الجمعة ٤ تموز (يوليو) ٢٠١٤
مهمة الترجمة
بقلم عبده حقي

مد الجسور بين الثقافات

في حوار مع الناقد والروائي المغربي الدكتورمحمد برادة

يعتبرالناقد والقاص والروائي الدكتورمحمد برادة من بين أهم الكتاب الطليعيين في الأدب المغربي المعاصرالذين أسهموا بشكل وافرولافت في التراكم النقدي والروائي ليس على مستوى المغرب فحسب وإنما على الصعيد العربي بما حققه وأنجزه من كتب ومتابعات وقراءات نقدية غزيرة جدا كانت بكل تأكيد على مدى نصف قرن وماتزال ذلك الجسرالثقافي بين المغرب والمشرق العربي ومن جانب آخربما أنجزه من ترجمات هامة لأشهرالكتب النقدية التنظيرية الفرنسية على الخصوص ل"رولان بارت وجان جينيه وميخائيل باختين ولوكليزو" وغيرهم والتي أسهمت في تحديث الدرس والمقاربات النقدية والبحوث الجامعية ومد جسورالمثاقفة مع شمال حوض البحرالأبيض المتوسط مما جعل منه ذاكرة ثقافية مغربية وعربية هرمية بامتياز.

الدكتورمحمد برادة كان أيضا من بين أهم الأسماء المؤسسة لاتحاد كتاب المغرب أواخرالستينات إلى جانب شيخ الصحفيين والأدباء المغاربة عبدالكريم غلاب ومحمد عزيز لحبابي ومصطفى القباج وغيرهم وسيتوج هذا المسارالإتحادي بتقلده للرئاسة من سنة 1976 إلى سنة 1983 . ومن جانب آخرولإيمانه الراسخ بتلازم الفعل الثقافي بالسياسي من خلال الإنتماء العضوي فقد إنخرط أيضا منذ أوائل الستينات في الدفاع عن أهم القضايا الحقوقية والسياسية المغربية والعربية بشكل عام ولعل أهمها قضية الدمقرطة والتحرر..

قصة "المعطف البالي" كانت أولى قطرات الغيث السردية التي نشرها محمد برادة بجريدة العلم المغربية سنة 1957 ثم نشرمجموعته القصصية الأولى موسومة ب"سلخ الجلد" سنة 1979 أما أولى رواياته "لعبة النسيان" فقد صدرت سنة 1987 ثم تدفقت بعدها روايات أخرنذكرمن بينها "الضوء الهارب" "مثل صيف لن يتكرر" "إمرأة النسيان" إلى آخررواية له صدرت في ربيع سنة 2014 موسومة ب"بعيدا من الضوضاء .. قريبا من السكات" .

أما في مجال الترجمة فإن المكتبة العربية تزخربالعديد من إنجازاته القيمة نذكرمنها على الخصوص كتاب "درجة الصفرفي الكتابة " لرولان بارت " من المنغلق إلى المنفتح لمحمد عزيزالحبابي " و" قصائد تحت الكمامة وهي ديوان شعرلعبد اللطيف اللعبي " و" الخطاب الروائي لميخائيل باختين " وبمناسبة ترجمة روايته "إمرأة النسيان " إلى الإسبانية وهوفي طريقه إلى الضفة الأخرى الأندلسية لتوقيعها أجرينا معه هذا الحوارالهام
 لحـسـن الحظ أن للنصّ الذي نكتبه أكثرمن حياة
 مـهـمة الترجمة إلى كل اللغات هي واحدة في وظــيـفتها: مــدُّ الجســور بـين الثـقافات
 الترجمة عندنا تخضع لمقاييس وجهود فردية وتظل في دائرة الــهواية.
 في طليعة عناصـر التجـويد الروائي، الموهبة والتجربة الحياتية الواسعة، وصوْغ رؤية إلى العالم تسـعف القارئ على فـهْـم مجتمعه بعيدا من النظـرة الوثوقية المسبقة.
 الكتابة عـنـدي هي مـغامرة وتجـريب. ومن الصعب في هذا المضمار أن نتحدث عن مشروع محدد الملامح والأهداف
 ومـثلما أن التاريخ مصنوع من الـمآسي والمهازل والخيبات والنجاحات، فـإن الرواية هي بامتياز الشكل الجامع لكل التناقضات والصراعات والعواطف والـمفارقات...
 لا شك أن المبدعين الجيدين هم في حاجة إلى جوائز تتيح لهم الاستـمرار في الإنتـاج

  تتشرف مجلة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربية وفي زحمة إنشغالاتكم النقدية والإبداعية بأن تقتنص هذه اللحظة المائزة والنفيسة بإجراء هذا الحوارمعكم بمناسبة صدورالترجمة الإسبانية لروايتكم "إمرأة النسيان" بداية هنيئا لكم بهذا الإصدارالمتميزوسؤالي الأول دكتورمحمد برادة وأنتم في طريقكم إلى توقيعها بإسبانيا ماهي دلالة هذه الترجمة في عمقها التاريخي الإيبيروعربي مقارنة مع ترجمة بلغة أخرى فرنسية أوأنجليزية أوروسية ؟
 أظــن أن مـهـمة الترجمة إلى كل اللغات هي واحدة في وظــيـفتها: مــدُّ الجســور بـين الثـقافات، والإسهام في تـفـعـيـل تـبـادل التــأثـيـر بين إنـتاجات الــفكر والــمـخيـلة بــاتـجـاه بـلـْـورة قـيم إنسانية، كونية تـوطّـدُ عـلائـق الـحضــارات...بالنــسبة لـلغة الإسـبانية، يـسـرني أن تـسـعـفـني تـرجمة روايتي إليـها، في الوصول إلى قـراء مـحـتـمـَــليـن، لأن أكـثـر من عـنـصـر يـــمـدّ حـبـال الـقـرابة بـيـنـنــا: الموقع الجغرافي، التاريخ الـمشتـرك (خاصة في الأنـدلس)، وجود جاليـة مغربية مـهاجرة وافـرة الـعدد... وقد استـرعى انــتباهي خلال تـوقيع "امرأة النسيان" في طـبعتها الإسبانية، أن بعض الذين قـرأوها، أشاروا أثناء المناقشة، إلى وجود تـشابُه بين وضعية الأحزاب عندهم والصورة الـبـّارودية التي تـرسمها الرواية للحزب اليساري المغربي السائر نحو الانحدار وفقـدان المصداقية...ونقطة الالتقاء هذه، تعود إلى الأزمة العميقة التي تعيشها إسبانيا نتيجة فشل تـعاظم عدد السـاخطين على اليمين واليسار، والبحث عن مستقبل يبدو مظلما بعد تعـثر مشروع الاتحاد الأوروبي، وتلاشي الثقة في السياسيـيـن الذين يقولون ما لا يفعلون... لذلك فـإن السياق المتقارب بين وضعي المجتمعين، على رغم تـباين الفترتين التاريخيـتين، جعل "امرأة النسيان" تلامس موضوعا مشتركا.

 في تقديركم ، هل إستطاعت هذه الترجمة التي أنجزتها كل من ســيـلـيا تـيـلـيـزوَعادل بــرادة أن تكون وفية للحمولة الفكرية والأبعاد الجمالية والسردية للنسخة العربية الأصلية ؟
 لا أستطيع أن أحكم على مـدى دقة الترجمة ووفـائها بالغرض، لأنـني لا أعـرف اللغة الإسبانية؛ لأجل ذلك أتـطلع إلى رأي الأصدقاء الذين يـعرفون اللغــتـيـْـن. ومن خلال ردود الفعل الأولى لبعض القراء الإسبانــيـين الذين استمعتُ إليهم، يبدو أن العناصر الأساس في الرواية قد وصلتهم، بغض النظر عن دقة التعبيـر وتلاوين الأسلوب

  قمتم بترجمة العديد من الأعمال الإبداعية الأدبية في الشعروالرواية إلى اللغة العربية للطاهربن جلون وعبداللطيف اللعبي وغيرهما ، ماهوإحساسكم بين كونكم كاتبا مترجما (بكسرالجيم) وكاتبا مترجما (بفتح الجيم) ؟
 الفـرق مهمّ بـين الـمتـرجِـم وَالمتـرجَــم: الأول يمارس نوعا من "الـحُـلول" المؤقت في لغة الـمترجَـم له، مع الاحتفاظ بـسـِـماتٍ تلتصق بلـغته الخاصة ومنهـجه في تأويل النص والمعاني...وعندما لا يكون الـنص المـترجَـم "مفـروضا" على الـمـترجِـم، فـإن هذا الأخير يختاره لأنـه يـصادف هـوىً في نفسه، ويتـمنى في قـرارة نفسه لـو كان هـو مـَـنْ كـتـبـَـه. أما عندما يصبح المـتـرجِـم متـرجَـما، فـإنه سـيـُـعـاين أن نـصـــــه يـبـدأ حياة جديدة عـبْـر قـراء مجـهولـين لـديْه، لا يستطيع أن يـتـنـبأ بـردود فعلهم وطـبيـعة تلقـّيـهم. ذلــك أننا عندما نـكتب بالعربية، يمكن أن نـستـحضـر، بكيفية تـقريـبيـة، ذوق ومسـتوى القراء العرب المُحتملين؛ أمـا بالنـسبة لـلقراء الأجانب فـإن تخـمين نوعية التلـقـّي لديهم تكون غائبة عنـدنا، لأنـنا لا نكتب حسب مقايـيس تلائم أفق انتظار القراء الأجانب. ومن ثـمّ، لا نـتـعرّف على تـلـقـّي "الآخـر" إلا بعد الترجمة وقراءة ردود فـعل النـقاد وتـقيـيـمهم للنصوص المترجَـمة.

  لاجدال في أن المغرب يعتبررائدا في الدول العربية في مجال الترجمة بفضل جيل الرواد أمثالكم والأجيال التي جاءت من بعدكم ، لكن مالذي يجعل هذه الحركية المتألقة في الترجمة لاتحتفي بالأعمال الروائية والشعرية المغربية لنقلها إلى لغات عالمية أخرى ، أذكرعلى سبيل المثال أعمالكم وأعمال عبدالله العروي ومبارك ربيع وأحمد لمديني وغيرهم ؟
 لا أظن أننا دولة رائدة في الترجمة قياسا إلى الدول العربية، لأننا لا نـتـوفـر على هيئة تضم مجموع المترجِـمين وتعمل وفق مخطط وستـراتيجية مـعلن عنها، بل الترجمة عندنا تخضع لمقاييس وجهود فردية وتظل في دائرة الــهواية. وكانت هناك محاولة في تسعينات القرن الماضي، بتعاوُن مع وزارة الثقافة، لإنشاء هيئة المترجمين المغاربة وفـق خطة متكاملة لـتـعـزيز الجهود التي تـبـذل في الفضاء العـربــي الذي يسعى إلى تـدارك النقص المهول في مجال الترجمة؛ لكن المشروع أُقـبِـرَ وظلت المبادرات الفردية هي السائدة، وهي جد محدودة قياسا إلى مـا يـنـجـزه المركز القومي في مصـر، أو هيئات أخرى في الإمارات والكويت...أمـا بالنسبة لـتـرجمة أعمال مغربية إلى لغات أجنبية، فـالمسألة لا تخضع لـرغبة ذاتية أو مبادرات فـردية، بــل هي مـتعلقة أساسا بـإرادة و"اختيار" دور النــشـر الأجنبية التي هي مؤسسات حـرة وتختار وفـق أذواق واهتمامات القـراء الأجانب الذين يقـتـنون الكتب ويتـيحون لدُور النشـر الاستمـرار. لذلك فـإن تـرجمة أعمال أدبية مغربية بمبادرات فـردية لـن تـنجح في إقناع الناشرين الأجانب وبالتالي لن تـُوفـّـق إلى تـسويق الكتاب المترجم وتوصيله إلى قـرائه المحتمـلين. إن عملية الوصول إلى القراء الأجانب عملية جدّ مـعقدة، ولا مـناص من أن تأتي المبادرة من "الآخـر" المتـابع لما يُـنـشـر عبر لغات العالم؛ ومقايـيـسه تـتراوح بين الجودة الفنية العالية (ظاهرة رواية الواقعية السحرية في أمريكا الـلاتـينية، مثلا)، أو البحث عن نصوص تـقدم "شهادة" عن أوضاع سياسية متردية أو سلوك اجتماعي يستـحق الفضح. ونـتيجة لهذا الوضع التّرجمي المعقد، نلاحظ أن الزملاء العرب الذين يكتبون مباشرة بالفرنسية أو الإنجليزية، سرعان ما يشقون طريقهم مستـفـيدين من الـبنـيـات الثقافية وأواليات التوزيع ذات الخبرة الواسعة...، علما أن عدد الذين يكتبون بالعربية هم أضعاف أضعاف زملائهم الكاتبين بلغة أجنبية.

هل صحيح أن الروائيين النقاد يتوفقون أكثرفي كتابة الرواية مقارنة مع غيرهم من الكتاب باعتبارأنهم يشتغلون على بنيات الرواية برؤية أكاديمية وعالمة بأدوات مختبرها السردي ؟
 لا أرى أن الروائيـين الـنقاد يتوفقون أكثـر في كتابة النصوص السـردية، لأن الجودة تـعود إلى عـناصـر متعددة تـتـخطى المعرفة الأكاديمية والنـقدية. وفي طليعة عناصـر التجـويد الروائي، الموهبة والتجربة الحياتية الواسعة، وصوْغ رؤية إلى العالم تسـعف القارئ على فـهْـم مجتمعه بعيدا من النظـرة الوثوقية المسبقة. يـضاف إلى ذلك، علاقة الروائي باللغة ومستوياتها المتعددة الكاشفة لخلفية الأفكار والمواقف المتحكمة في جـدلية المجتمع والعالم...وإذا اعتمدت روايات ٌعلى وصفة أكاديمية جاهـزة، فـإنها قد تؤول إلى إنـتـاج نصوص بـدون نـكهـةٍ أو روح تزرع فيها الحياة. لكن، يجب التـنـبـيـه إلى أنه من غير المقبول اليومَ، أن يـزعم روائيٌّ أنـه يكتب اعتمادا على السـليقة أو التلقائية دون الالتفات إلى ما أنجـزه كُتاب كبار من قبله. إنه لا مناص للروائي من أن يسـتوعب تاريخ الرواية العالمية، وأن يتمعـن في الأشكال وطرائق السرد التي تكوّن معلما بارزا في منجـزات الرواية الكونية. من غير ذلك سيكون الروائي معرضا للوقوع في التكرار والعجز عن إيجاد الشكل الملائم لتجربته الروائية.

 بارتباط مع السؤال السابق ، من رواية لعبة النسيان إلى رواية الضوء الهارب هل يمكننا أن نتحدث عن ملامح مشروع روائي يقتعد على خلفية عالمة بالنظرية النقدية من جهة ومن جهة أخرى على ذاكرة إجتماعية وثقافية وسياسية تحفرفي ثالوث الذاكرة والموت والمرأة ؟
 أنا لا أمـيل إلى استـعمال كلمة "مـشـروع روائي"، لأن الكتابة عـنـدي هي مـغامرة وتجـريب. ومن الصعب في هذا المضمار أن نتحدث عن مشروع محدد الملامح والأهداف. ربـما مع طول الممارسة تأخذ بعض المُكوّنات الروائية في الـتـبـلور والـطـفُـوّ، لـتمـيّـز عالمي الروائي. وقد أشـرتم إلى بروز اهتمامي بثالوث الذاكرة والموت والـمرأة، وهي عناصر تشغلني إلى جانب أخـرى دلالية وشكلية. فأنا أسعى إلى كتابة الذاكرة المختلفة عن محاكاة الواقع واستـنساخه. وأعـتبـر التعدد اللغوي وتعدد الأصوات عنصرا مهما في بناء عالم روائي متميـز وصوغ رؤية خاصة إلى العالم. لكن، في الآن نفسه، أحاول أن أتعامل مع جميع الـتـيمات والموضوعات على قدم المساواة، لأن الحياة لا تستـقيم إذا قـصَـرْناهَا على مجالات دون أخرى. بعبارة ثانية، العواطف والسلوكات والأفكار تــتجاور وتـتقاطع وتـتبادل التـأثـير، ولا يمكن أن نعزل السياسة عن الحب والجنس، عن الوفاء والخيانة، عن الشـر والخير، ولا التاريخ عن تجلياته المختلفة وطرائق فهمه وتأثـيره في الوعي والمصـائـر...يضاف إلى كل ذلك، عنـصر التـخيـيـل الذي يوسع رحابة العالم، ويسمح بفهـْـم مـا يجعله الواقع مُـسـطـّـحا وفـاقِــدَ المعنى..

  لوقمنا بجرد لحصيلة الإصدارات الإبداعية الأدبية المغربية فسنلاحظ تصاعدا متميزا في أرقام المنجزالروائي ، هل فعلا نعيش زمن الرواية وأن الرواية أضحت ديوان العرب أم أن هناك تطاولا على هذا الجنس أعني إما هناك روايات بلا روائيين أوهناك روائيين بلا روايات ؟
 هناك بالفعل تزايد في الإصدارات الروائية بالمغرب، قياسا إلى ما كان عليه في ستينات القرن الماضي؛ وهي ظاهرة يمكن أن نربطها بـإمكانات الشكل الروائي في التعـبيـر عن تعقيدات الحياة المجتمعية، واختلال القيم، والحاجة إلى فـهم التحولات المتسارعة في العقديْـن الأخيريْـن...وجـنـس الرواية أقـدر-كما أوضح منظرو الرواية-على تجـسيد "نـثـريـة" الحياة والتـقاطِ لغةِ الكلام والتواصل المصاحبة لفتـرات الـتـغـيـُّـر. إذن تـصدُّر الرواية لبقية أجناس التعـبـيـر لا تعني أفضليـتها على الشعر أو القصة أو المسرح. وفي الآن نفسه، لا يعني هذا الاهتمام أن الذين سيخوضون غمار الرواية سيحققون مستوى جيدا في جمالية النص ودلالته. نحن في أول الطريق، والرواية "صـعبٌ سـُـلـّـمها"، ومن الطبيعي أن يفوق الـغـث السمين. وأظن أن من أسباب ذلك، كـوْن الكتـاب الشباب يـتـعجّـلون النـشـر ولا يعملون على استـكمال الأدوات والشروط التي تجعل رواياتهم قادرة على جذب اهتمام قـراء محتملين غير مستعدين لـتبديد وقتهم في قراءة لغو الكلام أو قراءة روايات لا تـبـرر سـبب وجودها بمـقاييس فنـية مقنعة...

 دخلت الرواية العربية مع ظهورالرقمية في تجربة جديدة ما اصطلح عليه البعض بالرواية الرقمية نذكرعلى سبيل المثال تجربة الأردني محمد سناجلة الذي أصدرثلاث روايات هي "شات" و"ظلال الواحد" و"صقيع" بداية هل لديكم فكرة عن هذا الإبداع الأدبي الرقمي العربي (قصة رقمية) (قصيدة رقمية) وثانيا أليس من السابق لأوانه أن نتحدث عن تأسيس لنظرية نقدية رقمية ؟
 أتابع من بعيد وبخبرةٍ جد محدودة، ما يـجِـدّ في مجال الرقمية والنشـر الإلكتروني. وهي مسألة مهمة وستأخذ وقتا قـبل أن تفرض نفسها على عاداتنا وسلوكنا الثقافي (أقصد جيلي). لكن، أظن أن تـغـيـّر وسائل التعـبير لن يمحوَ المقاييس الأساس عند الـتقيـيم النقدي والفني. بعبارة ثانية، لا أظن أن غلبة الإبداع الرقمي ستؤدي إلى مَحـْو مقاييس الإبداع والجمال التي انـزرعتْ في نفوس البشـر منذ عصور مغرقة في الـقِـدَم. وكل تحول في حوامل التـعـبيـر والإبداع قد يحمل عناصر إضافية في الاقتـراب من بلورة معايـيـر جمالية ذات طـابع إنساني كـوني، إلا أن هذا المجال لا يعرف إلــغاء الـلاحق للـسابق، كما الحال في العلوم.

  بين النشرالورقي والإلكتروني ما يشبه الحرب الباردة ومن دون شك أن بوادرالحسم فيها سيكون للنشرالإلكتروني إذ أن كل الجرائد المغربية أطلقت نسخها الألكترونية هذا فضلاعن تصاعد ملحوظ للكتاب الإلكتروني باعتباركم من جيل الكتاب الرواد ماهوشعوركم في لحظة إفتقاد لحميمية وملمس الورق واستبدال كتاب الجيب بكتاب الإيباد الإلكتروني ؟
 فعلا، هذه مسألة تـهدد عاداتنا القـرائية والتواصلية، إلا أنها نتـيجة طبيـعية لتطورات التّـقـانَة وعـولـمة كل مجالات العيش والاتصال...بالنسبة لي، أحاول أن أستعمل الكتاب والإلكتروني حسب حاجتي إلى القراءة ونوعيتها، فألجأ إلى المنشورات الإلكترونية عندما يتعلق الأمر بمقالات إخبارية وصحفية أو معلومات عامة. أما نصوص الإبداع والفكر الفلسفي فأفضل الاعتماد على الكتب التي تتيـح التمهل والتمحيص وكتابة التعليقات والتساؤلات...ولا أظن أن الكتاب الورقي المطبوع سيتلاشى من فضاء الثقافة، لأن سحره وخصوصيته يمنحانه حق الاستمرار؟

  عشتم العديد من المحطات السياسية التاريخية المغربية والعربية من أواخرالخمسينات إلى الثورات الراهنة (حروب ، إنقلابات ، إنهيارالمعسكرالشرقي ، الحادي عشرمن أيلول ، الثورات العربية .. إلخ) كيف تنظرون كأكاديمي وروائي عربي ومثقف إلي مايجري من الماء إلى الماء وهل الرواية العربية قادرة على إستيعاب كل هذا الزخم وقادرة على تسويركل هذا الدم والدخان ؟
 هذا سؤال شاسع الأطراف لا يتسع المجال هنا لاسـتـيـعابه؛ لكنني أرى أن حق التـعـبير الأدبي والفني أضحى قائما وحاضرا لدى المبدعين العرب الذين استطاعوا، على رغم القمع وأنظمة الاستـبداد، أن يجعلوا منه وسيلة للتـنـفيس والفضح والمقاومة. ولم تـنجح الرقابات بأنواعها أن تـكتم أنفاس الإبداع العربي المعاصر الذي استطاع أن يصبح المـرآة الصادقة لما يجري في أعماق المجتمع وفي مسالك النفوس...لذلك ستظـل الرواية، إلى جانب أشكال تعبيـرية أخرى، وسيلة للمعرفة والمتعة واسـتـيـحاء الواقع المتحول وما يـكـتنـفه من تـدهور وتـمـزق. لكن المستـقبل العربي الغامض، المجهول، الهــش، هـو في الآن نفــسـه ينطوي على جـدلية تحمل بـذور التـغـيـيـر وفق منطق العصـر وحاجيات مجتمعاتنا الـشـابّـة. ومـثلما أن التاريخ مصنوع من الـمآسي والمهازل والخيبات والنجاحات، فـإن الرواية هي بامتياز الشكل الجامع لكل التناقضات والصراعات والعواطف والـمفارقات...

  أخيرا نود أن نستمزج رأيكم في ظاهرة الجوائزالعربية وما يثارحولها من أسئلة شائكة ، عن رمزيتها ، قيمتها المالية ، لجان القراءة والجهات الراعية لها وأحيانا خلفياتها السياسية
 أجـد أن مسألة الجوائز الأدبية والفكرية التي بـرزت في الحقل الثقافي العربي منذ عقود، هي ظاهرة إيجابية، خاصة تلك التي تصدر عن مؤسسات وأشخاص لا يمثلون نظاما سياسيا، ويـتـوخون إسناد الإبداع في سـياق عـربي مضادّ لحرية الخلق والتعـبـير. ولا شك أن المبدعين الجيدين هم في حاجة إلى جوائز تتيح لهم الاستـمرار في الإنتـاج. وعلى خلاف ما يوجد في الحقول الثقافية الأوروبية، فـإن الحقل الأدبي عندنا لا يتمتع باستقلالية مادية (مبيعات الكتب وحقوق المؤلف...) تتيح للمبدعين أن يعيشوا من قلمهم. وهو أمر غريب داخل فضاء عربي يضم أكثـر من 300 مليون نسمة! أما مسألة تنظيم هذه الجوائز فهي تـحتاج إلى مراجعة، لأن تـغـيـيـر اللجان في كل دورة لا يضمن العثور على مُـحـكـّـميـن لهم الشروط المطلوبة. والأفضل أن نسلك الطريق المتبع في بعض الجوائز الأدبية العالمية التي تعتمد على لجنة تحكيم قـارّة، مكونة من أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ويكون من حق الجمهور أن يتدخل بملاحظاته وتقييماته بعد إعلان النتائج. ويتم تعويض الأعضاء الذين تقدم بهم السـن أو التحقوا بالرفيق الأعلى. لكن الأهم، هو أن تحدد الجهات الراعية للجوائز أهدافها واشـتـراطاتها ليكون المرشحون على بـيـّنـة من اختياراتهم

في حوار مع الناقد والروائي المغربي الدكتورمحمد برادة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى