الاثنين ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠١٣
قراءة نقدية في كتاب
بقلم صونيا عامر

أكل الولد التفاحة

للشاعر والمفكر الفلسطيني تركي عامر

صدرت الطبعة الثانية من «أكل الولد التفاحة» للشاعر تركي عامر عن مطبعة ليال، جنين، فلسطين، بعد طبعة أولى صدرت بالجزائر في العام 2010 عن دار الثقافة الجزائرية لمناسبة «القدس عاصمة للثقافة العربية».

جاء الديوان في 196 صفحة من القطع الوسط، احتوت لغة تركعامرية ( تيمنا بصاحبها) الذي خلق لغة متفردة تخصه وحده ومعجما مميزا من حروف لا تشبه أحدا "أُمْهُودَة، شعريائيّة، نثريائيّة، لباتيب، سأشقُّ العديلة، أوزانستان ، قوافيلاند، كالورياليٌّ".. وسواها.

للشاعر فلسفة مفادها أن لا حياة دون خيال، دون حلم يسعدنا ويرتقي بنا "وليس آخرًا، لا تراوحُوا أمامَ مرآةٍ لا تحرّضُ على الحُلُم" .كي تصطلح الحياة وتزهو "علَّها تتقمّص في نفقٍ يجيدُ أبجديّةَ الضّوء". يفتتح عامر قصيدته برثاء حال مريرة مفروضة على شعب لم يخير بحكم قاهر لا حول لهم فيه ولا قوة:

 لن أعودَ إلى المرعى".
 من أين؟ من جزيرةِ "لن".
 مفتوحةٌ على التّأويل.

راثيا حال العرب التي أودت بهم كأمة مغلوبة على أمرها إلى غياهب النسيان والتهميش:

لنْ أُقْلِعَ عن تدخينِ العروبة، ولو ألحقْتُ ضررًا
بصحّتِنا "القوميّة". مِنَ المجيطِ إلى الخليج. لا، لستُ
عميلاً لشركاتِ السّجائر. لمزارعي التّبغ.

لينعي باللوعة ذاتها مرارة الحال:

عندَنا "قواعد" وليس عندَنا "لعبة".

ليعرب عن غضب جم حول اتهام الغرب للشرق المسلم بالإرهاب، معترضا على مشيئة لا يراها إلهية:

سيخرجُ دخانٌ أبيض. لن نقبلَ أنْ يموتَ قداسةُ

البابا، هذهِ المرّةَ، قبلَ أنْ يعتذرَ لـ "غيرِ المغضوبِ

عليهم ولا الضّالّين"، عنْ تهمةِ الإرهاب.

يبرهن الشاعر تركي عامر عن انتمائه العربي، بإشارته لأصله اللبناني قبل أن يكون فلسطينيا كذلك:
"أتحدّرُ مِنْ عائلةِ مستوطنينَ لبنانيّة، تقيمُ في الجليلِ منذُ فخرالدّين. قبلَ الزّلزال"،
واصفا النكبة ليناقش قضايا لبنانية داخلية ملبسا إياها ثوبا عربيا وإقليميا:

من قتلَ الحريري؟ سؤالٌ لن يطويَهُ أيُّ تفاهمِ نسيان.

أرجو التّدقيقَ والتّحقيق، أيّها السّابحُ في بركةِ الدّم!

موجها اتهاما واضحا وصريحا نحو "مَن يغارُ مِن ستِّ الدّنيا، أمِّ الشّرائع، (ضالعٌ في مستفيدٌ من) اغتيالِ الحريري".

لتركي عامر ميول شعبية تضامنية واضحة، فهو من عامة الشعب وإليه يعود "صرخةُ "بَيّ العيل المستورة" تفتّتُ الحجر. لا تسمعُها، الأنظمةُ المتحجّرة"، معقبا على مقتل الحريري. مشيرا لما للمكان من أهمية، ولخطورة الأطماع التي تحيط بنا "العصمةُ بيدِ الجغرافيا. قد تقصمُ ظهرَ التّاريخ".

كما هو واضح مدى اكتئاب الشاعر وإحباطه على المستوى الداخلي الوطني الذي يعيشه مغيبا باحثا عن الوطن الحق، الوطن المسلوب "مِن هنا لا أرى الأفُق. أرى طريقًا إلى حيثُ أنتِ، أيّتها الحرّيّةُ الـ (بيضاء)! " ما الحبُّ إلاّ....".

متهكما على سخرية الموقف، متهما العرب والعالم بالتضليل وبالاتجار بالقضية:

مَوْتُ رئيس، أوّلُ فيلمٍ تسجيليّ فلسطينيّ يحصدُ

جوائزَ ثلاثةِ مِهْرجانات: كان والقاهرة ورام الله.

آملا أن يخيب ظنه، ويحظى ببعض سكينة وهناءة بال، ضد عالم متآمر وزمن لا يرحم "يا دارَة" لا تدوري "فينا" عكسَ العقارب!". لديوان الشاعر عامر عاليات ثمان، مما جاء فيها:

الصّمتُ العالي: إبرةٌ لا خرمَ لها ضائعة. كومةُ

القشِّ محصّنةٌ بوجهِ الرّيح. سارقُ النّارِ محكومٌ

بالسّجنِ المؤبّد.

ليعود آخذا دور المشتكي، معبرا عن إحساسه الحقيقي وواقع الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج:

الشّرقُ والغربُ والشّاشاتُ تعرفُني،

والقمعُ والقهرُ والإعدامُ والعدمُ!

معلنا هجرته الحياة اليومية التي باتت بنظره سقيمة الى ملاذه الأقل ألما والأكثر أمانا، نحو الكتابة :

بمقص،ٍّ مِن القَلَقِ،

سأقص،ُّ شريطَ الصّباحِ وأمضي

إلى الوَرَقِ.

عالما متيقنا بأنه يحاول الهرب من شدة الألم:

أقولُ ولا أقولُ ولا أُبالي،

فهذا الحبرُ من بحرِ السّؤالِ!

بين الشاعر والزمن عقدة لا حلّ لها، هو يرفض الزمن، لا يتقبله:

وقتٌ حُوتُ،

ياقوتُ الرّوحِ لَهُ قُوتُ.

وفي مكان آخر:

سأراوحُ، إذَنْ،

في زماني، خارجَ المكان،

إلى أنْ يُبَيِّضَ اللهُ مُسَوَّدَةَ القصيدة.

وفي مكان آخر:

الوقتُ أفعى تبدّلُ ثوبَها كلَّ ثانية.

كما ويخشى الموت، لا يحبه، راثيا نفسه بنفسه:

بتغريبةٍ
أسمّيها "على هامشِ القصيدة".

بصَماتٌ يتركُها، دونَ أنْ يدري، على شبابيكِ الرّوح،

لا تمحُوها الرّيح. لا الشّمسُ ولا المطر.

هو تركي عامر الإنسان الذي لا ييأس، لا يكل ولا يمل، ليعود محاولا إيجاد حل للازمة:

أم تُرى في بالِ المتوسّطِ

أغنيةُ تْسُونَامِي تصرُّ لنا كَمُّونَة؟

واجدا بالكونية الحل الأمثل، نابذا العنف، ماسحا الحدود، معلنا المواطنية حسب الإنسانية فحسب، مناشدا الأمة داخليا وعلى مستوى الخارج المثابرة في سبيل تحصيل الحقوق المكتسبة، ومهددا بالاندثار نتيجة التخاذل فيما لو حصل:

سأمحُو الحدودَ مِنَ الخريطة. يصيرُ الكوكب دولةً
واحدة. أسمِّيها "إنْسانِسْتان".
سأمُحو حدودَ "الوطنِ العربيّ". تصيرُ العرب دولةً
واحدة. أسمّيها "عَرَبِستان".
سأغيّرُ كلمتَيْن في "وثيقةِ الاستقلال. تصيرُ "دولةً
لجميعِ مواطِنيها. أسمّيها إسْراطينِسْتان".
مع ضمانِ "حقِّ العودة"؟

وفي موضع آخر:

أمامَنا عملٌ كثيرٌ، وإلاّ اندثرْنا شرَّ اندثار.
 
وعن المرأة:
 
نسخِّرُ عطاءَها. ونسخرُ مِن
أدائِها. نقدِّسُها. وندنِّسُها.
 
وعن الأطفال:
 
جيوشٌ عاطلةٌ عَنِ العمل،
ولا طفلٌ واحدٌ يبكي.

رغم لقبه الشهير "مجرم حبر" وضلوعه المنقطع النظير ببحور الشعر وقوافيها، إلا أن للشاعر موقفا من الحداثة، يرى فيها الأمل والاستمرارية ومواكبة روح العصر، معلنا تمرده على مجتمع لطالما قمع الموهوبين قاتلا مواهبهم:

ثأْرًا لشجرةِ نثرٍ تنزفُ تحتَ قباقيبَ موزونات،
شُوهِدَتْ واحدةٌ "موزونةٌ" عالقةً بشعرِ شلعةِ "نثاثير".
 
منزَّهَةً عن الحُلُم، تطرحُ أسئلةً يجيبُ عليها الدِّينُ أو
العلمُ أو الدّولة، هل تكونُ قصيدة؟
 
لا تذهَبْ بعيدًا جدًّا! نحنُ قومٌ لا يحبُّ الّذينَ
يذهبُونَ بعيدًا جدًّا.
 
يُحِبُّونَ أن يَكْرَهُوا.
يَكْرَهُونَ أن يُحِبُّوا.

لينهي ديوانه، بدعوة صادقة للحب، متصالحا مع نفسه راضيا بقدره المحتوم، معترفا بالوقت، ولكن على هواه:

لم أحبَّ
مثلما أحبُّ الآن. أريدُ أنْ أموت. على حبٍّ يجعلُ
الموتَ تافهًا.
موعدُ سفرٍ وشيك. تتثاءبُ
الحقيبة. لا شيءَ سوى حجرٍ وغصنِ زيتون. يتمزّق.
سينسحب. سيتركُ لاشيءَ ويرحل. لكنَّهُ لا يَجْرُؤُ
على الموت.

وبخفة دمه المعهودة، يعود لاستخدام معجمه الخاص، مصنفا كتاباته بأسلوب مبتكر، أسرودةٌ، أنصوصةٌ. معترفا بأن ليس لهذا الزمن من أبطال، مخاطبا والده المرحوم، مستبقا اللقاء المحتوم، بطلٌ من ذاكَ الزّمان.

للشاعر والمفكر الفلسطيني تركي عامر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى