الاثنين ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣
بقلم عبد الجبار الحمدي

لونلي بيرل ...........ج1

جفلت وتيبست أوصالها، لما نظرت فجأة إلى الكلب الذي وقف مكشرا عن أنيابه، نابحا عليها وذلك اللعاب، الذي أخذ يتناثر في كل ناحية، فبعد ان كانت تسير بين أجمة من الخضرة منصتة إلى حفيف وريقات أشجار، وهي تحاكي به بعضها البعض، عندما سمعت صوتا ينادي..
كف عن النباح يا بلوم .. توقف هيا وقف مكانك، تطلعت باتجاه الصوت، وإذا به يصدر عن شاب حسن الملامح بهي الطلعة، وحين رآها بادرها قائلا: عذرا لم يقصد بلوم إفزاعك، لكنه يتصرف دوما هكذا مع الغرباء، إنني أدعى.. سيتش مكروغر، وأعيش بالقرب من هذا المكان، لقد اعتدت وبلوم على الاسترخاء في مثل هذا الوقت من كل يوم... هناك في ذلك المكان مشيرا بيده، بالطبع افعل ذلك بعد العمل في مزرعتنا أنا ووالدي الذي أقوم بمساعدته في فترة إجازتي الدراسية، أأتي لأمارس هوايتي وهي العزف على الهارمونيكا، لا شك أنك الفتاة التي سكنت حديثا مع والدها بالقرب من المستنقع، لقد كان هذا المنزل، مغلقا ومتروكا فترة من الزمن، لم أشهد أن أحدا قد سكن به قبل اليوم، إلا أن والدي اخبرني بأنه كان ملكا لزوجين في ذلك الزمن،

استغربت الفتاة لاسترسال هذا السيتش بالحديث معها دون معرفة سابقة، وقد بدى ذلك على وجهها فقال لها: لا تستغربي!! فالأخبار هنا تنتقل بسرعة، خصوصا أن المنازل المحيطة معدودة والجميع يعرف بعضه البعض، عفوا هل لي بمعرفة اسمك؟ هذا إذا لم يكن لديك مانع...
كانت الفتاة قد انشغلت بما قاله طوال فترة حديثه معها وكأنه يعرفها ....

فقالت: أنني أدعى لونلي بيرل..، اقصد بيرل رون، حضرت مع والدي إلى منزلنا هذا، فهو كان المنزل الذي يعيشان والداي فيه بذلك الزمن الذي اخبرك والدك عنه، وقد ماتت أثناء ولادتي، فحزن كثيرا عليها، وقد أسماني بيرل، على أسم والدتي، لقد كان يحبها كثيراجدا، وكثيرا ما قص لي انه كان يتمنى أن يكون عنده لؤلؤتين في قلبه، إلا أن الموت خطف واحدة، وبقيت الثانية يتيمة وحيدة، لذا أطلق علي لونلي بيرل، وبعد إلحاح مني ورغبة بداخله، عدنا إلى العيش في المنزل الذي شهد ولادتي وممات والدتي بيرل، إضافة أن والدي كاتب روائي، ويحب الهدوء والابتعاد عن الصخب، لذا رآها فرصة مناسبة للتغيير من الأجواء التي كنا نعيشها في المدينة...

 سيتش: غريبة قصتك هذه وكأنها نسج من خيال ..

 بيرل: لا أدري يا سيد سيتش، لم أصلا قصصت عليك قصتي، ربما لأنك لم تضع حاجزا للحديث بيني وبينك، أو تكلف، لكني شعرت أيضا أني أعرفك منذ زمن، ولا تسألني كيف يمكن ذلك؟ فأنا لا أدري؟ من أين أتى هذا الشعور..؟! كان في تلك الفترة قد تحرك بلوم نحوها، أخذاً بالتمسح بها، وهي قامت بدورها بالمسح على رأسه، فقام بلوم بلعق يدها تعبيرا عن أسفه لإفزاعها ...

 سيتش: على أية حال مرحبا بك.. يسرني دعوتك ووالدك على العشاء، في أي وقت تحددونه، هذا بالطبع بعد موافقته، سيفرح والدي حين اخبره أن الذي سكن في المنزل هم نفس الأشخاص الذين تركوه طوال ذلك الزمن، وإذا لم يكن لديك مانع، أأمل أن أراك هنا غدا في نفس الوقت، للحصول على إجابتك بالموافقة او الرفض على دعوة العشاء، عموما بالنسبة لي سأذهب الى مكاني المعتاد للعزف على الهارمونيكا، هل تريدين ان أريك إياه..؟
 لونلي بيرل: لا شكرا لك لقد تأخر الوقت .. سأعود الى المنزل، لاشك ان والدي قد قلق الآن .. إلى اللقاء، قالتها وهي تتجه نحو منزلها مسرعة...

 سيتش: إلى اللقاء، مناديا ... أأمل أن أراك في الغد ...

كانت لونلني بيرل تفكر طوال الطريق بما دار بينها وبين سيتش، والذي بدا لطيفا معها وكلبه بلوم، إلا أن قلقها على والدها جعلها تخرج من ذلك التفكير، حال رؤيتها له وهو يقف على شرفة المنزل يملئه القلق والخوف الذي بدا عليه، فما أن رآها حتى صاح .. بيرل حبيبتي أين ذهبت؟؟ لقد شغلتني عليك وقلقت كثيرا، إن لهذا المكان ذكريات مؤلمة في ذاكرتي وقلبي...
 بيرل: لا أدري يا أبي؟ لقد سرحت وشدني الهدوء والسكينة، إضافة إلى روعة المكان والهواء النقي الخالي من كل عوادم السيارات، الهدوء الذي جعلني استمتع بسماع حفيف الشجر وزقزقة العصافير .. أنه مكان خلاب فعلا ..

 والدها: لا عليك عزيزتي.. هيا أدخلي لقد فقد عادت السكينة إلى قلبي، هيا بنا إلى الداخل لإعداد العشاء، أم تريدني أن أعد العشاء لوحدي؟ فأنا أعرف طبقك المفضل... هاهاها...
 بيرل: تذكرت دعوة سيتش لها ولوالدها فقالت: تذكرت يا أبي، لقد التقيت في أثناء سيري في الأجمة بأحد الأشخاص الذين يسكنون بالجوار، أسمه سيتش واعتقد انه يعرفك ووالدتي، هذا ما قاله، وقد دعانا لتناول العشاء معهم في أي يوم ..

والدها: ماذا قلتِ يا بيرل.. سيتش؟ وجيراننا!! نحدده معهم!!!.. دعوة على العشاء.. كل هذا حدث في غضون ساعات فقط من دخولك الغابة للسير والاسترخاء .. يا للعجب كيف حدث ذلك؟؟

 بيرل: لا أعلم يا والدي؟ فقد حدث ذلك بسرعة جدا، وكأني أعرف هذا السيتش منذ زمن، فبدا لي لطيفا خصوصا أن لديه كلب أسمه بلوم، شرس في البداية ووديع جدا حين تعرفت عليه وتعرف علي ..

 والدها: كان مشغولا بتورد وجنتيها وهي تتحدث عن سيتش هذا وما دار بينهما، لكأنها كانت في مغامرة واختبار لنفسيتها في خلوة ووحدة ...

والدها: معلقا... يا لك من شجاعة يا بيرل الغالية... حسنا لنكمل حديثنا بعد أن نجهز الطعام ونعده.. سيكون موضوعا شيقا أليس كذلك؟؟... نظرت إلية هي تبتسم وراحت تعمل على تجهيز الطعام والمائدة معه ...

أما في تلك الأثناء، كان سيتش قد عاد هو الآخر، بعد ان قضى فترة استجمامه وعزفه على الهارمونيكا مع كلبه بلوم، وأثناء جلوسهم على المائدة مع والديه اخبرهم بما حدث له وبمن ألتقاها في الغابة، وما دار بينهما من حديث ، وعن دعوته لها ولوالدها على العشاء، هذا بالطبع بعد أن يوافق والدها عن ذلك، أما بالنسبة لكما فلا أظن ان لأحدكما أي اعتراض في ذلك..

 والد سيتش، ماذا قلت... بيرل!! نعم إني أتذكر ذلك الاسم جيدا، وأظن أن زوجها كان اسمه.. وتطلع نحو زوجته وكأنه يسألها المساعدة، بيد أنها كانت منشغلة في توزيع الأكل على المائدة، أظنه أسمه كان رون، أجل رون لقد تذكرت، لقد كان شابا رائعا، وهي كذلك ، لقد كنت قد خطبت والدتك توا، وكانت والدتي سعيدة بذلك، بعد ان قضى والدي نحبه إثر سكتة قلبية، وتركني ووالدتي وحيدين، لم تتغير حياتي إلا حينما سكن رون وبيرل بالقرب منا، كان الاثنين شعلة متوهجة للحب، إنها كانت كل حياته، وهو بالنسبة لها كل حياتها، نعم .. نعم أتذكر جيدا، حين ماتت، بعد ولادة ابنة لهما، لا أعرف ماذا أسماها فقد ترك المنزل بعد مراسيم الدفن، اختفى دون أن يعرف أي احد إلى أين؟ يا له من زمن ها هو رون قد عاد، أتذكرتي الان عزيزتي ديز...

ديز: نعم لقد تذكرتهم .. يا للصدفة!! ..

 سيتش: هذا يعني أنك تعرف والدها، هذا جيد ... إذن سيكون هناك حديث بينك وبينه، ويمكننا أن نتعارف، لقد كانت بيرل شفافة خجلة..

 والد سيتش: يبدو أنك قد أعجبت بها، يا للعجب! كيف وأنت لم ترها سوى لبرهة من الزمن، لا شك إنها فائقة الجمال تلك التي شدتك إليها .. فأنت لم تعجب بالفتيات بسهولة، رغم أنهن أمامك في المدرسة ..

 سيتش: أبي .. إنك تفترض هذا .. أتدري! يبدو أنك محق فأنا أفكر بها منذ أن رأيتها، ولا أدري ما السبب؟

 والدة سيتش: هيا أنتما الاثنان تناولا طعامكما قبل أن يبرد، يا لكما من شقيين .. لا أدري كيف لكم أن تحكموا على مشاعر الآخرين دون العشرة معهم، ولا تنسوا ربما جاءوا لفترة استجمام ومن ثم العودة، هل فكرتم بذلك؟ أو ربما لا يوافق والدها على الدعوة أصلا ولا يريد الاختلاط مع الآخرين..

 سيتش: أمي .. إنك دائما تفكرين بسلبية .. فقط ولو لمرة واحدة فكري بإيجابية، عل الصدفة التي جاءت بهما، هي لأمر لا ندركه الآن، والأيام القادمة ستكشف لنا الكثير ....

كانت بيرل وبعد أن جهزت الطعام مع والدها صامتة، تعمل بهدوء، سارحة في غير عالم، لاحظ والدها ذلك فأراد أن يخرجها من ذلك الجو فقال: صغيرتي بيرل.. ما هو رأيك في هذا المكان؟ أليس هادئا ومنعزلا؟ أنا متأكد أنه سيبعد عنك تلك الكوابيس التي كنت ترينها، كما سيريح أعصابك من التوتر ...

 بيرل: هو ذاك يا أبتي، أن له عبق طيب وهدوء غير عادي، أأمل أن تنقطع تلك الأصوات التي كنت أسمعها في الآونة الأخيرة، والهوة المظلمة الذي تدفعني أيدي خفية نحوها...

 والد بيرل: بيرل عزيزتي.. لا تذكري الأشياء السيئة، هيا لقد جهز الطعام لنأكل معا فأنا جائع جدا هيا ..

جلس الاثنان لتناول الطعام، كانت بيرل فرحة باهتمام والدها الذي يبديه، فهي تعلم أهميتها فهو قد ترك كل أعماله مقبعة لوحدها لمجرد انه يريد أخراجها من المكان الذي لا تشعر بالراحة فيه...

بيرل: أبي لم ترجع لي الجواب حول دعوة الجيران لنا على العشاء، هل لديك مانع في ذلك؟
كان والدها ينظر إليها وهي تتحدث ورغبة خفية تشدها إلى تلبية هذه الدعوة،

والدها: لا أدري بيرل فأنا حتى الآن لم اعرف من هم الذين وجهوا الدعوة لنا، أو بالأحرى لك، يجب في بادئ الأمر أن أراهم ومن ثم أقرر، وغدا سأرافقك ونذهب بحجة السير والاسترخاء، ونُعرج على مكانهم لنرى من يكونوا، ما رأيك بهذا الاقتراح؟

 بيرل: أنه اقتراح لطيف منك يا والدي ... ليكن ذلك ، ومضيا يتبادلان الحديث المكان وذكرياته..
جاء المساء يسير مسترخيا هو الآخر، بيد أن بيرل قد وقفت على نافذة غرفتها تتأمل الظلام البعيد وقد خرقه نور القمر والنجوم معا الى جانب نسمة هواء بارد سخرت نفسها لتتلاعب بخصلات شعر بيرل، التي أحست بقشعريرة منها، فضمت يديها على عضديها مصطكة أسنانها، ثم رجعت إلى الخلف قليلا لتغلق النافذة حين رأت خيالا لاح لها يخطف من شجرة الى أخرى، ارتعبت .. رجعت إلى الوراء فجأة!!؟ ثم عاودت الاقتراب منها لترى حقيقة ما شاهدته، وإذا بخيال أمراة تقف بالقرب من الشجرة وهي معلقة في الهواء، فزعت!!! صرخت على والدها الذي هرع بسرعة الى غرفتها، دفع الباب مناديا .. بيرل ما بك يا فتاتي؟ هل أصابك مكروه؟؟ أمسك بها وهي ترتعش كالسعفة، أدرك إنها قد رأت ذلك الكابوس مرة أخرى، لكنها أشارت بيدها إلى النافذة، تطلع نحو ما أشارت إليه، وقال ماذا ؟ ماذا هناك؟؟
 بيرل: أنظر يا أبي هناك إلى الشجرة البعيدة المقابلة لنافذة غرفتي، إنها أمرآة طائرة تنظر إلي بعد أن خطفت أكثر من مرة أما عيني ..

 والدها: ماذا تقولين بيرل؟ واخذ ينظر نحو الشجرة البعيدة، ولكنه لم يشاهد أي شيء، فقال: بيرل لابد ان الكابوس قد عاد إليك حبيبتي، هيا عودي الى فراشك وأنسي ما رأيتي ، لا شك ان السفر وتعب الطريق قد نال منك، لا عليك يا صغيرتي فأنا بقربك دوما لا تخافي شيئا ... هيا نامي وجلس بقربها بعد أن دثرها، ماسحا بيده على شعرها مقبلا جبهتها..

 بيرل: يبدو أنك لم تصدق ما شاهدته؟ أنا لم أتخيل ذلك، وحتى الكوابيس لم ارها منذ قدومنا قبل يومين، صدقني يا أبي لقد رأيت ما وصفته لك...

 والدها: أني أصدقك بيرل، ولأثبت لك، سأذهب لأرى بنفسي المكان الذي أشرت لي عنه..

 بيرل: لا يا أبي أرجوك لا تذهب أني أخاف الوحدة، كما أني أخاف عليك .. لا تذهب أرجوك ..

 والدها: حسنا .. حسنا، هدئي من روعك، لن أذهب، سأبقى معك وسأنام على الأريكة...

 بيرل: شكرا لك يا أبتي... أفضل أن تنام بغرفتك، ولكن ليس بعد أن تراني اسلم نفسي إلى النوم ..

 والدها: كما تشائين يا لؤلؤتي الصغيرة ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى