الاثنين ٥ أيار (مايو) ٢٠١٤
بقلم غزالة الزهراء

سر السعادة

تماسكت علياء كشجرة سرو عالية ، وجابهت تصريحات الأطباء المؤلمة بصبر وإيمان كبيرين ، إيمانها بالرحمن الرحيم ازداد صلابة ومتانة أكثر مما كان عليه من ذي قبل ، هو الذي يمنح ويمنع ، وبقدرته الفائقة التي لا تعلو فوقها قدرة يفعل ما يشاء .

كلما اندمجت في الحديث مع والدة زوجها ، وبناتها الثلاث إلا وصدمنها بهمزاتهن ، ولمزاتهن ، ونظراتهن الحاقدة المتخابثة ، يتضاحكن بمكر مقرف ، وعجرفة مقيتة بغية إغاظتها واستفزازها .
تزداد تماسكا ، تبدو أمامهن كجبل أشم تناطح ذروته السحاب .
تتفجر والدة زوجها كما بركان غضوب ثائر : إلى متى ستظلين هكذا دون أن تنعمي بالأمومة الخالصة؟
ـــ إذا كان الأمر بيدي فلن أتأخر ، هذا نصيبي من الدنيا يا حماتي .
تهاجمها البنت الكبرى التي شارفت على الأربعين عاما ولم يطرق بابها النصيب : أخي يريد أولادا، يريد أولادا ، أتفهمين؟
تنطق الصغرى من بينهن ساخرة متذمرة : تسعة أعوام تآكلت من عمرك من غير جدوى ، ماذا تنتظرين ؟
أما الوسطى اندفع من حنجرتها صوت مزلزل كأنه القصف اللعين : أنا من أبحث لأخي عن البديلة ، ستحل محلك إن عاجلا أم آجلا .
ردت عليهن من غير نفاق : طرقت جل أبواب الأطباء ، ولكن لا حياة لمن تنادي .
نفثت حماتها سعير غضبها من شفتيها الغليظتين ، ووجهت لها رمح سمها لترديها قتيلة : صرت فارغة كالطبل ، خاوية كالقصبة ، الموت أرحم لك من الحياة .
ـــ أيرضيك أن أجعل حدا لحياتي من أجل ما ليس لدي فيه حيلة ؟ أتريدينني أن أكون في منتهى الضآلة و الجبن ؟

تنصرف علياء إلى غرفتها لأن الجو تكهرب بالشجار والمناوشات .
حركت يدها بخفة ، فتحت النافذة لتلج كميات هائلة من الهواء رطبة نقية إلى الداخل ، تنفست منتشية مثلما تتنفس عبير الأقحوان الزاكي ، وسرعان ما وقع نظرها على طفل يتسلى بدراجته الجميلة ، تبرعمت أعماقها أنسا وحبورا ، وسادها نوع من الاطمئنان العميق ، تلذذت بنكهة هذه اللحظة المميزة ، تمنت في قرارة نفسها لو تطول دهرا ، وأن يكون ذلك الطفل هو قرة عينها تداعبه عن حب ورضا ، وتزرع في أذنيه الطريتين أحلى مناجاة .

همست علياء في سرها : زوجي يحبني أكثر مما أتصور ، ومن غير اللائق أن تحتل امرأة أخرى مكاني .
قال لها زوجها بغية إشراكها فيما خطر في باله : ما رأيك لو نشتري مجموعة من الهدايا ، ونوزعها على الأطفال المرضى بالكلى ؟
غمرها شلال من الفرح ، المفاجأة التي سمعتها منذ حين كادت تعقد لسانها ولذا تركت العنان لدموعها تهدر كالمطر الفياض ، الأطفال هم سحر الوجود وزينته ، وهم في نفس الوقت منبع سعادتها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى