الجمعة ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٣
ممنوع ممارسة الرياضة !!
بقلم عادل سالم

المعتقلون السياسيون في السجون الاسرائيلية !!

الحلقة الرابعة والأخيرة

بينما تحرص إدارة السجن على أن يكون نقل المعتقلين من غرفة الى أخرى أو من قسم الى آخر من اختصاصها وحدها، فإن المعتقلين يناضلون دائماً ويطرحون من ضمن مطالبهم ترك هذه المسألة لرغبة المعتقلين أنفسهم، الحرب بين المعتقلين وإدارة كل سجن مستمرة حتى اليوم، وإن كانت إدارة السجن تستطيع أن تفرض التنقلات بين الأقسام وبين السجون سواء رغب المعتقلون أم لا، فقد كان المعتقلون ينجحون جزئياً في بعض السجون لفرض التنقل بين الغرف في القسم الواحد كأمر واقع دون استئذان الإدارة، حيث لم يكن أمام إدارة السجون سوى التنازل عن هذا المطلب أو معاقبة كل المعتقلين كل يوم.

وتستخدم إدارة السجون أسلوب نقل المعتقلين من سجن لآخر ليظل المعتقلون في حالة تنقل دائم، بعيدين عن الاستقرار ومن أجل إيجاد الفرص المناسبة لدس عناصرها "العملاء" في مختلف السجون، ولكي تخلق مصاعب جديدة للأهالي الذين يضطرون للسفر مسافات طويلة لزيارة أبنائهم، فقد يكون المعتقل من رام الله في سجن نابلس مثلاً ومعتقل من نابلس في سجن الخليل وهكذا.

الصلاة الجماعية

لم تسمح إدارة السجون في بداية "الاحتلال" الإسرائيلي للمعتقلين الفلسطينيين بإقامة الصلاة الجماعية بغض النظر عن أوقاتها، وبفعل نضالات معتقلينا فإن إدارة كل سجن تسمح لمعتقلي كل قسم بإقامة صلاة الجمعة لمن يرغب بإحدى الغرف الواسعة، مثل المكتبة على سبيل المثال.

زيارات الأهل والأقارب

تعتبر مسألة الزيارة بالنسبة للسجين من أهم المسائل _ غير الحياتية _ التي تهم المعتقل وتشد انتباهه، ذلك لأنها أولاً الوقت الوحيد الذي يلتقي فيه المعتقل بأسرته وأهله وأصدقائه، وهي بالتالي صلة الوصل الحية للعالم الخارجي، لقد مرت على المعتقلين سنوات طويلة لم يكونوا فيها يعلمون ما يجري خارج القضبان إلا من خلال الزيارات.

الزيارة للمعتقلين المحكومين تتم مرة كل أسبوعين وبسبب تكاليفها الباهظة فإن الصليب الأحمر ينقل أهالي المعتقلين مرة كل شهر، وينقلهم "الهلال الأحمر" المرة الثانية، أما الموقوفون فإن زيارتهم مسموحة مرة أسبوعياً للذين يحملون الهوية الإسرائيلية "من القدس" أو لعرب 1984، وبقية الموقوفين فإن زيارتهم مرة كل أسبوعين. اما اليوم فان السلطات الاسرائيلية تمنع سكان الضفة والقطاع من زيارة ابنائهم المعتقلين في سجون اسرائيل المركزية مثل سجن نفحة وسجن عسقلان وغيرها من السجون .

يوم الزيارة هو يوم عيد للمعتقلين، لذلك فهم منذ صباح اليوم المحدد للزيارة يستيقظون بهمة ونشاط يحلقون ذقونهم ويستحمون، ويحملون معهم للزيارة قطع الملبس ليقدموها من خلف القضبان الى أطفالهم. مدة الزيارة نصف ساعة فقط، وهي غير كافية على الإطلاق، أما غرف الزيارة فتختلف من سجن لآخر بعضها غرف صغيرة تتسع الى ست عائلات فقط، كما هو حال سجن نفحة وبعضها الآخر كان يتم الزج بعشرين عائلة فيها مثل سجن بئر السبع، ويفصل بين الأهالي والمعتقلين شبك حديدي يكاد تسمح ثقوبه بإدخال أصبع واحد فقط، ويقف خلف الأهالي وخلف المعتقلون سجانون إسرائيليون لمراقبة عدم تبادل رسائل سرية بين الطرفين وأحياناً للتنصت على الحديث الدائر بين الأهالي والمعتقلين.

من مطالب المعتقلين في السجون حول الزيارة، زيادة الوقت، توفير الراحة للأهالي الذين ينتظرون بالخارج للدخول لزيارة أبنائهم، فالعائلة التي يسمح لها بزيارة ابنها نصف ساعة تقضي في الحقيقة يوماً كاملاً موزعاً بين السفر والانتظار خارج السجن، كما يطالب المعتقلون بتقليص عدد العائلات في كل موجة زيارة حتى يتسنى للجميع سماع أقاربه والتحدث معهم بهدوء، في حالات كثيرة كان المعتقلون يرفضون الزيارة عندما يكون عدد الزوار في المرة الواحدة أكثر من العدد المتفق عليه مع إدارة السجن.

علاج المرضى

من الطبيعي جداً ما دامت أوضاع السجن سيئة من النواحي الصحية، ولسوء الغذاء المقدم أن يصيب المرض عدداً واسعاً من المعتقلين وبشكل خاص القدامى، أي الذين يقضون فترة حكم طويلة.

ويطالب المعتقلون إدارة السجون بتوفير العناية الطبية اللازمة لهم ومعالجة الحالات الصعبة عبر نقلها الى المستشفيات الخاصة، وإجراء العمليات الضرورية ولم تزل إدارة السجون تستخدم العلاج كأسلوب انتقامي فعال ضد المعتقلين الفلسطينيين، فهي لا تقرر نقل معتقل الى المستشفى إلا بعدما يوضع اسمه على قائمة الانتظار لأشهر طويلة، يكون المرض خلالها قد زاد وأصبحت حالة المريض سيئة جداً، وقد توفي العديد من المعتقلين الذين أهملت إدارة السجون علاجهم، كما لم يسلم أحد من المعتقلين من الإصابة بمرض معين مثل البواسير، المعدة، الدسك الخ.. لذلك يجري المعتقلون بعد الإفراج عنهم على الفور فحوصات طبية شاملة قبل المباشرة بأي عمل، ويقدم مستشفى المقاصد الخيرية بالقدس العلاج لكافة المعتقلين إثر الإفراج عنهم مجاناً .
يوجد لكل سجن ممرض خاص تحدده ادارة السجن وغالبا ما يكون رجل مخابرات اسرائيلية مهمته اسقاط بعض المعتقلين المرضى للعمل كعملاء والتجسس على اخوانهم مقابل وعد بالعلاج او الافراج القريب .
كل الحالات التي تقدم للمرض الذي غالبا لا يتحدث العربية تتلقى نفس العلاج وهو عبارة عن حبة " أكامول " وهي شبيهة بحبة " تايلنول " الامريكة المعروفة
وللدلالة على عدم اكتراث الممرض أصلاً للعلاج عدم استعداده لتشخيص المرض فقد كان المعتقلون في سجن المسكوبية يشكون للممرض أن زر القميص انقطع فيقدم لهم حبة اكامول للعلاج، أحد المعتقلين الظرفاء كان يقول للممرض قلبي بيدق فيقدم له نفس العلاج.

الراديو والتلفزيون

يوجد اليوم بحوزة المعتقلين الفلسطينيين راديوات ترانزستور مسموحة وجهاز تلفزيون في كل غرفة، وقد سمح لهم بحيازة هذه الأجهزة منذ عام 1985، في حين كان ممنوعاً عليهم الاستماع لأي جهاز سوى إذاعة إسرائيل من خلال سماعات كبيرة موجودة في غرف السجن وموصلة بجهاز راديو لدى إدارة السجن.

ممارسة الرياضة

لا تستغربوا لو علمتم أن ممارسة الرياضة في السجن كانت ممنوعة في سنوات الاحتلال الأولى من 1967 حتى أواسط السبعينات، حتى أن بعض المعتقلين حالياً لا يدركون حجم المعاناة التي عاناها من قبلهم حتى فرضوا ممارسة الرياضة كحق طبيعي للمعتقل.

إن ممارسة الرياضة ـ المسموحة اليوم ـ تساعد على تنشيط الجسم وتخفيض كمية الكولسترول في الدم، والحفاظ على حيوية جسم يظل مدة 22 ساعة في الغرف المغلقة ولسنوات طويلة، وهو ما تدركه إدارة السجن، ولذلك كانت تهدف على الدوام وضع المعتقل في أسوأ ظروف صحية حتى تؤثر بذلك على معنوياته وصموده في السجن.

ويمارس اليوم معظم المعتقلين الرياضة في السجن لكي يحافظوا على لياقتهم البدنية التي تصارع الأمراض، كل الأمراض في سجون إسرائيل.

الفورة أو كما يسميها اليهود "تيول"

يتواجد المعتقلون في غرفهم ـ هذه الأيام ـ مدة واحدا وعشرين ساعة، ويسمح لهم الخروج منها للساحة لمدة ساعتين ونصف فقط وتكون على قسمين: ساعة ونصف في الصباح وساعة بعد الظهيرة.

الفورة هي الوقت الوحيد الذي يستطيع فيه المعتقلون في الغرف لقاء بعضهم بعضاً بشكل جماعي، وتبادل الأحاديث والزيارات.

ويمارس المعتقلون رياضتهم أيضاً خلال الفورة، كما تعتبر فترة الاستحمام من وقت الفورة أيضاً، هذا في الوقت الذي يقضي فيه المدنيون معظم أوقاتهم خارج الغرف ويتناولون طعامهم في غرفة خاصة كبيرة، فإن المعتقلين الفلسطينيين يتناولون غذاءهم في غرف السجن وزنازينه، وتخير إدارة السجون المعتقلين بين هذا الوضع وخروجهم للعمل، وبالتالي تمتعهم بامتيازات أفضل فيصر المعتقلون على رفض العمل، ويستمرون في مطالبتهم بزيادة ساعات الفورة، لأن أشعة الشمس والهواء الطلق ضروريان لحياة الإنسان.

الحلاقة والماء الساخن

يعاني المعتقلون حتى اليوم من ندرة الماء الساخن في السجن، والذي يستخدم للاستحمام ولحلاقة الذقن، ففي الوقت الذي يستطيع فيه الموقوف في سجن الرملة أن يستحم يومياً في غرفته وبماء ساخن، فإن المعتقلين السياسيين لا يستطيعون ذلك إلا مرة أو مرتين في الأسبوع، بعض السجون يسمح بثلاث مرات أسبوعياً هذا بالماء الساخن، أما بالماء بالبارد فأنت ومدى تحملك للماء الذي يجلب مع الأيام الأمراض للعظام، ويطالب المعتقلون باستمرار توفير الماء الساخن، أسوة بسجون إسرائيلية مدنية.

وكانت أيضاً وفي أحيان كثيرة تدعي إدارة السجن عدم وجود شفرات حلاقة، وبالتالي ترك المعتقلين لأسابيع عديدة دون حلاقة، وأحياناً أخرى كانت إدارة السجن تقدم للمعتقلين شفرات حلاقة غير حادة مما يؤدي الى جرح المعتقل أثناء حلاقته.

رسائل وصور

لقد ذكرنا سابقاً أن من أهم القضايا ـ غير الحياتية ـ للسجين هي الزيارة لما لها من معان عائلية وعاطفية، أما القضية الثانية التي تحظى باهتمام المعتقلين فهي استلام الرسائل والصور من الأهل والأصدقاء، وهي قضية تستخدمها إدارة السجن للتأثير على المعتقلين باستمرار، وتحت حجة مراقبة الرسائل والصور لأسباب أمنية يتعطل وصول الرسائل للسجن أحياناً لشهر وأحياناً أخرى لعدة أشهر، وفي حالات غير قليلة لا تصل الرسالة قطعياً، وينطبق ذلك على الرسائل التي يرسلها المعتقلون لأهاليهم، ولا تسمح إدارة السجن للمعتقلين بإرسال الرسائل الطويلة فقد كانت تحدد لهم رسالة واحدة لكل سجين فقط، كما كانت تقدم للمعتقلين نماذج معدة سلفاً للرسائل لا يسمح للسجين بالكتابة سوى على صفحة واحدة صغيرة، وكانت تلزم الأهالي بالرد على نفس الرسالة ، الوجه الخلفي للورقة، ثم عادت إدارة السجون وسمحت للأهالي بالكتابة على أوراق عادية، ورغم سماح إدارة السجون للأهالي إدخال صورهم الى أولادهم فقد منعت المعتقلين من أخذ صور لهم في السجن، ولم تسمح لهم سوى مرة واحدة بالتقاط صورة لكل منهم، داخل السجن وبلباس السجن، وإرسالها للأهالي وذلك عام 1983 وهو ما لم يتكرر حتى اليوم. وكان ذلك مطلباً هاماً خصوصاً للمعتقلين أصحاب الأحكام الطويلة الذين سجنوا شباباً ثم أفرج عنهم وقد أصبحوا كبار السن، ولم يستطع أهاليهم في عمان مثلاً رؤيتهم أو حتى مشاهدة صورهم.

إنها جزء من مأساة شعبنا الذي يواجه عدواً شرساً يعرف تماماً كيف يستخدم كل شيء في سبيل خدمة مخططاتهم العدوانية.

لقد حرص المعتقلون الفلسطينيون على تفويت الفرصة على إدارة السجون وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعدم تمكينهما من تحقيق أهدافها الخبيثة من وراء سياستهما القمعية في السجون الإسرائيلية والتي تتلخص بما يلي:

 منع تأثير المعتقلين بالخارج.
 تفريغ المعتقلين من أية ارتباطات وطنية وتحويلهم الى مجرد سجناء عاديين ، مجرمين ليس لوجودهم في السجن أية أهداف سياسية.
  الحد من تضامن الناس معهم، لإحباطهم وبالتالي استسها تساقط بعضهم للتعامل مع سلطات الاحتلال ليكونوا عبرة لمن يسيرون على دربهم وذلك لكي يتخلوا عن كفاحهم الوطني ، ورغم العدد الكبير الذي استطاعت اسرائيل اسقاطهم للتعامل معها فقد استمرت المقاومة الوطنية ضد الاحتلال ولم تفتر او تتراجع حتى اليوم .

وحتى يستطيع المعتقلون تجاوز أهداف إدارة السجون، فقد حرصوا على استغلال وجودهم في السجن من أجل تطوير ثقافتهم وتعليم أنفسهم، وتعميق أواصر العلاقة الكفاحية بينهم، وتنمية معارفهم وإلمامهم بقضيتهم الوطنية وطبيعة صراعهم مع العدو الإسرائيلي ليكونوا بحق صورة مشرقة لثورة تناضل من أجل حرية وطنها وشعبها.

صراع عنيف خاضه المعتقلون الفلسطينيون بدأ بمطالبتهم بحق امتلاك القلم الذي كانت حيازته ممنوعة، وتعتبر مخالفة يعاقبون عليها، وكانت علب السجائر الفارغة بمثابة الدفاتر الأولى التي استخدمها المعتقلون لمراسلاتهم ونقل أخبارهم لبعضهم بعضاً.

إن النضالات الطويلة والباسلة التي خاضها مناضلونا في سجون الأسر الإسرائيلية هي التي جعلت إدارة السجون تسمح للمعتقلين اليوم بامتلاك القلم والورقة والسماح بإدخال العديد من الكتب خصوصاً التعليمية، كما سمحت لهم بالانتساب لامتحانات التوجيهية بحيث أصبح الوضع اليوم مناقضاً لما كان في بداية سني الاحتلال.

لقد استطاع المعتقلون السياسيون تطوير ثقافتهم في مختلف المجالات التاريخية والسياسية كما زادت معرفتهم بأصول عمل تنظيماتهم مما ساهم في حل الكثير من المشاكل الداخلية، وعمل المعتقلون بنشاط لتعليم الأميين في صفوفهم ولم تمض فترة طويلة حتى أنشأ كل سجن مجلات ثقافية شهرية وفصلية مكتوبة بخط اليد، وتوزع على المعتقلين للإطلاع عليها مما خلق تناغماً أدبياً وشاعرياً فبرز الكتاب والأدباء الذين بدءوا ينشرون إنتاجهم خارج القضبان ثم واصلوا الكتابة بعد الإفراج عنهم، أعرف منهم مثلاً محمد عليان من المكبر، وعطا القيمري من القدس، محمد أبو النصر من غزة، نايف أبو عيشة من نابلس، راضي عبد الجواد من نابلس أيضاً وغيرهم الكثيرون.

لقد أدخلت إدارة السجون عبر الصليب الأحمر وأحياناً عبر الأهالي آلاف الكتب للسجون، ولكنها كانت تحرص على أن لا تكون الكتب الخاصة بالقضية الوطنية من بينها، فأدخلها المعتقلون مكتوبة بخط اليد بطريقتهم الخاصة، ومما ساهم في تنشيط العمل الثقافي في السجون بشكل أفضل قرار قيادات السجون بتشكيل اللجان الثقافية، وعقد الاجتماعات الثقافية الحزبية التي كانت تتم مرة كل أسبوع كأقل تقدير، فنشأ في السجون جيل من المثقفين اللذين منعتهم ظروف العمل خارج السجن من القراءة والكتابة فوجدوا ظروفاً مناسبة لتطويرها خلف القضبان، ولم تكن الأمور تمر بسهولة فقد كان الصدام مع إدارة السجون حول هذه المسألة وارد باستمرار وكانت ولم تزل سياسة مصادرة الدفاتر، وكل ما هو مكتوب بخط اليد سياسة دائمة لإدارة السجون، رغم كل ذلك فقد اعترف مسؤولون مختلفون في حكومة إسرائيل بأن المعتقلين في السجون يمارسون تأثيرهم على الخارج ويرسلون لهم القرارات والتوجيهات وبأنهم يستخدمون السجن للتحريض وتنظيم المعتقلين الذين تعتقلهم السلطات لنشاطات سياسية بدون أن يكون لهم أية انتماءات فصلية.

ولقد أكد أكثر من مسؤول في إدارة السجون الإسرائيلية أن الدفاتر التي تصادرها إدارة السجون من المعتقلين لا تعمل على إتلافها، كما يتوهم البعض ولكنها تعمل على الاحتفاظ بها وعرضها على لجنة خاصة في إدارة السجون لكي تحلل من خلالها سياسة المعتقلين، معنوياتهم، سلوكهم اليومي علاقتهم الداخلية ولكن تستخلص مدى عدائهم لإسرائيل، وتستخدم السلطات هذه المواد لكي تدلل بها أهداف المعتقلين "الحقيقية" تجاه إسرائيل ووجودها.

إن أكثر المجلات الإعتقالية التي حافظت على استمرار صدورها في موعدها المحدد، واستطاعت أن تتجاوز مظاهر الخلافات السياسية بين الفصائل هي مجلة "نفحة الثورة" التي كان يكتبها المعتقلون في سجن نفحة، وقد كتب في هذه المجلة عدة كتاب استمروا في الكتابة بعد الإفراج عنهم، فهم على سبيل المثال: راضي الجرعي وقد رئس بعد الافراج عنه تحرير مجلة "الأسبوع الجديد" وكتب فيها ـ في نفحة الثورة ـ محمد حمدان القاق ، موجود الآن في الأردن محمد عليان وعطا القيمري أعضاء في اتحاد الكتاب في الضفة والقطاع، محمد أبو النصر، اختطفته إسرائيل وأعلنت عن استشهاده لكنها لم تسلم جثته حتى اليوم، كما كتب فيها عادل وزوز وآخرون.

لقد ساهمت هذه التجربة تجربة تطوير الوضع الثقافي وحملات التوعية في السجون الى تطوير وعي المعتقلين وتصليب انتمائهم ورفع معنوياتهم وتوسيع مداركهم وحسهم الأمني في مواجهة إدارة السجون، وهذا ما يفسر سبب انتشار ظاهرة عزوف غالبية المعتقلين بعد الإفراج عنهم عن العمل الوطني في السبعينات، واستمرار أغلبهم في النضال الوطني فيما بعد، حيث أصبح من السهل أن ترى اليوم معتقلين يعتقلون للمرة الثانية أو الثالثة.

لقد سمحت إدارة السجون بعد تدخلات الصليب الأحمر، وضغط المعتقلين على السماح للمعتقلين بالانتساب الى امتحانات التوجيهية وتقديم الامتحانات في السجن بإشراف مندوبين من إدارة الامتحانات، ولكن بسبب الخلل الكامن في عملية الامتحانات وعدم ضبط المراقبين لسير الامتحانات بشكلها السليم فإن مديرية التربية والتعليم كانت قد حددت معدلات عامة للنجاح بالنسبة للمعتقلين تتراوح بين الخمسين والسبعين ولم تسمح بتجاوز هذا السقف.

أما بالنسبة للانتساب للجامعات فقد استمرت إدارة السجون برفض الطلب، هذا إضافة الى أن جامعات الداخل لا يوجد فيها أي نظام يسمح بتقديم الامتحانات بالانتساب كما هو الحال بالنسبة للتوجيهي ولكنها عادت وسمحت لحالات منهم في سنوات التسعينات بعد اتفاق اوسلو الانتساب الى الجامعات الاسرائيلية ..

مشاكل خاصة

كما يوجد لكل سجن ظروفه الخاصة التي قد تختلف نسبياً عن سجن آخر، فكل سجين أيضاً له مشاكله الخاصة، بعض هذه المشاكل ما يحتاج الى اهتمام لجنة المعتقلين والعمل على حلها.

فعلى سبيل المثال، قد يكون في السجن معتقل فلسطيني اعتقلته إسرائيل من لبنان ولا يوجد له أقارب في الداخل لزيارته، فترتب له اللجنة زيارة دائمة من أهالي أحد المعتقلين، وهو ما كان يواجه بصعوبة لرفض إدارة السجن أحياناً السماح لأحد بزيارته غير أقاربه، ومن الأمثلة على المشاكل الخاصة مثلاً وجود أخوين في السجن كل منهما في سجن يختلف عن الآخر مما يخلق المتاعب والمشاكل للأهل بالزيارة، حيث يطالب السجين هنا من خلال ممثل المعتقل بنقله الى السجن الآخر ليكون مع أخيه بنفس السجن وهو ما تضع الإدارة العراقيل أمام تنفيذه . وفي اواخر الثمانينات قررت ادارة السجون السماح للاقارب فقط للزيارة ومنعت الاخرين كالاصدقاء والمعارف مما حرم مئات المعتقلين العرب والفلسطينيين القادمين من لبنان والاردن من الزيارة حيث يعيشون دون ان يزورهم احد .

وقس على ذلك أمثلة كثيرة بعضها قد يكون عاطفياً واجتماعياً، ومن الخطأ جداً الاعتقاد أن المعتقلين الفلسطينيين هم رجال من الحديد لا يحسون ولا يتألمون بل هم بشر لهم مشاعر وأحاسيس عاطفية واجتماعية يحتاج بعضهم لرعاية لجان المعتقلين ومواساة من حوله، فمعتقل يقضي حكماً بالسجن عشرين سنة مثلاً ويسمع عن وفاة أخيه أو أبيه وأحياناً ابنه وهو خلف القضبان يتأثر كما يتأثر أي شخص عادي، بل وأكثر قليلاً لأنه خلف القضبان.

معتقل آخر أهله في الأردن مثلاً يزورونه كل خمس سنوات مرة بسبب إجراءات الاحتلال، ورفض السماح لهم دخول المناطق المحتلة، وغير ذلك من المشاكل والمعاناة التي لا يفهمها ولا يشعر بمعناها الحقيقي إلا اللذين عاشوها وذاقوا مرارتها.

كما ذكرنا سابقاً فلكل سجن ولكل معتقل ظروفه الخاصة، لكن هناك ما هو مشترك وعام بين معظم السجون ومعظم المعتقلين أيضاً.

وبشكل عام فإن المعتقلين يبدأون صباحاً مع الفورة الأولى بممارسة الرياضة وهي بشكل خاص رياضة الركض ونط الحبل والتمارين السويدية المختلفة، بعد ذلك يستحمون غالباً في الماء البارد ثم يتناولون طعام الفطور، ومنذ عودتهم للغرف حتى وقت الغداء تكون فترة هدوء يمنع فيها الصياح أو رفع الصوت لإعطاء مجال للدراسة، القراءة، الاجتماعات الثقافية، وبإمكان غير الراغبين بالقراءة ممارسة لعبة الشطرنج مع آخرين مثلهم، وبعد فترة الغداء التي غالباً ما تكون بين الساعة الثانية عشرة الى الساعة الثانية، يذهب قسم من المعتقلين للنوم ـ القيلولة ـ ثم يخرجون للساحة للمرة الثانية، وعند عودتهم النهائية للغرف يسمح للجميع بممارسة أي شيء، الحديث بصوت مرتفع والاستماع للراديو حتى ما بعد العشاء بقليل حيث تعود فترة الهدوء من جديد، وفي الساعة العاشرة يطفأ السجان الأنوار ولا مجال أمام المعتقلين سوى النوم.

وتختلف من سجن لآخر طريقة إدارة الغرف وموعد الهدوء، الدراسة وغيرها، خصوصاً بعد إدخال التلفزيون للغرف.

أساليب متنوعة في مواجهة إدارة السجن

ليس في أيدي المعتقلين حجارة يلقونها على السجانين، وليس لديهم دبابات ومدافع كتلك الموجودة على الجبهات العربية "للفرجة" ولكن لديهم وسائلهم الخاصة كمعتقلين والتي لا أسلحة لهم سواها، وقد اكتسب المعتقلون خلال صراعهم الطويل مع إدارة السجون تجارب غنية ساعدتهم في مواجهتها، وتختلف وسائل المواجهة مع إدارة السجن من وقت لآخر، وتلعب طبيعة المطالب الاعتقالية دوراً في تحديد أشكال المواجهة التي تتراوح بين الإضراب الجزئي عند زيارة مثلاً، عن وجبة الغداء، عدم الالتزام بأوامر السجن في بعض القضايا الجزئية وانتهاء بالإضراب التام والمفتوح عن الطعام والذي لا يتخذ القرار به إلا بعد استنفاذ كل سبل الحوار مع إدارة السجن.

عند اتخاذ قرار الاضراب عن الطعام تقوم لجنة الاضراب بالاجراءات التالية :

 الإعداد النفسي للمعتقلين، وشرح أضرار الإضراب الجسدية.
 إعطاء تعليمات بكيفية التصرف في كل حالة يواجهها المعتقلون.
 منع كبار السن والمرضى من المشاركة بالإضراب حتى لا يتضرروا أو يضطروا لفك الإضراب وبالتالي التأثير على معنويات المعتقلين، ونقلهم الى غرفة خاصة.
 جمع كل المواد الغذائية الموجودة في السجن وتسليمها للإدارة حتى لا تدعي أن المعتقلين غير مضربين.
 تعد لجنة المعتقلين عن الإضراب رسائل عديدة الى الخارج، هيئات دولية، صحافية، م.ت.ف. الخ، تشرح عن أوضاعهم وقرارهم بالإضراب وتطالب بالدعم الإعلامي الفعال لذلك وتحاول لجنة المعتقلين أن تدرس ملائمة الوضع خارج السجن لإعلان الإضراب، وبالتالي استعداد الناس بالتظاهر والاعتصام تضامناً مع المعتقلين، إذ لن ينجح إضراب مفتوح عن الطعام دون مشاركة الخارج وتحركهم الفعال، هذا ما أثبتته تجارب الصراع في السجون.

الإضراب عن الطعام ليس نزهة، فقد يؤدي إذا طالت مدته الى استشهاد بعض المعتقلين، وقد استشهد خلال الـ25 سنة الماضية عشرات المعتقلين بعضهم استشهد خلال الإضراب مثل الشهيد عبد القادر أبو الفحم (أول شهيد داخل المعتقلات الصهيونية)، ومثل علي الجعفري وراسم حلاوة شهداء إضراب سجن نفحة الشهير.

كما استشهد معتقلون آخرون أصيبوا بأمراض عديدة لمشاركتهم في إضرابات عن الطعام مثل اسحاق مراغة (سلوان وكان محكوماً عشرين سنة)، وأنيس دوله من قلقيليه (محكوم مؤبد)، عون العرعير، رمضان البنا، كما استشهد معتقلون آخرون لكثرة الأمراض التي خلفها طول الأسر في أجسامهم ومنها الإضرابات، مثل الشهيد عمر القاسم أمضى 21 سنة في السجن واستشهد فيه، حافظ غنام وعبد الرحيم الشطريط وغيرهم الكثير.

وتحرص لجنة الإضراب على الإعلان عن بدئه بعد أول فوج زيارة لكي يخبر المعتقلون أهاليهم بقرار الإضراب، ويطالبونهم إعلان تضامنهم معهم ثم يقطعون زيارتهم عائدين الى السجن.

بعد القرار عن بدء الإضراب تسلم إدارة المعتقل فوراً للجنة الإضراب وتجمد جميع اللجان الأخرى، سوى التي تشكلها لجنة الإضراب، وفي العادة فإن لجاناً ثانية تكون مشكلة سلفاً لتحل محل لجنة الإضراب في حال إقدام إدارة السجون على نقلها من السجن الى سجن آخر.

السجون الأخرى تعلن تضامنها على طريقتها الخاصة مع إضراب أي سجن، وفي أغلب الأحيان تلتحق بالإضراب بعد أيام وبشكل تصاعدي مثلا سجن كل يوم وغالباً ما تكون المكاسب التي يحققها أي سجن مكسب لكل السجون، لأنها تنعكس عليها.

إن أهم المكاسب التي حققها المعتقلون حققت بالإضراب المفتوح والطويل، فالسماح للمعتقلين بالنوم على فرشات إسفنج (سمك 12 سم) لم تتم إلا بعد الإضراب، والسماح بالنوم على أسرة من حديد لم يتم إلا بعد الإضراب، وإدخال الراديو والتلفزيون وتحسين نوعية الطعام.. لم يتم إلا بعد إضراب وسقوط شهداء.

لقد خاض المعتقلون الفلسطينيون عشرات الإضرابات التي استمرت تختلف في مدتها عن بعضها بعضاً، لكن أبرزها وأطولها مدة كان:
 إضراب عسقلان في مطلع السبعينات، والذي استمر حوالي الشهر وأدى الى استشهاد عبد القادر أبو الفحم.
 إضراب عسقلان عام 1978 استمر 54 يوماً.
 إضراب سجن نفحة الشهير الذي صاحبه حملة لقمع المعتقلين بإشراف وزير الداخلية الإسرائيلي آنذاك د. يوسف بورغ عام 1980، حيث أشرف بنفسه على نقل قسم من المضربين من سجن نفحة الى سجن الرملة، ليتعرضوا الى محاولات فك إضرابهم بالقوة حيث استخدم ضدهم أشد وأشرس أجهزة القمع والضرب، مما أدى الى استشهاد راسم حلاوة وعلي الجعفري، وكاد الشهيد إسحاق مراغة أن يستشهد حينها إلا أن طبيب السجن عمل كل جهده لإنقاذه (استشهد فيما بعد) قائلاً له: لن أتركك تستشهد لأني لن أتركهم يصنعون منك بطلاً قومياً. والمعروف أن السيد أبو جمال مراغة كان أحد قيادات الجبهة الشعبية في السجون. استمر الإضراب شهراً كاملاً وهو أشرس إضراب وأكثره عنفاً.
 إضراب سجن جنيد عام 1985، استمر حوالي أسبوعين.

الإضرابات المذكورة كانت أهم الإضرابات لأن نتائجها كانت جيدة على المعتقلين، وكانت كل منها نقطة تحول في تاريخ المعتقلات، ولكن يبقى إضراب سجن نفحة العلامة المضيئة لأنه كان مواجهة شاملة بين حكومة إسرائيل وإرادة المعتقلين، وإذا كان جميع معتقلي "نفحة" قد قاموا بدورهم في التصدي لمخططات الإدارة، فإن قيادة الإضراب كان لها الدور الكبير في نجاحه، والتي كانت تتشكل من الشهيد عمر القاسم (عن الديموقراطية) ويعقوب دواني (من الشعبية) ومحمد حسان (عن فتح).

عملاء السجون

ضمن أساليبها القمعية في محاربة المعتقلين الفلسطينيين تستخدم إدارة السجون العملاء والمتساقطين في تنفيذ مخططاتها لضرب المعتقلين وإثارة الخلافات بينهم لإلهائهم عن مواجهة إدارة السجون بمطالب جديدة.

للسلطات الإسرائيلية أساليب كثيرة ومتنوعة لإسقاط العملاء خارج السجون وداخلها، ولا تستغرب أيها القارئ إذا علمت أن المخابرات الإسرائيلية قد تكلف أحد عملائها سواء رضي أم لم يرض بدخول السجن تحت أية تهمة للقيام بمهمة التجسس على المعتقلين داخل السجن، ولكن معظم العملاء الذي اكتشف أمرهم في السجون كانت السلطات الإسرائيلية قد أسقطتهم داخل السجن.

قبل الحديث عن أساليب الإدارة في إسقاط بعض المعتقلين يجب الانتباه بعدم تهويل الموضوع والاعتقاد بأن السجون مليئة بآلاف العملاء، كما يجب أن يعلم القارئ أن كل الشعوب التي رزحت تحت الاحتلال وجد فيها العملاء والمتعاونون، فرنسا مثلاً قدر عدد العملاء النازيين فيها أثناء الاحتلال الألماني بـ 72 ألف عميل وقس على ذلك بقية الدول والشعوب.

تبدأ محاولات الإسقاط منذ اللحظات الأولى للاعتقال أي _ التحقيق _ حيث يلجأ المحقق الى ترغيب بعض المعتقلين بالإفراج عنهم دون محاكمة أو إصدار أحكام خفيفة عليهم، مقابل تعاملهم مع السجانين ونقلهم المعلومات المطلوبة منهم، كما تلجأ إدارة السجون فيما بعد الى محاولات إسقاط المعتقلين من خلال عدة أساليب منها:

 عدم تقديم العلاج اللازم إلا مقابل التعاون
 الإفراج قبل انتهاء مدة الحكم
 تسهيل وصول الرسائل وأغراض الأهل

وغالباً ما تكون مطالب إدارة السجن في البداية من المتساقطين عادية لا توحي بالتعامل، وذلك لتشجع المعتقلين المتساقطين على القيام بها مثل الطلب من المتساقط بمعرفة أسماء أخوة وأخوات زميل له في السجن، مع أن إدارة السجن لا ينقصها مثل هذه المعلومات غير السرية، وعندما يقوم المعتقل بنقل أول معلومة تبدأ إدارة السجن الإيحاء له أنه أصبح عميلاً خطراً وأن رفاقه سيعدمونه إذا علموا بأمره، وأن إدارة السجن ستضطر الى كشفه لهم ليعدموه إذا تراجع عن التعامل معهم، وهكذا تحاول إدارة السجون جلب المتعاونين وتقطع عليهم خط التراجع، ويعلم المعتقلون الفلسطينيون هذه الحقيقة وهم لذلك يحاولون جاهدين عدم تنفيذ أحكام الإعدام في السجن إلا ضد المعتقلين الخطرين الذين قاموا بمحاولات قتل وإسقاط كثيرة، وذلك لكي تفتح الطريق واسعاً أمام عودة المغرر بهم أو الذين يرغبون في التوبة، وقد ساعد هذا الأسلوب في تراجع الكثير من العملاء واعترافهم الفوري بتساقطهم وتعهدهم بعدم التعامل مع الإدارة مطلقاً.

إن ما يشجع الكثير من العملاء غير المتورطين بأعمال خطرة على التراجع ليس فقط محاولات المعتقلين بإصلاحهم ولكن لأنهم أدركوا أن إدارة السجون لا تفي بوعودها لهم ولا يهمها كشفهم وإعدامهم، فإدارة السجون يهمها في مراحل معينة إسقاط الكثير من العملاء ثم كشفهم لزملائهم مرة واحدة، لماذا؟ لكي تساهم في خلق حالة من الإحباط لدى معتقلين آخرين خصوصاً الجدد منهم الذين يتساءلون عن معنى وجود هذا العدد من العملاء بين صفوفهم.

كما تهدف إدارة السجن الى قتل الروح المعنوية للسجين حتى لو لم يتعامل معها بشكل عملي، فالمحققون يلجأون أحياناً الى أساليب قذرة مع المعتقلين الشباب ـ صغار السن ـ حيث يجبرونهم بالتوقيع على أوراق بيضاء بالقوة يكتبون عليها بأن المعتقل الفلاني قبل التعامل مع المخابرات، ثم يطلبون منه تقديم المعلومات كي لا ينشروا توقيعه عليها لرفاقه، وقد حدثت هذه الأساليب وبشكل واسع في سجن غزة في مطلع الثمانينات مما استدعى قيادة المعتقلين بإصدار قرار يعفو عن جميع المعتقلين المتورطين بهذه الأساليب وطالبهم بالإعلان عما حصل معهم ورفض ضغط المحققين واعتبار التوقيع على الأوراق خلال التحقيق وبالاكراه مسألة عادية لا تقلل من وطنية أي معتقل ولا تعني التعامل ، وهكذا استطاعت قيادة المعتقلين تفويت الفرصة على المحققين لإسقاط الأبرياء والمناضلين. أساليب إدارة السجن كثيرة ونحن هنا لا نستطيع شرحها جميعها لأن ذلك يحتاج الى كتاب خاص، وإنما أردنا فقط إعطاء القارئ لمحة ليس إلا.

ماذا تريد إدارة السجون من العملاء؟

 إسقاطهم من الصف الوطني
 إحباط الناس أو المعتقلين الآخرين بوجود عملاء بينهم
 نقل المعلومات للإدارة عن تحرك المعتقلين، قرارهم بالإضراب، آرائهم، العلاقات بينهم..الخ
 محاولات إثارة الفتنة بينهم، مثلاً قيام العميل "غير المكشوف" بافتعال مشكلة مع شخص آخر من تنظيم آخر لإثارة المشاكل بين التنظيمين، مثلاً أحد العملاء كان مكلفاً بسرقة القداحات المستخدمة لتوليع السجاير من المعتقلين ورميها، وذلك لكي يتهم كل معتقل رفيقاً له بالقيام بالسرقة وخلق حالة من البلبلة.

 إسقاط عملاء آخرين كانت إدارة السجون تكلف بعض العملاء بإسقاط آخرين مثلهم أو الاقتراح للإدارة عن أشخاص يمكن للإدارة تجنيدهم لصالحها.
 وأخيراً تضليل قيادة المعتقلين، حيث تقوم إدارة السجون بالإيحاء لعملائها بأن فلاناً وفلاناً هم عملاء لها أيضاً وتطلب منهم الاعتراف عليهم في حال انكشافهم ، ولكي تمرر الإدارة أسلوبها تحرص على أن يكون بين الأسماء المذكورة عملاء فعلاً "غير مكشوفين"، تفرط بهم من أجل أن تدس بينهم اسم أحد الوطنيين لكي يتهمه رفاقه بأنه عميل ويحققون معه، وقد وعى المعتقلون هذه الأساليب ولم تنطل حيل الادارة عليهم.

كيف يكتشف المعتقلون العملاء؟

أولاً، لا بد من الإشارة الى أن المعتقلين الفلسطينيين قد اكتسبوا تجاربهم بالتدريج عبر صراعهم مع إدارة السجون، وأن أوضاعهم اليوم وخبرتهم في أساليب العملاء وأساليب كشفهم قد نما وتطور وليس من المفيد كشف أساليب كشف العملاء في السجون لأنها تظل أحد أساليب المعتقلين السرية في مواجهة إدارة السجن، ولكن من المفيد القول أن قيادة المعتقلين تسهر على أمن أخوتها ورفاقها وتتخذ القرارات التي تكفل ذلك، كما تشكل اللجان الخاصة والسرية لنقل المعلومات الأمنية أو أية تجاوزات في هذا المضمار، ويتبادل المعتقلون في السجون هذه المعلومات من سجن لآخر لأن المعتقلين ينتقلون من سجن لآخر كل فترة.

المعلومات الأمنية التي تخص المعتقلين تبقى سرية ولا يحق لأحد الإطلاع عليها سوى لجنة الأمن وقيادة التنظيم فقط.

لقد حصل وتم إعدام العديد من العملاء الخطرين الذين قاموا بمخالفات أمنية خطيرة ضد شعبهم، ويكون القرار بالإعدام في هذه الحالة قراراً وطنياً، الشهيد عمر القاسم أعدم العميل مازن الفحماوي من جنين الذي قام بتسميم المياه في مدرسة البنات في جنين في مطلع الثمانينات كما قام بإسقاط بعض الفتيات اللواتي خدرهن في أحد الصالونات التي كان يتعامل صاحبها مع المخابرات.

كما أعدم المعتقل محمد دوحان أحد العملاء أيضاً وأعدم المعتقل أشرف العجرمي في سجن غزة أحد العملاء، إضافة لأعداد أخرى في سجون مختلفة.

دورنا في إسناد المعتقلين

كما ذكرنا في حلقات سابقة، فإن الحديث عن معاناة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وإعطاءه حقه الكامل أمر يحتاج الى مساحات أكبر لا تستطيع جريدة أن تنشره بالكامل.

ولا نستطيع القول أننا أوفينا حق المعتقلين علينا بنقل صورة كاملة عن أوضاعهم، ولكنا ساهمنا بما يمكن لنا المساهمة به في وضع قرائنا المغتربين بصورة أبناء شعبنا الفلسطيني في زنازين الأسر الإسرائيلي.

إن المعتقلين الفلسطينيين بلا شك يعانون من قصور ولا أقول إهمال في متابعة قضاياهم وهذا القصور نابع بشكل أساسي من قبل قيادة م.ت.ف. سابقا والسطة الوطنية حاليا التي يقع على عاتقها متابعة قضاياهم.

 إن أهم الثغرات التي ما زالت حتى اليوم في أساليب متابعة قضايا المعتقلين هي تعامل كل تنظيم مع معتقليه والإشادة بهم ونشر صورهم، لا يوجد تعامل وطني موحد وشامل تجاه المعتقلين.
 قصور مكتب أسر الشهداء في صرف مخصصات المعتقلين، وتعطيل الكثير من المعاملات لأن أصحابها ليسوا من فتح وهذه ظاهرة تتكرر كل يوم وحتى هذه اللحظة.
 مخصصات المعتقلين غير كافية، فهي عبارة عن معدل مئة دولار للمعتقل الواحد، وهي لا تكفي أجرة بيت صغير في الخليل أو حتى جنين فما بالك مدينة القدس؟!
 لا يوجد لجنة وطنية عامة في الداخل لمتابعة قضايا المعتقلين واحتياجاتهم في السجون من أجل توفيرها، وكل ما هنالك لجان فئوية بحتة فكل تنظيم يريد الدعاية لأنصاره فقط. وفي عام 1998 تم تشكيل وزارة في السلطة الفلسطينية باسم وزارة شؤون الاسرى ساهمت في التخفيف من الاهمال بحقهم لكنها لم تستطع حتى الان سد الخلل كاملا .

وبعد,

ثمة ثغرات كثيرة في أساليب دعم المعتقلين في السجون ليس فقط وهم في المعتقل ولكن أيضاً بعد الإفراج عنهم، فهناك مئات المعتقلين الذين قضوا في السجون ما بين عشرة الى عشرين سنة عاطلون عن العمل لا يجدون من يشغلهم أو يساعدهم في إعالة عائلاتهم اللهم إلا صدقة يتصدق بها قادة م.ت.ف. عليهم، وهي دفع مخصص خمسين ديناراً أي 75 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي إلا أسبوع واحد على أكثر تقدير، في حين يتقاضى الوجهاء والأزلام عشرات الآلاف من الدنانير لا ندري من أين أتت.

الحلقة الرابعة والأخيرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى