الخميس ١٥ أيار (مايو) ٢٠١٤
بقلم عادل عامر

التضليل العام لإصلاحات الاقتصادية

على مدار عقدين من الزمن انتظر المصريون ثمار ما سمي بالإصلاح الاقتصادي، ولكنهم وجدوا في النهاية ارتفاعا في معدل البطالة وصل لنحو 15 في المائة، كذلك ارتفاعا في معدل التضخم اقترب من 18 في المائة. والأمّر من ذلك خط الفقر الذي انضوى تحته نحو 25 في المائة من سكان مصر. أما الفساد الذي ساد كل أرجاء الجهاز الإداري للدولة، فحدث ولا حرج. أن عجز الموازنة العامة يعد عجزا هيكليا هو تزايد هذا العجز عاما بعد آخر برغم الإصلاحات الخاصة بالسياسة المالية والتي ب بدأت مع برنامج الإصلاح الاقتصادي في بداية تسعينيات القرن العشرين - مع استثناء الفترة الأولى - كما تبعها إصلاحات أخرى حتى وصلنا إلى الإصلاحات الأخيرة والتي بدأت بإصدار القانون ٩١ لسنة ٢٠٠٥ والذي أعتبر نقلة نوعية كبيرة في الإصلاحات الضريبة، فضلا عن الإصلاحات الأخرى، وقد توج ذلك بالإستراتيجية التي وضعتها وزارة المالية من أجل التخفيض النسبي لعجز الموازنة وتخفيض الدين العام، لكن ذلك كله لم ينجح في تخفيض عجز الموازنة أو تخفيض الدين العام، بل على العكس تماما زاد عجز الموازنة وزاد الدين العام.

يعاني الاقتصاد المصري منذ فترة طويلة من حزمة من المشكلات المزمنة، أبرزها ما يلي:

1- عجز الموازنة العامة الذي يقدر بـ 9 في المائة، والدين العام الذي وصل إلى أكثر من 900 مليار جنيه مصري في شقه المحلي، ونحو 32 مليار دولار في شقه الخارجي.

2- تأتي البطالة لتمثل واحدة من معضلات الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسب المنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10 في المائة و15 في المائة، ويرجع الجزء الأكبر منها لنظم التعليم التي لا تربطها بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنه مطالب سنويا بما بين 700 ألف و750 ألف وظيفة سنويا.

3- توصف الموازنة المصرية بأنها موازنة استهلاكية تصرف معظم بنودها على النفقات الجارية، وتقل فيها الاستثمارات العامة، بسبب التوجه الحكومي بعدم الدخول في استثمارات عامة جديدة، باستثناء بعض المخصصات للمرافق العامة.
4- تمثل الإيرادات الضريبية عدم عدالة السياسة الضريبية المتبعة خلال الفترة الماضية، حيث يدفع الموظفون نحو 9.5 مليارات دولار، والنشاط التجاري والصناعي قرابة 4.5 مليارات.

بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المالي 2009/2010 نحو 1.2 ألف مليار جنيه، ووصل معدل النمو الاقتصادي لنفس العام 5.1 في المائة.

إن كل هذه التوقعات مهما تنوعت في الأرقام فإنها تشير لحالة تفاؤل بالاقتصاد المصري في عام 2014 مقارنة بحالة الانكماش الشديد الذي يشهده الاقتصاد العالمي عمومًا. إن مصر تحتاج عمومًا إلى مستوى عالٍ من النمو في الدخل القومي حتى تتمكن من خلق وظائف للأجيال الجديدة من الشباب التي تدخل سوق العمل كل عام. لان معدل البطالة وصل رسميًا في الربع الثالث من عام 2013 إلى 13,4% بينما تتركز 70% من البطالة في قطاع الشباب الذي يتراوح عمره بين أعوام 15 و 29 عامًا. وطبقًا لتقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن 47,7% من سوق العمل يتمثل في شباب يتراوح عمره بين 15 سنة وأعلى من ذلك و 21,9 % قوة عمل من نساء. وذكر التقرير أنه حتى مع الشهور الصعبة التي شهدتها البلاد في 2013 تم تحقيق إنجاز في المشاريع الاستثمارية الكبرى وقد قامت شركة ألمانية هي أر دبليو إي ديا بتدشين مشروع إنتاج الغاز في منطقة دسوق في دلتا النيل، كما أن إنتاج البترول من المتوقع أن يصل إلي 1،4 مليون متر مكعب في اليوم وإلي 4،5 مليون متر مكعب في اليوم في 2014.

فقد وصل عدد قضايا الفساد بهذا الجهاز سنويا لنحو 70 ألف قضية. وتقدر خسائر مصر بسبب الفساد بحوالي6 مليارات دولار سنويا. بينما قدر البعض حجم اقتصاديات الفساد في مصر بنحو 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يخفى على أحد أن الفساد هو أحد أبرز أسباب الثورة. ولا يغيب عن أحد ممارسات رجال الأعمال في تسقيع الأراضي والمضاربة عليها مما بدد ثروات كبيرة. وبعد أن حصل رجال الأعمال على جميع المزايا من ضرائب وجمارك وأسعار شديدة الانخفاض لأراضي ومرافق الدولة، اتجهوا للتجارة وأهملوا الصناعة، مما جعل من مصر مجرد سوق للمنتجات الأجنبية وعلى رأسها السلع الصينية. وانعكس هذا كله عبر مؤشرات اقتصادية مضللة تم العبث بها لإيهام المواطنين بأن هناك ثمة إصلاحات اقتصادية.

وعلى الرغم من هذه الادعاءات فإن المحللين الاقتصاديين يرون أن زيادة الضرائب ليست ضارة في المجمل للاقتصاد أكثر من تقليل النفقات، وذلك على المدى القصير، وذلك لأن التأثير العكسي لزيادة الضرائب على ا لاقتصاد، فبسبب أن زيادة الضرائب ستؤدي إلى تقليل الادخار أكثر من تقليل الاستهلاك . فعلى سبيل المثال لو أن الضرائب زادت ب ١$ فإن الاستهلاك سينخفض بحوالي ٩٠ سنت والادخار سينخفض ب ١٠ سنت، وطالما أن زيادة الضرائب لن تقلل الاستهلاك تبعا لقاعدة دولار مقابل دولار ف إن الأثر السلبي على الاقتصاد سيكون مخفف أو قليل على المدى القصير . إن تخفيض بعض أنواع الإنفاق على الرغم من كونها تقلل الطلب على أساس قاعدة دولار مقابل دولار فإنها قد تكون ضارة أكثر على الاقتصاد من زيادة الضرائب. لعلاج عجز الموازنة العامة والتغلب على الدين العام يجب التعامل مع التشخيص الحقيقي لهذا العجز وأسبابه باعتباره عجزا هيكليا وليس عجزا دوريا إذا كانت الدولة صادقة حقا في علاج هذا العجز؛ وبالتالي فالإرادة السياسية تلعب دورا هاما في ذلك، ولا أدل على هذا من قيام الحكومة الأخيرة بتعديل أسعار الطاقة للمصانع كثيفة استخدام الطاقة مثل مصانع الحديد والأسمنت، كذلك تحديد الحد الأقصى ب ( ٣٥ ) ضعف، لكن يبقى التطبيق العملي هو الفيصل في ذلك؛ لأن الاستراتيجيات ما زالت توضع وآخرها ما ورد بموازنة العام المالي ٢٠١4 من إجراءات في الأجل المتوسط لتأمين الاستقرار المالي والذي يتطلب خفض ٦٥ % من الناتج مع حلول عام ٢٠١١ من إجمالي الدين للموازنة العامة إلى ما بين ٦٠% . ٢٠١٦/٢٠١٥

وبالتالي على الحكومة الحالية أو القادمة تحويل هذه الاسترايجية أو الإجراءات إلى خطوات عملية حتى لا يكون مصيرها مثل الإستراتيجيات السابقة وتفشل في السيطرة على العجز بل تؤدي إلى تفاقمه. لا يستطيع أي متابع للإحداث السياسية التي تمر بها مصر في الأيام الأخيرة إلا ويدرك حجم الآثار والتداعيات الاقتصادية على مصر والمنطقة العربية والشرق الأوسط بل لا ابالغ لو قلت على العالم بأسره. فموقع مصر وثقلها الاقتصادي والسياسي جعلها مؤثرة بدرجة ما في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي. ففي الأيام الأولى من الحركة الاحتجاجية، هوى مؤشر البورصة المصرية بنسبة 7 في المائة خلال أربعة أيام، وهبط الجنيه المصري ليسجل أقل مستوى في ستة أعوام. ما أضطر السلطات المصرية إلى إغلاق البورصة –وهي من أكبر البورصات في المنطقة- كما تم تعليق نشاط المصارف خوفا من أعمال النهب التي حدثت عقب موجة المظاهرات الأولى. وقال محافظ البنك المركزي المصري إن نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر الذي كان من المتوقع أن يصل إلى6 في المائة هذا العام سيتضرر بسب الأزمة السياسية، وإن تدفق الأموال إلى الخارج قد يصل إلى 8 مليارات دولار، ولكن البلاد قد تعالج ذلك لأنها تعاملت مع تدفقات أكبر إلى الخارج في الماضي، مثلما حدث عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.

ان ارتفاع معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط إلى 4 % عام 2014 مقابل 2 % فقط خلال العام الماضي، وتوقع أن تحقق مصر معدل نمو قدره 2.8 % خلال العام الحالي مقابل 1.8 % خلال العام الماضي، وبالنسبة لمعدلات التضخم يتوقع أن ترتفع من 6.9 % خلال العام الماضي إلى 10.3 % العام الحالي، وعلى العكس ستنخفض معدلات البطالة بدرجة طفيفة من 13 % إلى 12.8 %.

أن نمو الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يرتفع من 3 % عام 2013 إلى 3.7 % في عام 2014، وإلى 3.9 % في 2015، وهذه التوقعات تزيد عن التوقعات السابقة للصندوق التي أصدرها في شهر أكتوبر الماضي بنسبة 0.1 %، وأكد تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" لشهر يناير الحالي حدوث تحسن ملحوظ في حركة التجارة الدولية خلال النصف الثاني من العام الماضي، ومن المتوقع أن تستمر خلال 2014، لافتا إلى أن تحسن أوضاع الاقتصاديات المتقدمة وزيادة الطلب بها سيساعدان الأسواق الصاعدة على مزيد من التحسن في الوضع الاقتصادي الداخلي.

وأشار التقرير إلى أن التطورات السياسية في مصر ستكون المحدد الأساسي لوتيرة الإصلاحات ومستوى الثقة ومدى النشاط المحلي، بسبب الاختلالات المالية والخارجية الكبيرة التي تواجهها، مؤكدا أن التمويل المقدم من بعض دول مجلس التعاون الخليجي لمصر، سيساعد على تخفيف القيود التي تواجهها المالية العامة في المدى قصير الأجل، وهو ما ساعد الحكومة المصرية على اتخاذ مجموعة من التدابير المالية التنشيطي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى