الأحد ١٩ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم عبد الجبار الحمدي

الرسالة الأخيرة...؟

خرجت مسرعة من منزلها تلتفت ذات اليمين وذات اليسار، لقد قال أنه سيمر علي في هذا الوقت من الصباح... لكنه تأخر! نظرت إلى ساعة يدها .. همست أجل لقد تأخر.. زاد قلقها، تغير لونها، فليس لديها حجة تلقيها متى ما نزل والدها إلى عمله ليجدها لم تذهب إلى كليتها بعد، توارت نحو البعيد عن مخرج المنزل، ذهبت إلى الكشك المجاور تقريبا لتتعذر بشراء أي شيء، يا إلهي لقد تأخر فعلا!! علي الذهاب بسرعة لأحلق الحافلة قبل الزحام، كانت المحطة مليئة بالناس والطلاب وغيرهم، وقفت هي تنتظر كعادتها، تستعد للاقتحام في الحصول على موطأ قدم في الحافلة، وها هي فما ان وصلت حتى شعرت بأن يدا تدفع بها؟! انزعجت!؟ فاستدارت لتلقن من قام بفعلته تلك درسا، يا إلهي انه هو!! وفي وسط ذهولها دس رسالة بين كتبها وقفز نازلا من الحافلة دون أن يكلمها، صعقت بتصرفه لم تكن تستطيع أن تنادي عليه أو حتى تبدي استغرابها منه، سبحت عيناها في فضاء الورقة التي انزوت بين صفحات كتب قلقة من حملها، لكنها الآن ونبض قلبها بينها سكنت، أمسكت بالكتب قريبة إلى قلبها كأنها تخبره لقد اشتاقت إليه، فاضت لوعتها من غيابه قائلة: لقد جن جنوني في غيابك ألم تعلم أنني أتنفس رحيق محياك؟ إن روحي قد صامت عنك أيامك التي غبت، كيف سمح لك قلبك أن تعيش دون نبضي؟! صحيح أنكم أيها الرجال قساة بل جلمود صخر مشاعركم حين تريدون ذلك، ألا يكفيك أني لم استلم منك أي كلمة على رسالتي الأخيرة! ألم تقرأها؟!! لقد شرحت لك أن ابن عمي سيتقدم لخطبتي ووالدي وافق مسبقا، كذلك أمي وأخوتي، لقد وعدتني أنك ستتقدم لخطبتي بعد أيام، وهذه الأيام مضت دون أن أراك في الجامعة أو اسمع ردك، بماذا تريدني أن أذكرك؟ بحبنا العذري حين كنت تقف على ناصية الشارع تنتظر خروجي من المدرسة أيام حب مراهقة كما يسميه البعض...

لكني وإياك لم نحسبه كذلك، بل هو عنفوان متألق لكل المحبين، أنشدك الله أليس ذلك صحيح؟ والآن يا حياتي بت لا تقترب مني او تحدثني إلا عبر وريقات ترميها مسرعا، كأنك تختلس شيء ما او تسرقه، وتراني أسرع بنهم أقرأ ما فيها وأحصن نفسي بدرع الصبر رغم أني حين أقرأها مفضوحة مشاعري فلوني يتغير وأنفاسي تتسارع وجسمي يسخن كأني مدمنة... أقولها حقيقة دون رتوش أني مدمنة على حبك، سؤال اطرحه رغم خوفي من سماع إجابته، هل أنت كذلك؟؟ مدمن على حبي، ام تراك بعد أن تأثرت بمتغيرات الوظيفة، أصبحت معيدا أدمنت غير صنف حبي العذري، أم تراك تطلعت إلى غيري... ربما!! وأنا أعطيك العذر شدة حرص والدي والجفاف الكبير في حبنا دون ان ترتوي مشاعرنا بقبلة أو حضن وارف بنعيم ماء الحياة هو سبب التغير، لكن الذنب ليس ذنبي... نعم أعلم أنك تقدمت الى خطبتي ورفضك والدي لأنك لا زلت في نهاية السنة الأخيرة من الجامعة، تغيرت لفترة، لكني وبعد أن أخبرتك إني لك إلى الأبد تعافيت من الصدمة، وها أنت الآن ومنذ ثلاث سنوات معيدا في الجامعة، خاصة بعد أن رُفض طلبك مرة ثانية شعرت في تلك الفترة ببرودة لقائك معي، فسرت ذلك انه العمل والجهد الذي تبذله، كذلك طول المدة التي واكبت حبنا الذي لا يريد السكون في قفصه، رباه لقد أصبح الطريق طويلا إلى الجامعة، كانت تريد أن تختلس النظر الى سطور الورقة التي بين كتبها، كيف يمكنها وذلك الزحام!؟ لكنها لم تنتظر محطتها سارعت بالنزول في التي قبلها، فما ان ركنت إلى نفسها حتى مدت يدها لسحب الرسالة، لم تشعر إلا و صوت ينادي عليها سامية... سامية، يالها من صدفة توقفي انتظريني سأسير معك، جثم على صدرها الفضول، كأنه يغرز أرضه بالحيرة أكثر مما فيه، لم يهدأ لهيب أنفاسها، اقتربت مُنى منها صباح الخير سامية... لم أتعود أن أراك تسيرين وحدك، فأنا اعلم أنك تنزلين في المحطة التي تقابل باب الجامعة مباشرة، ترى كيف حالك اليوم؟ هل من جديد عن حبك؟ غير مكترثة بعبارتها الأخيرة أجل يا منى سامية تقول... لكني هذه المرة أُخرجت من الحافلة عنوة نتيجة تدافع الركاب، لذا قلت لا بأس سأكمل من هنا...، منى...فرصة جميلة أن أسير معك فكما تعلمين أني اشعر انك قريبة إلى نفسي ولعل السبب هو أني صديقتك من الطفولة كما أني كاتمة سرك الأزلي، ثم غيرت حديثها أظنك تعلمين أيضا أني أتكبد المشقة كوني أسير لأكثر من 45 دقيقة حتى الوصول لا بخلا لكن توفيرا للوقت، فلو أني ركبت مثلك وجب علي الركوب قبل ساعة ونصف على الأقل بسبب الزحام، هيا سارعي فكدنا نصل، كانت سامية شاردة تريد أن تقرأ فحوى الرسالة، لم تسنح لها الفرصة، ولا تظن انها ستتوفر في داخل الحرم الجامعي، أمسكت منى يدها تجر بها كطفلة تاهت عن طريقها، شد ذلك نظر الطلاب بعضهم ضحك بصوت عالي والآخر علق بتعليق سخيف، لم تعرا أي اهتمام، لكن سامية توقف فجأة وقالت أرجوك منى اتركي يدي اذهبي وحدك فأنا لي حاجة سأقضيها وألحق بك..

منى: حسنا سامية إلى اللقاء في المحاضرة.. ولكن اعلمي ان الحب عذاب مميت...

دلفت نحو مكان قريب يكون بعيدا في نظرها تطلعت في كل ناحية يمكن لارتباكها أن يوفرها، مدت يدها سحبت الورقة لتفتحها فإذا بأستاذ كامل يقول لها... ماذا تفعلين هنا يا سامية؟ لقد أوشكت المحاضرة أن تبدأ اسبقيني وإلا لن أُدخلك إلى الفصل، أرجعت بسرعة الورقة إلى مكانها، سارعت أمامه بالسير، دخلت وإذا بمنى تلوح لها تعالي بقربي.... تأففت... ركنت بنفسها إلى الحائط، بدأ الأستاذ بشرح محاضرته، هي دخلت في عالم من الحيرة والشغف، جالت بنظراتها إلى كل من حولها وقربها فانتهزتها فرصة حيث الجميع لاه إما بالاستماع أو للحديث مع زميل أو زميلة له، فتحت الكتاب ومنه إلى الورقة التي لاح لها سطرها الأول... سامية .. أكتب لك هذه الرسالة.. أطبقت الكتاب بردة فعل جلبت انتباه من هم حولها.. لم تكترث لكن نفسها قالت .. سامية يكتب دون حبي أو حبيبتي.. يا ربي إني خائفة أشعر ان هناك شيء ما سيحدث إن حدسي لا يخطئ، شغلتها نفسها عن نظر إليها مستغربا... وبعد هنيهة عاودت لتكمل ما بدأت به عمدت إلى فتح جانب واحد منها لتكمل العبارة.... بعد تفكير طويل وقد اتخذت قراري... شهقت بصوت واضح لفت انتباه الجميع حتى الأستاذ معلقا ماذا بك آنسة سامية؟ هل هناك شيء تريدين أن تقوليه.. أم ماذا...؟؟ جمدت أوصالها ليس لديها رد سوى أني أعتذر عن تصرفي.. أرجو المعذرة... حسنا لنكمل محاضرتنا ولعل .... تابع الأستاذ حديثه، فقال الذي بقربها ماذا بك يا سامية؟ هل أنتِ على ما يرام؟؟ أجابته ببرود نعم أنا بخير، لكن من يراها يرى أنها قد بهتت ومال لونها إلى الاصفرار، لاشك ان هناك أمرا ما، ربتت على كتفها فتاة تعرفها سامية هل تريدين الخروج من المحاضرة؟ سأخرج معك إذا أردت... هيا فأنا لا أشعر أنك بخير... كانت منى تتابع ما يحدث من مكانها، حتى أن فضولها جعلها تقف وتقول أستاذ عفوا للمقاطعة أريد أن أصطحب سامية إلى الخارج إنها على غير ما يرام وأيدها ذلك بعض من شهد حالها، قامت قبل أن يوافق متجهة إلى سامية رغبة بمساعدتها في حمل كتبها، إلا أن سامية تمسكت بها بكل قوتها رافضة مساعدتها علي حملها للكتب، زاد ذلك من فضول الجميع، خرجتا إلى الباحة الخارجية شعرت بغصة في قلبها اتكأت على منى قائلة أرجوك منى خذيني هناك تحت ذلك الظلال... سارت بها منى حيث رغبت، جلست على المسطبة بعد أن وهنت أنفاسها، ذهبت منى لتحضر الماء، انتهزتها سامية لقراءة رسالته... لقد اتخذت قراري بقطع علاقتي بك قد يكون ذلك جنونيا لكني أرى انه الحل الوحيد لمشكلتنا، لذا أرجوك حاولي التعامل بحياتك دوني بتعقل وروية.. ثم أعلمي أني حين سلمتك هذه الرسالة كنت وقتها في طريقي للسفر بعيدا عنك .. أرجو أن تكوني بخير .. الوداع إلى الأبد .. سار غليان النار في الهشيم وجعها، اختفى الهواء من محيط صدرها بعد ان تلاشت حيرتها بحقيقة مُرّة تجرعتها كسم زعاف، وقعت على الأرض شاهدتها منى وهي تسقط أسرعت نحوها صارخة... سامية ماذا بك؟؟ هزتها بعنف لكن كان خروج روحها أسهل بكثير ..أمسكت مُنى بالورقة وقد قرأتها... صرخت بهستيريا... ألم أقل لك أن الحب مميت في أكثر من مرة.

كانت رسالته بمثابة رصاصة أطلقها إلى قلبها الذي اغتيل دون رحمه، لكنها لم تعلم انه ومن فترة طويلة، كان أخرها الأسبوع الماضي من هذه الرسالة، حين زاره والدها بعد أن علم باستمرار علاقتهما، فهددته كعادته لكن هذه المرة بقتلها وقتله غسلا للعار الذي لحق به إذا لم يبتعد عنها، فقال له: عليك أن تقطع علاقتك بابنتي لأنها سوف تتزوج من ابن عمها، لذا أرحل من هنا والى الأبد، وإلا ستكون الجاني عليها وعلى نفسك، فأخذت القرار خوفا عليك بعد ان أرادوا قتلك، خاصة ذاك ابن عمك الهمجي، لذا آثرت الابتعاد رغم إن الموت يسكن روحي بعدك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى