الخميس ١٦ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم حسن الشيخ

نقدنا المحلي و الغراب الأبيض

) يردد الكثيرمن الأدباء ان الناقد يلتمس لعمله النقدى دائما الاسس والقواعد الفنية التى ترجع به للماضى لفهم حاضر العمل الابداعى .

لذلك فان الناقد عند هؤلاء الادباء رجل يحمل فى داخله تاريخ جمالياته وفنه . والسبب فى ذلك ان العملية النقدية ليست كبقية العلوم الاخرى التى يبدأ جديدها من حيث انتهاء قديمها.

وهذا الفهم من رجال الادب لوظيفة الناقد , هى فى الواقع فى أوج انسجام علاقة المبدع بالنقاد , لأن المبدع فى احسن الحالات الاخرى لا يجد فى الناقد الا عدوا لابد منه صداقته , لان الناقد النزيه عند بعض الأدباء المبدعين أندر من الغراب الأبيض . وينقل بلند الحيدرى فى كتابه (اشارات على الطريق ونقاط ضوء) , عن الشاعر الانجليزي ؛وورد ورث« انه لم ير فى الناقد الا انسانا احط شأنا من المبدع لانه يفتقر الى موهبة الخلق والابداع .

ورغم هذه العلاقة غير الانسجامية بين الناقد والمبدع .. الا ان الناقد ظل يبدع هو ايضا لاستحداث ادوات جديدة . لهذا الفن - رغم عدم رضا المبدع - من تاريخه القديم .

ويرى الناقد انه يجب عليه ان يخلق نقدا جيدا يساير الاشكال الفنية الجديدة , ولزاما عليه ان يؤكد نفسه وفنه ويعطيهما بعدا حضاريا يتميز بالتخطى والتجاوز . ذلك لان الغاية النقدية هى الاتصال لا الانفصال.

ان النقد الذى ينشده الناقد ليس فنا عدائيا - كما قد يتصور المبدع - وليس رغبة منه فى الانتصار .. كما ان التجديد النقدى لا يطمح فيه الناقد لمجرد الخروج على المسار النقدى .. بل هو هم ادبى بضرورة كسر المألوف النقدى من أجل قراءة النص الجديد .. تمكنه من رصد الواقع الاجتماعى المتسارع , واذا وقف النقد عن مسايرة النص الجديد ومسايرة الواقع سقطت التجربة النقدية فى واقع التكرار واضحت غايتها الانفصال لا الاتصال .

وفى ظل التعبير الابداعى المتجدد , سارع النقاد - ومنهم فخرى صالح - لابتداع ادواتهم النقدية المتجددة ايضا , ولعل من ابرز المناهج النقدية العناية قراءة النص من الداخل) (شرح المجال الاجتماعى للنص) , ومن هذين المنهجين تألف منهج نقدى جديد جمع بين القراءتين الداخلية والخارجية للنص .

ونحن ندرك مدى الصعوبة الشديدة التى تواجهها المناهج النقدية المعاصرة , فى ملاحقتها للنصوص الابداعية المتجددة فى التوليف بين بعضها .. الا ان المحاولات النقدية لم تتوقف .. فالمحاولات تبذل لردم الهوة بين هذه المناهج جميعا أو تقيم فوقها جسرا ليصل داخل النص بخارجه . ويشير فخرى صالح فى (ارض الاحتمالات) الى ان الكتابات النقدية العربية المعاصرة تحاول ان تقوم بمهمة الجمع بين هذين المنهجين - القراءة الداخلية وشرح المجال الاجتماعى - على اسس وقواعد تعتمد النص مرجعا لاقامة هذه التوليفة المنهجية . ويضيف صالح : ؛ان محاولات موجودة فى القراءة النصية تحاول ان تصل الى محيط النص , وما يقع خارجه , ويشكل مرجعيته عن طريق التحليل الداخلى للنص , اى بالاعتماد على عناصره وطريقة بنائه , ومن ثم وصل النص بالسياقات المختلفة الظرفية الاجتماعية والثقافية .. وبذلك يتجنب المنهج الاول القفز خارج السياق .

هذه المحاولات - المناهج - النقدية الجديدة هل تخرج الناقد من اطار الذاتية للناقد ?.. أم أن الناقد النزيه يظل أندر من الغراب الأبيض?.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى