الثلاثاء ٢١ أيار (مايو) ٢٠١٣
عن الحضارة «16»
بقلم محمد متبولي

لماذا ننتظر الأنبياء

قديما كان يرسل الله الأنبياء للشعوب ليخرجهم من غياهب الظلمات إلى النور، وأحيانا كان يظهر قادة عظام مثل مينا أو الاسكندر، ليصنعوا التاريخ ويبنوا الحضارة، وفى العصر الحديث ظهرت الزعامات التي قادت شعوبها نحو التحرر والتقدم كغاندي ومهاتير محمد وغيرهم، إلا أن سؤالا هاما يطرح نفسه بقوة، هل سنظل في حالة التراجع الحضاري والتردى تلك حتى يظهر من يأخذ بأيدينا وينتشلنا مما نحن فيه، لقد أنتهي عصر النبوة وتبدو فكرة الزعيم الكاريزمي شئ تجاوزه الزمن، ولا يوجد أي منطق في الجلوس في منازلنا منتظرين أن تهبط علينا منحة من السماء، نخرج بمقتضاها من وضع أقل ما يقال عنه أنه كإرثي، حيث أصبحنا عبئا ثقيلا على العالم فنحن لا ننتج علما أو صناعة أو غذاء، وأصبحت الأحداث تحركنا، كما تحرك الرياح أوراق الشجر الساقطة.

إننا لو أحببنا وضع تعريف ما للزعيم سنقول، أن المفكر هو من يضع الأفكار ولكن غالبا لا تكون لديه القدرة على تنفيذها، والقائد هو من ينفذ أفكار غيره لكنه لا يمكنه إنتاج الأفكار، أما الزعيم فهو من يملك القدرة على إنتاج الأفكار وتنفيذها معا، إن ذلك يعنى ببساطة أننا باحتياج شديد لزعيم يأخذ بيد تلك الأمة ويعيد إليها مكانتها، ولكن حتما ليس علينا انتظار عشرات الأعوام حتى يظهر، بل علينا صناعته، إن صناعة الزعيم لا تعنى أن نختار شخص فذ، أو مجموعة من الأفذاذ ونطعمهم بكل الأفكار وأساليب الإدارة التي ظهرت حول العالم ثم نضعهم على رأس المجتمع، ولكنها تعنى أن نصنع مؤسسة للزعامة، تضم كافة الخبراء في مجالات صناعة الأفكار وتنفيذها، وتتولى هذه المؤسسة وضع رؤية تفصيلية للمستقبل، وآليات تنفيذها، ثم تقوم بتنفيذها وتطويرها، ومن هنا يظهر السؤال التالي، هل تكون هذه المؤسسة مؤسسة مركزية، توضع على رأس المجتمع، تفرض عليه هذه الرؤية وتجبره على تنفيذها بصرف النظر عن قناعته بها، أم أن تكون مؤسسة لا مركزية توجد في كل بقعة داخل المجتمع والدولة.

إن مؤسسة الزعامة تعنى ببساطة، وجود نظام تعليمي، ومراكز تدريبية على أعلى مستوى تنتج ثلاثة أنواع من الكوادر، كوادر قادرة على وضع رؤى مستقبلية واستراتيجيات مبنية على أسس علمية ودراسات منهجية ومعلومات، وكوادر على درجة عالية من الكفاءة قادرة على تنفيذ هذه الرؤى، وكوادر متميزة في صناعة القرار، تعرف كيف تتخذ القرار في ضوء المعرفة والمصلحة العامة، ولديها القدرة على اختيار الرؤى وآليات التنفيذ المناسبة المتماشية مع الظروف ومتى تفعل أو لا تفعل ماذا، وبعد كل ذلك أنظمة إدارية تفرق بين الأنواع الثلاثة السابقة من الكوادر، وتضع كل منها في موقعه المناسب، وفوق كل ما سبق أنظمة سياسية تعتمد على اختيار الأكفأ في المراكز القيادية، وتلزم نفسها بوضع خطط نهوض حضاري تمتد لعشرات السنوات وتتطور بمرور الزمن، ولا تتغير بتغير الأشخاص، وهنا يجب الإشارة لفارق جوهري بين إلغاء أو تغيير خطة بمقتضى فشلها أو لأنه من الواجب تعديلها، وبين القيام بذلك لأن الشخص المسئول عن تلك الخطة قد تغير.

إن مؤسسة الزعامة، هي زعيم جماعي يصنعه الناس باختيارهم، تضم أكفأ عناصر المجتمع، وتوجد في أعلى وأسفل نقطة فيه على حد سواء، وتعمل على إدارة كافة موارده بشكل رشيد، سواء كانت تلك الموارد مادية كالثروات الطبيعية، أو معنوية كالثقافة والفن والفكر، وبما يؤدى لتطور المجتمع ونهوضه الحضاري وتعظيم تلك الموارد، وأخيرا إن أعداءنا ليسوا بحاجة ليحيكوا ضدنا المؤامرات، ولكن كل ما عليهم هو أن يشاهدونا ونحن نسير في الطريق دون رؤية أو خطة، وبلا نظام، ثم يسخرون منا ونحن نضطهد الكفاءات أينما وجدت، ثم نحبطها لتصبح مثلها مثل الأفراد العاديين، أو تقوم بتحزيم أمتعتها وتغادر الحدود، وهو ما يجب أن تقف في وجهه مؤسسة الزعامة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى