعياتها فتنفعل وتتخذ لك من الشخصيّة مواقفا تتداخل وتتضارب ...إنّك أمام عمل أفلت بكليّته من أجناسية الكتابة ليستقر في حمى الرواية ويفتح للقارئ بابا على التجريبية بعيدا عن نمطية الأجناس الصارمة

توافق أفق انتظار المتقبل وتضعف من فرص التشويق لديه ...فالأماكن في الرواية لم تكن مقصودة بجغرافيتها وحدودها التعريفية التاريخيّة كما كان من ذكر لأثينا أو فرنسا أو الجنوب التونسي أو العاصمة ...وإن كان الوصف قد اضطلع بإيهامنا بواقعية المتخيّل ....غير أنه بعد قراءتنا تبيّن أنّه مجرد مطيّة لبنية نفسيّة وفكريّة وقيميّة وكأنّه خارطة لإنسان و بناء لتضاريس روح رغم رحابتها تضيق وتتشقق عطشا فرغم التطلعات لأفق الحضور في الحياة والسعي لتحقيق الأمل المنشود إلاّ أنّها قد غُلّت في قيود الظمإ ولذلك كانت صورة الماء غائمة أشبه ما تكون بالوهم وكذا كانت النتائج والنهايات أشبه ما تكون بالطعنات وأغرق ما تكون في الوجع ....فأنّى تستقيم حياة بلا ارتواء؟ ...انّ الشخصية الرئيسية وهي الرّاوية العليمة المدركة لخفايا جميع الشخصيات حولها قد نفثت في الرّواية وبالتوازي فكرتي الأمل والاحباط فتوهّمت القدرة على الوقوف بأقدام ثابتة على أرض زلقة ...كان الحلم أشبه ما يكون بوهم سليط لا يرحم يؤجج الوجع فثبُت جرحا غائرا في الرواية أو لنقل في النفس البشريّة لذلك سار المتن سيره الحثيث لتأكيد فكرتي الوهم والعطش وتثبيت حقيقة الحيرة والضياع والتيه ...وانفرط عقد الحب الثمين وراح كسقط متاع ...ولهذا جاء التصدير سؤالا سوّى بين إجابتين ضمنيتين :ّلفرط الحبّ ...أم لفرط الوهم؟."... هو فرط الحب وهو فرط الوهم وهو تأرجح الروح بين ناصيتين واحدة ترفع سقف الحضور والثانية

تهدمه فكيف لا يكون الإنسان بين مدّ وجزر في حيرة متأرجح الحضور؟ فهذه الرّواية هي رواية الوهم بالحب وهم بالإرتواء ووجع ثابت كيف يتحوّل إذا ما استقر عميقا؟

على هامش الأيام الوطنيّة للمطالعة والمعلومات بالجمهورية التونسية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى