الاثنين ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم عـادل عطية

رابط الحمار.. وصاحبه!

هل كنا نفكر، ونحن نتخذ من سمعة الحمار "السيئة"، سبّة وشتيمة، أننا سنصبح شركاء معه في بطولة "مثل" من الأمثال الشعبية؟!..

نحن لا نفكر كثيراً في أشياء كثيرة، قبل أن نتعامل معها بعفويّة مفرطة، ومنها هذا المثل، الذي نتوارثه كوصيّة مقدسة.. ونتداوله، ونمارسه على غير هدى، والذي يقول بصوت عالٍ: "أربط الحمار مطرح ما يحب صاحبه"!
أقول قولي هذا؛ لأحكي لكم ما حدث لشخص أعرفه، بدأت قصته هذه من اليوم الأول من استلامه العمل بمكتب متخصص في أعمال الديكور:

فقبل أن يجف مداد القلم الذي دوّن به توقيعه على عقد عمله، قال له أحدهم، وكأنه ناصحاً متنصحاً: "أربط الحمار مطرح ما يحب صاحبه"!

وكاد هذا الشخص أن يقول لناصحه: وهل نحن الآن في "مكتب الحمار للديكور؟!"..

ولكنه تدارك البلاء قبل وقوعه، محذراً نفسه، من أن يكون هذا المثل، فخاً لامتحان مدى طاعته، فشكره على هذه النصيحة الثمينة، وهو يهم ذاهباً إلى المربط، أقصد إلى العمل!

كان مهندساً بارعاً في طاعته، معتاداً على أن يربط الحمار، حيث أريد له، ويكسب رضى صاحبه، مغمضاً عينه عن نظرات الحمار المسكين، الذي دائماً ما كان يتأذى من موضعه غير المريح!

هذا المهندس، أستفاق يوماً من هذه العادة الذميمة المؤلمة، على طلب من أحد العملاء، كان طلبه يتعارض مع كل القيم الجمالية، وستكون سابقة أعمال سيئة ـ إذا استجاب له ـ، يشار إليها بالبنان كلما فكر أحدهم بالتعامل مع هذا المكتب!
ووجد نفسه وجهاً لوجه أمام هذا المثل السائر، الذي استشعر، بدوره، الغدر من عقله، فقابله بالتحفز المخيف. ولكن المهندس قرر تحديه بشجاعة وجدية، وأن يتخذ موقفاً إنسانياً ـ رغم أنف هذا المثل اللعين ـ في أمر هذا الحمار، بعد أن فكر قائلاً:

إذا كان هذا الحمار من لحم ودم، ومملوكاً لأحدهم؛ فمالكه حر في طريقة تعامله مع حماره: يذبحه، يقتله، يركبه، يربطه، يفعل به ما يحلو له هو حماره.. طالما أن هذا الحمار لا يعمل شيئاً غير النهيق، وطالما لا ينام جوعاناً.. فهذا ما يهمه، وهذا قمة طموحه وسعادته كجموع الحمير!

أما أن يكون هذا الحمار من دستور وقوانين، ومن اخلاقيات، وجماليات؛ فالأمر مختلف عظيم الاختلاف؛ لأن هذا الحمار من النوع الذي لا يعطش، ولا يجوع، ولا يقبل الخنوع والخضوع!

وهنا أدرك أنه ظلم هذا الحمار "الاعتباري" لسنوات عدة، ومن حق هذا الحمار أن يتنفس الصعداء، وإلا.. لا يكون جديراً برعايته، ويتركه لشخص آخر، ولا يتحمل وزره!

عندما استقر هذا المفهوم في ضميره، الذي طالما أنّبه وأوجعه؛ حتى قرر أن يصنع الصواب؛ فقام بتعديل وتبديل في رغبات العميل الخاطئة؛ ليقدم له، بعد ذلك، تحفة فنيّة، تنطق بالحداثة والجمال!

ولكنها التحفة التي كسرت إرادة العميل، وأدّت إلى كارثة غير متوقعة، فقد استشاط العميل غضباً، وقلب الدنيا ولم يقيمها؛ لأنه لم يرى الجمال الذي كان يطالعه من بين يديّ المهندس، بل رأى أن هذا المهندس خالف مشيئته، وهذا مربط الحمار!
فلم يجد المهندس مفراً من تقديم طلب استقالته من العمل، حامداً الله، أن صاحب العمل، عندما قبل طلبه، لم يطالبه بقيمة إعادة ربط الحمار، كما يقول صاحبه!

وبينما هو يغادر عمله، كان لا يزال يفكر بألم في أمر ذلك الحمار، الذي قُدّر له أن يُقاد عنوة، إلى حيث يحب صاحبه أن يربطه!...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى