الأحد ١٩ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

العولمة بمفهومها الواسع

إنّها جنة من جنان الأرض يا والدي.

أجل، يا ولدي لقد غرست من كلّ فاكهة شجرة. سقيتها واعتنيت بها إلى أن أينعت وأثمرت فكانت النتيجة ثمارا من كلّ نوع.

هل أنادي سادة القوم لزيارتها كما اتفقنا؟

لك ما تريد با بني.

كان أوّل الزائرين حاكم البلدة، ما إن وطأت قدماه أرض الجنة حتى هلّل وكبر، ثمّ أردف يقول:
ما شاء الله، سيرضى شعبي عنّي، سأكون أسعد حاكم فوق الأرض، أخيرا سيعيش شعبي مطمئنا، إنّها سياسة الحوكمة و نتاج الحكم الراشد.

بعد فترة قصيرة، وصل كبير التجار، تجوّل قليلا داخل الجنة متأملا أشجارها وثروة إنتاجها، صاح معبرا عن إعجابه:

ما أكرمك يا ربّ! سأملأ خزائني ذهبا وفضة، أنا أسعد التجار على الأرض، سيرضى عني زبائني، ويصل إنتاجي أقاصي الأرض ويأكل منها الطير والإنسان والحيوان، إنّها سياسة الخوصصة ونتاج الحكم الراشد.

لم يتأخر كثيرا ممثل المواطنين عن الموعد، دخل مسرعا، لم يسعفه الوقت للوقوف أمام شجرة بعينها، فراح ينتقل من شجرة إلى أخرى، يتذوق فاكهة من هنا، ويقطف أخرى من هناك.. وعندما شعر بالتعب، جلس تحت ظل النخلة ثمّ جمع أنفاسه وهو يتمتم:
شكرا لك يا ربّ. سأحيا إلى الأبد في هذه الجنة، شكرا لعطائك دون حساب، أنا أسعد مواطن على هذه الأرض، إنها سياسة المواطنة ونتاج الحكم الراشد.

كان الحكيم يراقب كلّ من دخل هذه الجنة وردّة فعله. أعجب أيّما إعجاب بهذا الشكر لله دون سواه، ثمّ جمعهم إلى كلمة أراد تقديمها لهم بهذه المناسبة:

هذه الجنة هي لله، جعلها أمانة في أعناقنا، يأكل منها الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، الصغير والشيّب. كلّ له ما يشتهيه، واختلاف أشجارها وثمارها كاختلافنا نحن البشر بأفكارنا وعاداتنا وثقافاتنا ولغاتنا، فليس لأحدنا على غيرنا فضل سوى ما يهذب به نفسه وينمي به عقله ويحمي به جسمه.

نظر إلى الجماعة المحيطة به، وسألهم:

ما هي الشجرة التي ترغبون قطعها لثمارها المرّة والكريهة؟

ردّ القوم بصوت واحد:

كلّ فاكهة تنسينا في الأخرى، إنّها جميعها رائعة.

قال الحكيم:

إذا كان لا يمكن الاستغناء عن شجرة من هذه الأشجار المثمرة، كذلك لا يمكن الاستغناء عن قوم من الأقوام، أو طائفة من الطوائف، أو شعب من الشعوب، إنها العولمة بمفهومها الواسع والشامل التي يذوب فيها الحاكم والتاجر والمواطن، وتصبحون جميعا أشجارا مثمرة تتغذى منها الحوكمة، والخوصصة، والمواطنة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى