السبت ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم خالد صقر

أقاصيص من عصفورية الوطن

(1)
 في هذه الليلة.. سأمتطي القمر.. سأحاول ترويضه.. و أجعل من درعي سرجا.

لا أحد يؤاخذني على جنوني المبكر.. أو بوحي الهمجي..

لا أحد يُشرح كلماتي أو يبحث لها عن معنى. "أجمل الكلمات هي التي توجع بلا معنى "
هناك.. في جبال الجليل.. قرب السماء إلا قليلا..

كان الراعي النصراني يعزف على نايه لحن الرجوع...فينبت العشب من كفه.. بلون البنفسج ورائحة البحر...

هناك.. هناك في الجليل.. حيث ينام أخر القياصرة في خلود مؤقت.. كنتُ أنا... وكان الشِعر …
وكانت مريم تبكي على حصاد العام الذي لن يأتي وعلى أخر الأنبياء.

أخبرني يوماً أبي ( و أبي كان فيلسوف كنعاني وصديقً للملائكة والجن (أخبرني أن الأرض ستنشطر إلى نصفين أبيض و أسود.. وحذرني من أن أكون رمادي اللون...

أبي صلبه السلطان على باب دارنا لأنه ضحك حين مات.!! " قلة أدب "

كان عشقي مبكر " ربما كنت في الأربعين من ربيعي رغم سنواتي العشرة اليتيمة ".. أذكر أن غيدا وهكذا كان أسمها طرقت باب خيمتنا تبحث عن بقايا تمر ورغيف..

أمي عشقتها إلى حد الثمالة.. وأنا لم أكن أعلم أنني قد أدمنتها..

غيدا كنعانية الوشم والرائحة.. سمراء بجديلة سوداء تعانق الأرض.. تبتسم نصف ابتسامة خوفا من فتنة الرجال رغم عمرها الوردي.

كنا نلعب سويا.. ونغزل الحلم بلا ثمن.. لا نملك سوى الحلم والأحزان وليل المخيم.
وكبرنا وكبرت أحلامنا.. و و و تزوجت غيدا من المختار.. كانت تبكي ليلة عرسها وأنا أواصل الرقص على أنغام " اليرغول" وابكي معها...

ترى أين غيدا الآن ؟ و أي البلاد تحتويها؟

استمع لصهيل القمر المنهك.. أشفق عليه.. أترجل من فوقه.. وأعتقه لوجه السماء...
غداً أمتطيك أيها القمر.. غداً أواصل معك الجنون العذري.

(2)

جميل أن تشعر انك بمفردك وسط غابة من أبجدية اللغة، والعيون تتربص بك مع كل إشراقه نهار.
ترى ما الذي يدفعني إلى الكلام ؟

وحدة.. أرق.. غثيان؟
أم مجرد عبث لا أكثر !!.

قال لي كاتب مغمور..." يا أخي ملعون أبو الحرف إلي ما يجيب حق الخبز ".. ( مجرد مرتزق ).
فأنا أكتب لمجرد الكتابة.. لمجرد أنني هاوي لا أكثر.. ابحث عن ظل قصيدة أو عيون حكاية.. أكتب لأصرخ بشكل مختلف.. بشكل خرافي.. وينتابني حلم منذ الطفولة بأنني مبعوث رسمي من مملكة عبقر الأسطورية ( جنون مبكر )!.

صدقوني الحرف لا يحرر الإنسان فلم تقم الحرية على الكلمة بل على الطلقة.. الطلقة وحدها هي التي تضع نهاية لكل قصة أو قصيدة أو ريشة. ( لا أدعو إلى ثورة).
أعترف أمام نفسي أن كل كتاباتي عبث..

هذيان.. خزعبلات... فلسفة عقيمة تنبت وسط ركام الحياة الرتيبة. ولا أحد يؤاخذني إن ضحكت على كاتب يحاول أن يكتب عن الحب العذري رغم زوجته البغيضة !!

أعتقد أن الكتابة هي نزق.. ثرثرة.. أو وسيلة للهروب من عجزنا أمام الضربات الموجعة.
فما فائدة الكلمة أمام طلقة تنام في صدر طفلة أسمها حنين؟؟ ما الجدوى من كل الحروف إن آلت للسقوط؟ ما فائدة " القصيدة إن لم تخرج خلفها مسيرة" مع الاعتذار للشاعر أحمد مطر
أعترف أمام نفسي و أمامكم أنني أهذي ولست مسئول عن أي بلاهة أسببها للقارئ.

(3)

احذر أيها الكنعاني

أنت تمشي بين الأشواك الملطخة بدماء القصيدة...

هل تبحث عن آية أيها النبي؟ أم عن نهاية مؤسفة.؟؟

كتبتُ يوما...

شكرا لرجل الأمن الذي يضربني ويبكي على آلمي ورغم ذلك يرفض رفض ألأوامر " هكذا تربى وهكذا سيكون".

تذكرت جلادي رغم أنني لم أنساه..

أنا من بلاد الأساطير...

وصلتني رسالتك مع الهدهد.. وأمرت الجند بإغلاق الحدود في وجه طوفانك.

أعرفك جيداً وتعرفني أكثر

إنسان أنت في ثوب مجنون ونصف فيلسوف

هكذا عرفتك

وهكذا ستعرفني.

وأنا المحارب المهزوم بكل شرف " الجندية و الأبجدية "

أنا الشاعر المصلوب على عتبة الهزيمة العربية.

اجلس.. اجلس بجواري وأتلو ما أنزل عليك من " هرطقا أو آيات أو سمها ما تشاء"
ودعني أنزف نزيفك لأهون عليك و على نفسي موتي الأخير.

هل ترى هذا السيف الأموي؟

هذا سيف احد جدودي المنسيين في كتب السيرة.. تركه عند تاجر يهودي يقطن في حواري القدس القديمة.. " اليهودي خان الأمانة"

و ( تبول ) فوقه... لا تحزن.. رأس اليهودي توارثتها الأجيال مع هذا السيف.
وألان سأصمت قليلا بجوارك وأستمع إليك ربما نصبح أصدقاء في إحدى " مستشفيات الأمراض العقلية" الممتدة من المحيط إلى الخليج.....

انتظرك إن شئت، وانتظر نفسي.

( أدعوا كافة العقلاء" المجانين" بالبحث هنا عن هويتهم المفقودة )

(4)

وحين خطوت أولى خطواتي في العشق.. لعنتني السماء.

لم أعد من حالة عشقي.. ولم تعد روحي إلي.،أصبت بلوثة سيزيف.

فقدت سنوات الزهر في الكر والفر و الفر والكر " حلقة مفرغة من كل شيء " حتى من الهواء النقي.

كم أتنمى أن أملك ريشة خاصة لأعيد رسم هذه الأرض من جديد..

" ترى من سيعشق البحر إن أصبح لونه كاللون دماء الخيول؟".

اضحك من شدة البكاء!

لمً أضحك؟؟

أضحك على من يبحثون بين سطوري عن أسمائهم المنسية.

أضحك على من يفهم أو لا يفهم كلماتي. ويحاول تحليلها " كما يحلل البراز".

أضحك على جنوني وعلى قيس أبن الملوح وعلى متنبي يتنبأ بسقوط ( القمر)

انتظرتك اليوم ولم تأتي...

ترى هل عُلقت رأسك بجوار باقي الرؤوس في مكتب الفخامة؟ أم ليس بعد؟
هنيئا عليك موتك؟؟

أخر الأحزان وعليك السلام.

هل تعلم ليلة أمس زارني أحد الشهداء في الحلم..

تقاسم معي رغيف الصباح.

كان يبكي من الداخل.. يتأوه من شدة الألم.." صديقي.. يؤلمني خوفي" هكذا قال لي وتلاشى كالضباب.ترك لي رسالة من نور،،،

صديقي لا تعد..

لا تعد،،

وأحذر ضباع الليل

وأحذر تلك العيون.
إلى لقاء قريب...

في كون أخر.

(5)

 ومن هنا بدأت الحكاية...

كان يمشي فوق عشبه الأخضر حافي القدمين.

لم يأبه لدمه المراق فوق أوراق القرنفل.

راح يمشي ويمشي.. نحو الأفق.

لم يكن يعلم أن هذا الأفق ليست له بداية وليست له نهاية.

جلس ليستريح وأخذ يبكي، حتى اغتسلت روحه من قطرات الملح.

لحظة...

بزغ فجر جديد..

انشق القمر..

سمع ولم يرى من يحدثه....

" يا فتى لا تحزن إن الله يبشرك بالخلاص "

هنا ابتسم

وتذكر الله وواصل المسير...

نحو الجنة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى