الثلاثاء ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٤
بقلم محمود مرعي

ماضٍ إِلى آتٍ قَرَأْناهُ

(إِلى سَميحِ الْقاسِمِ الشَّطْرِ الَّذي اتَّحَدَ مَعَ شَطْرِهِ)

وَأَنْتَ الآنَ في أَوْجِ الصُّعودِ مِنَ الْكَلامِ إِلى الْكَلامِ، أَراكَ مُنْشَغِلًا بِتَفْسيرِ أَنْتَ لَنا، حالَتُكَ الْجَديدَةُ هٰذِهِ لَمْ تُخْبِرْنا عَنْها في الْقَصيدَةِ الْجَديدَةِ، لَمْ تَقُلْ سِوى (أَنا لا أُحِبُّكَ يا مَوْتُ لٰكِنَّني لا أَخافُكْ)، لٰكِنَّكَ غافَلْتَنا الآنَ وَدَخَلْتَ مِحْرابَ صَمْتِهِ وَحْدَكَ، وَما زِلْنا نَقِفُ عَلى مَرْمى مَعْنًى تُوصِلُهُ إِلَيْنا في طَريقِكَ إِلى الْـمَعْنى الْـمُشِعِّ مِنْ سَديمِ الْقَصيدَةِ، تَهْرُبُ مِنَّا كَعادَتِكَ حينَ نَقْرَؤُكَ وَجْهًا واحِدًا لِسَلاسَةِ الْحُروفِ حينَ تَنْبَسِطُ أَمامَ النَّظَرِ مَسْرَحًا، وَأَنْتَ تَسْكُنُ الْـمَعْنى الْقَريبَ مِنَ الْقَلْبِ وَالْبَعيدَ في سِفْرِ التَّوْرِيَةِ، تُراوِغُنا وَتَفِرُّ مِنَّا إِلَيْنا، تَفِرُّ مِنْ أَصابِعِنا هُبوبًا لِتَحُطَّ عَلى راحاتِ أَرْواحِنا، تَقولُ لا أُغادِرُكُمْ، نُنْصِتُ قَليلًا إِلَيْكَ نُحاوِلُ الْقَبْضَ عَلَيْكَ فَتَضْحَكُ ساخِرًا مِنْ ذَكائِنا كَيْفَ يَخونُنا.

ماضٍ إِلى آتٍ قَرَأْناهُ، عَلى رِمالِ غَزَّةَ أَراكَ، وَما زالوا يَتَقَدَّمونَ، وَأَنْت تَجُرُّ الصَّباحَ الْعَنيدَ بِعِنادِكَ الْـمَعْهودِ يُطيعُكَ راغِمًا، وَما زِلْتَ تَصْرُخُ "تَقَدَّموا" وَيَتَقَدَّمونَ، وَالْعَدُوُّ أَمامَهُمْ وَالْبَحْرُ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشَّمْسُ إِكْليلُ غارٍ عَلى هاماتِهِمْ يُلَوِّحونَ لَكَ وَيَتَقَدَّمونَ بِكُلِّ ما فيهِمْ مِنْ جُنونِ الأَسْئِلَةِ وَلَهيبِ الْـمَرْحَلَةِ، وَبِكُلِّ ما حَمَلوا مِنْ وَصايا الأَنْبِياءِ وَمِسْكِ الشُّهَداءِ وَوَعْدِ السَّماءِ، يُرَدِّدونَ خَلْفَكَ وَيَتَقَدَّمونَ.

أَيُّها السَّاكِنُ أَعالي نَخيلِ اللُّغَةِ، تَميزُ بُسْرَها مِنْ رُطَبِها، تُمْعِنُ في انْتِقاءِ الرُّطَبِ، وَلا تَسْتَأْذِنُ أَحَدًا، تُدَقِّقُ وَتُمَحِّصُ تَفاصيلَ الرُّطَبِ تَطْعَمُهُ جَنِيًّا شَرْقِيًّا، وَتَمْلَأُ السِّلالَ وَتُنادي مِنْ أَعاليكَ: خُذوا أَطايِبَهُ.

وَنَدْنو بِجوعِ الرُّوحِ تَكْوي لَواهِبُهْ
كَأَنَّا اصْطَفانا الدَّهْرَ لِلنَّطْعِ صاحِبُهْ
نُنادي عَلى الصُّبْحِ الْـمُغِذِّ بِسَيْرِهِ
فَلا يَحْتَفي وَالدَّرْبُ تَفْري مَخالِبُهْ
نُحَدِّقُ في أَعْلى السَّماءِ تَصُدُّنا
مَعارِجُها وَاللَّيْلُ جَمْرٌ مَسارِبُهْ
تَخِمْنا رَحيلًا في الرَّحيلِ سَميحَنا
مَتى يَخْتِمُ التَّرْحالَ ﺑِﭑلْحِلِّ شارِبُهْ

تُطِلُّ عَلَيْنا مِنْ أَعالي النَّخيلِ حامِلًا وَطَنًا ظَمِئْتَ لِيَرْتَوي، وَاحْتَرَقْتَ لِيَنْعُمَ بِالنُّورِ، توقِدُ جَذْوَةَ حَنينِ الشَّطْرِ عَلى يَسارِ الْقَلْبِ إِلى الشَّطْرِ الْغافي عَلى يَمينِهِ، تُهَدْهِدُهُ وَتَهْمِسُ لَهُ أَنا قادِمٌ يا أخي (يا ابْنَ أُمِّي الَّتي لَمْ تَلِدْني)، فَيَبْتَسِمُ لَكَ مِنْ وَراءِ نافِذَةِ الْغَيْبِ يَحْمِلُ إِكْليلَ وَرْدِ جَليلِيٍّ وَتَضْحَكانِ، يَنْبَسِطُ الأُفُقُ فِضِّيًّا كَساعَةِ انْسِلاخِ الْفِجْرِ مِنْ جَسَدِ اللَّيْلِ، وَتَغيبُ النُّجومُ خَلْفَ خُطاكَ وَتُضيءُ أَنْتَ.
أَيُّها الْـمُنادي عَلى جِلْجامِشَ، الْـموقِظُ كَنْعانَ مِنْ قَيْلولَةِ اللُّغَةِ قَبْلَ انْعِتاقِها وَانْتِشارها الْـمُؤَجَّلِ مِقْدارَ فاصِلَةٍ في كَيْنونَةِ الْوَطَنِ الْـمُمْتَدِّ مِنْ (كانَتْ تُسَمَّى فِلَسْطينْ/ حَتَّى/ صارَتْ تُسَمَّى فِلَسْطينْ)، هَلْ وَجَدْتَ عُشْبَةَ الْخُلودِ في اللُّغَةِ حَيْثُ وَصَلْتَ؟ أَمْ وَجَدْتَنا عَلى آثارِ خَطْوِكَ نَبْحَثُ في مَعارِجِ جَدائِلِ الْوَقْتِ عَنْكَ فينا، ما زالَ مُتَّسَعٌ مِنَ الْعُمْرِ لَمْ نَغْرَقْ فيهِ حَياةً ﻓَﭑنْتَظِرْ.

أَيُّها الرَّاكِضُ أَبَدًا في سَراديبِ الجَمالِيَّاتِ وَما وَلَّدَتْ مِنْ تَناقُضاتِ أَبْنائِها وَتَجَلِّياتِ الْـمَخاضِ الأَبَدِيِّ الْحُضورِ، أَما زِلْتَ تَرْكُضُ؟: " أَنا بِطَبْعي مَلولٌ، هٰذا يَنْعَكِسُ عَلى تَجْرِبَتي.. لا أُحِبُّ التَّكْرارَ، أُحِبُّ الْـمُغامَرَةَ الْفَنِّيَّةَ وَأُمارِسُها عَلى مِزاجي وَبِكامِلِ حُرِّيَّتي وَأَحْتَرِمُ حِسَّ الآخَرينَ ﺑِﭑلْـمُغامَرَةِ الْفَنِّيَّةِ.. لِذٰلِكَ مِنَ الطَّبيعِيِّ أَنْ يَلْتَقي في تَجْرِبَتي الْـمَناخُ الكْلاسيكِيُّ ﺑِﭑلْـمَناخِ الْحَديثِ، اَلسِّرْيالِيَّةُ ﺑِﭑلْواقِعِيَّةِ الاِشْتِراكِيَّةِ.. هٰذِهِ شَخْصِيَّتي في الْحَياةِ..".

أَتَتْكَ جَنى شَبيهي مُغامَرَتي
وَحِمْلي أَنْتَ، إِذْ أَنْتَ ذاكِرَتي
إِلى أَيْنَ الْـمَسيرُ فَرِحْلَتُنا
إِلَيْنا قابَ خَفْقٍ لِسارِيَتي
فَقِفْ لِقَصيدَةٍ رَيْثَ نُنْشِدُها
فَما بَعْدَ الصَّدى غَيْرُ حاضِرَتي
أَتَتْرُكُنا وَلَمْ نَرْوِ غُلَّتَنا ..
وَغَرْبُك عَيْنُ آني وَغابِرَتي
تَمَهَّلْ يا "مَلولًا" فَما هَدَأَتْ
عَلى الْـمَحْمودِ عَيْني وَساكِنَتي
أَمَ انَّ الشَّطْرَ قَدْ هاجَ مُرْتَقِبًا
لِلُقْيا الشَّطْرِ أَدْنى مُناسَبَةِ
وَكانَ وَكُنْتَ، قامَ وَقُمْتَ، مِثْلَ "أَنًا"
تَراها الْعَيْنُ آحادَ واحِدَةِ
وَتُبْصِرُها النُّهى ثَمَّ واحِدَةً
بِلا فَصْلٍ وَسَلْ كُلَّ قابِلَةِ
فَما ضَمَّتْ فِلَسْطينُ مُخْتَلِفَيْـ
(م) ـنِ مُؤْتَلِفَيْنِ في النَّبْضِ أَوْ رَأَتِ
كَمِثْلِكُما اشْتِعالًا بِقُبْلَتِها
وَمِثْلِكُما اقْتِسامًا هَوا الرِّئَةِ

وَأَسْمَعُ الآنَ حِجالًا قُرْبَكَ تَمْلأُ الْجَليلَ وَتُنادي تَمَهَّلْ، وَتَرُدُّ عَلَيْها الشَّحاريرُ لِمَ اسْتَعْجَلْ؟، وَحَناجِرُ الْوَطَنِ مِنْ أَقْصاهُ إِلى أَقْصاهُ وَمِنْ أَقْصاهُ إِلى قِيامَتِهِ تَقولُ قِفْ قَليلًا فَلَمْ نَشْبَعْ عِناقًا، حَتَّى الصُّخورُ قَدْ لانَتْ مَلامِسُها وَرَقَّتْ فَأَيْنَ تُوَدِّعُنا؟ وَأَيْنَ تَمْضي أَيُّها السَّاكِنُ فينا الْـمَسْكونُ بِنا، رُوَيْدَكَ ﻓَﭑلْقَصيدَةُ لَمْ يَكْتَمِلْ نَبْضُها وَلَمْ تُعْطِ أُكُلَها رُطَبًا جَنِيًّا بَعْدُ، وَلَمْ تُثْمِرْ عَلى دَرْبِ الرُّجوعِ بَعْدُ أَبْجَدِيَّةً، وَلَمْ يَعُدْ بَعْدُ اللَّاجِئونَ وَلا انْتَهَتْ الْجُموعُ مِنْ رَسْمِ مَعالِـمِنا، تَمَهَّلْ لِقُبْلَتَيْنِ وَاحْتِضانٍ.
وَماذا نَقولُ الآنَ؟ هَلْ نَقولُ وَداعًا يا سَميحُ؟ أَنُوَدِّعُ ذاتَنا فيكَ أَمْ نُوَدِّعُكَ فينا، وَهَلْ يُوَدِّعُ ما فينا الَّذي فينا؟ وَهَلْ خَرَجْتَ مِنَّا حَتَّى نَفْتَقِدَكَ نَبْضًا كَيْ نُوَدِّعَكَ؟ نَعَمْ، يَنْقُصُنا الآنَ أَنْتَ يا سَميحُ فَقَطْ، نَمْ قَريرَ الْعَيْنِ يا أَبا مُحَمَّدٍ، وَلِروحِكَ ياسَمينُ الشَّامِ وَالْجَليلِ وَحَنُّونُهُ، وَلِروحِكَ السَّلامُ.


مشاركة منتدى

  • فَرِحٌ بِحُبِها
    حُلَتُكَ الجديدة،
    رأيتُها،
    تخيطها فتاةُ الغابةُ العذراءْ،
    من أخبرها أن بالمدينة
    عاشِقُها المُفّعَمّ بالإخضرار والمطر والليل والثلج والنار،
    ظل يرسُمّ طريق الوصول إلى الغابة، بهدوء،
    في ظُلمات المدينة الكثيفة،
    يجلِسُ وحده،
    سامِرُهُ طيفُ حبيبتُه،
    هكذا دائما كتوأمين،
    خيالُها يَضُمُ روحه حتى ينامّ،
    تَباركَ مَسّعاه،
    من لفتاة الغابة من حبيبٍ إلاه،
    تأبى عاشقاً سِواه،
    جُرحه النازِفْ لا يمنعه أن يُدلِلها بالإهتمام،
    كُلُ تاريخه في كفها،
    كُلها حُلمٌ يأتي،
    تتضاءل الدنيا في عينيه لأجلها،
    يجعلها حدائق ودروباً تحتلُها،
    هذا الوطن يغدو لوحات يرّسُمُها لها.

    في الصباح يزرع طريق الغابة بالزهور،
    حتى غدا صاحبَ الطريق،
    كل يومٍ خطُ الزهورِ يقتربُ من الغابة،
    يتموج،
    يتعرج،
    وعند المنعطفات يرسمُ قُبَلّ أشواقِه،
    ويضطرب، كي لا يراها أحدّ،
    يُرسِلُها مع العصافير
    لتُلقيها في الغابة
    رُسل وفاءْ،
    تُهرول لسيدة البهاءْ
    تنوبُ عنه القُبَلّ
    في حديثها المُتصِلّ
    تكسرُ الفُراقْ
    تجعلُ الغابة عيدا،
    يُغمِضُ عيناه،
    يغيبُ في نَشّواه،
    يمتلىء حبورا،
    يَهيمُ في رؤاه،
    كذا حالُه،
    لا يستريح،
    يُصاحِبُ الغيومُ في الأعالي،
    وحين تكونُ هناك،
    يعملُ أ كثر،
    لا يكِلُ،
    تكبر باقاتُ وُروده،
    المدينة لا تعلم غايته،
    غير أنها غدتْ تُحِبُه،
    يكسوّ المدينة بحُللِ ألوانْ، ولا يسألُها أجراً،
    كُلُ المدينةُ تُحِبُه،
    تجتازه الطيور في ذهابها وإيابها،
    تلحظُ جهاده،
    وتُخّبِرُ سيدة الغابة أن فارسها مُحتدمّ.

    قبل ذِهابه،
    سامحَ كلُ الناس،
    قَبّلَ كلُ الأطفال،
    إعتذر للحاكم،
    أعاد الأمانات،
    إبتسم للعُمال،
    وزار كُلُ الأصدقاء،
    ثم غادرّ،
    لم يدرك أحد سِره،
    وصل الجهة الأخرى،
    حضُنَ حسناءَ الغابة،
    أقام منزله الجديد،
    وقُربَ المِدّفأة،
    ظَلَ يرسُمُ طريق عودته للمدينة،
    مَلِكاً تصحبُهُ ملِكة.

    منصور جاسم الشامسي
    سبتمبر 2012

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى