الأحد ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم بوعزة التايك

زنزانة وسط الأمواج

باخرة تحمل أميرة في قفص لإبعادها عن حبيبها متجهة صوب هدف لا يعرفه لا ربانها ولا بحارتها ولا أشرعتها. تدك البحر دكاً دكاً وتصارع الزمن والرياح للابتعاد عن قلب الحبيب والرسو بميناء لا مخلوقات به بل سلاسل لتكبيل أجنحة الحبيبة كي لا تطير فتعود إلى حبيبها. ولأنها لم تطق الفراق فإنها منذ انطلاق الباخرة نحو زنزانة الحب الميت وهي تلوح بمنديلها إلى حبيبها المكبل بالسلاسل فوق صخرة ينزف قلبها ألما وحسرة على ما يجري فوقها وأمامها. حبيب تنهش النسور عينيه.

تشير إليه لكنه لا يستطيع رد التحية لأن لسانه رماه الجلادون إلى الكلاب الجائعة. ولما تبتعد ويغيب عنها حبيبها بصفة نهائية تجلس داخل قفصها فتبكي وتندب حظها وحظ فارس عاطفتها وفتنتها. تبكي المسكينة وتمسح دموعها بمنديل الحب فتجد بين ثناياه جوهرة عليها اسم حبيبها وآخر دمعة خرجت من عينيه وقلبه قبل أن يفارق الحياة تحت سياط الجلادين. تقبل الجوهرة والدمعة ثم تضع بجانبهما جوهرة تحمل اسمها وآخر دمعة غادرت عينيها قبل أن تفقد البصر. وبعد أن تصير دمية وسط دمى الظلام ترمي المنديل من بين القضبان وتصرخ آخر صرخة لتلج عالم الأموات.

يتلقف طائر الحب المنديل ويطير به حتى يصل إلى زنزانة الحب الميت حيث يرمي بالجوهرتين والدمعتين ثم يقفل راجعاً نحو أنثاه قبل أن يضعها أعداء الحب في الباخرة لتنقلها إلى مكان مجهول.

وتمر الأعوام وتكبر الجوهرتان داخل الزنزانة وتفيض الدمعتان وتتحولان إلى أمواج طوفانية ترمي بالزنزانة بعيداً وتحمل الجوهرتين فتسافر بهما حتى تصل إلى الصخرة التي كان الحبيبان يجلسان عليها يتناجيا ويبنيان قصور أحلامهما فتضعهما عليها وتنتظر.

وشيئاً فشيئاً تبدأ الجوهرتان في التحول إلى أن تأخذا شكل حبيبين جالسين على الصخرة والطيور تحوم فوق قلبيهما والجلادون يشحذون ألسنة سياطهم ومخالبهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى