الجمعة ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم حسن أحمد عمر

نظرة ومدد يا شيخ بركات

إستيقظ أهل القرية على صوت زغاريد عالية تنبعث فى قوة وبهجة ونشوة من منزل شيخ البلد فشعروا من داخلهم أن شيخ القرية قد رزق بمولوده الأول بعد عشرين سنة من الصبر على خمسة من البنات وأهل القرية يدركون جيداً أن زوجة شيخ القرية لو وضعت بنتاً لما طلعت زغرودة واحدة من منزل الشيخ ، إذاً هو الولد ولى العهد ووريث العرش المنتظر على أحر من الجمر .

كان شيخ القرية يحلم بولد يسميه ((بركات)) ليعيش مبروكاً فى حياته ولكن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن،فلقد كبر الطفل وتخطى عامه الأول تحيط به كل أنواع الرعاية والإهتمام وكأنه من زجاج ولكن هناك أمر يؤرق شيخ القرية والناس جميعاً فالطفل تبدو عليه علامات البلاهة وعدم الإستجابة للمؤثرات الخارجية والالعاب الكثيرة الغالية التى يجلبها أبوه من المدينة كلما سافر لقضاء بعض المصالح .

الشهور تمضى وجسم الطفل يكبر ولكنه لا يمشى ولا يتحرك ولا يستجيب كبقية الأطفال لأى نوع من المداعبة ولفت الإنتباه ، فلا بد من عرض الطفل على أكبر طبيب للمخ والأعصاب ، هكذا قال الناصحون من أهل القرية لشيخهم الذى بادر بإصطحاب الطفل إلى أكبر الأخصائيين فى المخ والأعصاب وكانت نتيجة الكشف مفزعة فالطفل يعانى من التخلف العقلى الذى لا يستجيب لأى علاج .

صدم شيخ القرية وسقط فى يده وكاد يموت حزناً وكمداً وسكت على مضض فقد مات حلمه فى ولى العهد ووريث العرش ولم يعد يطيق النظر فى وجه الطفل البرىء المسكين، لم يعد يشترى له الهدايا واللعب كسابق عهده بل لقد أهمله تماماً ولم يعد يهتم به وكاد الرجل يجن وكاد يطلق زوجته وكأنها المسئولة عما جرى وحدث للطفل ولولا أنها تملك ثلثا الثروة التى يعيش عليها شيخ القرية لتخلص منها فى طرفة عين.

مرت السنوات والطفل الأبله المتخلف يكبر جسماً ولكن بدون عقل وكان أبوه يشعر بالخجل والحرج الشديد كلما رآه أحد الضيوف يجلس فى ركن بعيد بالمنزل يتساقط لعابه فى شتى الإتجاهات فكان الرجل لعدم صبره وقلة إيمانه يحبس الطفل المسكين كلما ورد عليه ضيوف أو زوار .

وفى لحظة كفر فيها الرجل بكل ما عرفه من أعراف وقيم وتقاليد فاصطحب الولد المسكين إلى أعلى المنزل دون أن يراه أحد وألقى به من أعلى السطح ليسقط جثة هامدة قى الشارع وينزل الأب مهرولاً متباكياً ليشيع بين أهل القرية أن الطفل الأبله سقط ومات من أعلى سطح المنزل .

حرص شيخ القرية على عمل جنازة مهيبة تليق بولده وبعد أسبوع واحد أوحى إليه شيطانه الرجيم بعمل شيطانى مخجل فقد أرسل فى طلب الشيخ المسؤل عن تعليم الدين فى القرية ودفع له مبلغاً كبيراً من المال مقابل أن يوحى لأهل القرية أن (المرحوم بركات) إبن شيخ القرية هو ولى من أولياء الله الصالحين وقد جاءه فى المنام وطلب منه بناء ضريح وقبة ومسجد وأمره بنقل جثمانه من القبور إلى ذلك الضريح .

لم يكذب أهل القرية الخبر بل لقد أكلت السعادة قلوبهم وكأنهم يموتون شوقاً لوجود مثل ذلك الولى ليكون وسيطاً بينهم وبين الله وكأن الشرك بالله أمنية تداعب خيالهم فلم تجد منهم شخصاً واحداً يقف ليرفض ذلك الهراء وإنما تقبلوه طائعين راضين متشوقين !!!.

فى صباح اليوم التالى تم نقل الجثة من القبور العادية إلى الضريح المخصص لها فى موكب مهيب تتخلله أعلام الطرق الصوفية الشهيرة وطقوسهم الممقوتة مثل رجل يمشى برجليه فوق رقاب الناس التى تعلوها سيوف صدئة رديئة وآخرون يرقصون فى الشوارع بشكل هستيرى مفزع بحجة أنهم أخذتهم الجلالة ولا أدرى ماهى هذه الجلالة ؟ ونساء يزغردن ويطبلن فى منظر عجيب حتى وصلوا بالولى إلى ضريحه لتستريح إلى الأبد جثة الأبله المسكين .

وتم أستخراج الأوراق المطلوبة للولاية والمشيخة ولزوم عمل المولد السنوى وصندوق النذور وهى عبارة عن عدة الشغل والنصب على الناس وتم عمل الإعلانات اللازمة فى كل القرى والنجوع المجاورة وعرف الجميع موعد مولد مولاهم الشيخ بركات السنوى وشدوا إليه الرحال من نساء وأطفال وشيوخ ورجال وهم يصطحبون معهم نذورهم من أغنام وماعز وديوك رومى ومبالغ مالية هم أحوج مايكونون إليها بل قد يمر عليهم العام دون تذوق طعم اللحم ولكنهم يهدونه لسدنة الشيخ بركات طائعين سعداء .

ووجد شيخ القرية ضالته وتخيل بكفره أن الله تعالى عوضه عن الولد ورزقه بالولى الصالح الشيخ بركات ونسى فعلته الشنيعة مع مرور الزمن وكلما إستيقظ من نومه فى الصباح نظر للضريح الماثل أمام منزله قائلا ((نظرة و مدد يا شيخ بركات))


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى