الاثنين ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤
بقلم فرزانة فروغي

الطبيعة في شعر إلیاس أبي شبکة

المقدمة
الطبيعة هي من أكبر ما تتجلي في ديوان إلیاس أبی شبکة، و لاغرو من ذلك، لأن الطبيعة تموج في أشعار الشعراء الرومانسيين موجا، و أبوشبكة كشاعر رومانسي يري الشعر كائنا حيا تتركز علي الطبيعة و الحياة، فالشاعر يري في الطبيعة قيثارة تغني اغنياته، فهو يري في الطبيعة اغنية الحب و الكمال والجمال و السمو و العدل و النصف خلافا لمجتمعه الذي يعيش فيه! و قد تري الشاعر يشكو من المدينة و مظاهرها الخلابة البراقة، و يصور لنفسه و لجيمع أبناء مجتمعه صفاء القرية ونقائها، و أن المدينة هي مكان الظلم و اللااشفاقية و الفساد.
لو هم يعلمون ماذا يقاسـي
عاشق يستجيـر في لبنانه
لودروا أن في الطبيعة عدلا
قطع الظلم كفتــي ميزانـه
لاستباحوا كفرانه و استحلوا
أن يظل الحزين في كفرانه [1]
کلمات الرئیسیة: الرومانسیة، الطبیعة، أبوشبکة
فشعور الشاعر المعمق بالطبيعة و جمالها و كمالها أدّت به أن يتفرّد بديوان كامل له للطبيعة و جمالها و أغنياتها مما سماه بديوان الألحان، فهو يتغني في هذا الديوان بالفصول و الجمال وبالأشجار و الأنهار وبالجنان و الحدائق، فهو في ديوانه يعلن كافة مظاهر الطبيعة و مشاهدها:
جبالنـــــــا نحبهـــا
هذه العيون قلبهــــــا
هذه الجنان خصبهــــا
حليها: التفاح و العنــب
الحانها الرياح في القصب
و كلهـا لنا وللبنين بعدنا [2]
هذا و أن أبي شبكة يحب الطبيعة حبا بلغ حتي النخاع، حبا غطّي كل وجوده و استظل بظله، و بعدما يجرح ضوضاء المدينة و غوغائها جبلة الشاعر يجنح الي طبيعة قريته و مسقط رأسه، و يعتز بها، تلك القرية التي كانت قد انجبت اجداده و أمهاته و ستنجب أولاد الأمة العريقة الطاهرة:
صغيـرة بيــن الـدول
كبيـرة مثـــل الأمـل
كانت لنـا ولـــم تزل
بلادنا اجدادنا أولادنا
زلالها ترياق، ترابها اخلاق و
شمسها ذهب. [3]
فأحب شاعرنا الجمال، فلم يجد صعوفة تذكر في ايجاده حوله و كل ما حوله خلق رائعا يدعو لأن يملأ نفس شاعر يعشق اللون و الصوت و الرائحة و الحلم شعرا رقيقا يحاول فيه أن يرينا غبطته بايجاد هذا الكنز، يصف كل ما حوله ليوصلنا الی أن السعادة تكمن فيما حولنا لو أتقنا فعل الرؤية و فعل الاصغاء، و نری الشاعر فقد وصف النحل ذهبي اللون لماعا و أسمعنا طنينه الموسيقي الجميل، وصفه بحب تماما كما وصف كل ما حوله من طبيعة حلوة عشقها:
هوذا النحل خارجـا من قفيره
يرتدي الشمس حلة من بريق
سكب الغاب في أغاني طيوره
نغمة من طنينه الموسيقـــي [4]
يبدو أن الحب و الطبيعة لدي الشاعر ينبعان عن منبع واحد حيث هما في بعض الأحيان جزءان لاينفكان عن بعضهما، و يجمع فيهما السعادة و الرخاء، فالشاعر يتحدث عن جمال هذه الطبيعة و عن طيورها و مزارعها و حدائقها:
نحن الحــان الجنان
نملأ الدنيـــا أغانـي
في الفراديس و فينـا
أعيب الحــب روان
ريشنا من عسجد من
أرجوان مــن جمان [5]
يعتقد إلياس أبوشبكة أن الزارع هو الفيلسوف الكبير الذي انصرف عن الناس و الاجتماع الی الطبيعة الطيبة الطاهرة، و يري أن عيش الزارع هو العيش الحقيقي، فيتصفه بالسعيد، لأنه بعيد عن جنس البشر و بعيد عن جنس الكذب و الشرور و الفساد و بعيد عن كل ما يخالف الفطرة و الجبلة الطاهرة النقية:
زارع الحقل في البكور
عيشك الدهر أخضر
أنت في هيكل الزهـور
فيلسوف مفـــــكر
يابعيدا عــــن البشـر
أنت لا تعرف الشرور
تعرف الماء و الحجــر
و الأعاصير و الزهـور [6]
و الحقيقة أن الطبيعة ليست مجرد ظاهرة شعرية تبلورت عند الشاعر، بل هي حقيقة تسرّبت في كافة عناصر حياة الشاعر و مراحلها، اذ أن إلياس أبي شبكة يحب الطبيعة اللبنانية و قضي فيها طفولته و شبابه، و غني فيها أغنيات الحب و الجمال، و هذا هو السبب أن الشاعر يشعر بالسعادة اذا كان في أحضان الطبيعة:
القمح في أعدالنـا
و الزيت في قلالنا
و التين في السلال
و كلها حــــلال
من جبالنــــــا. [7]
فاللجوء الي الطبيعة في وجهة نظر الشاعر ليس للتخلص من مشاكل الفرد فحسب و انما من مشاكل المجتمع اللبناني و آحاد افراده أيضا، و يعتقد الشاعر أن تلك المشاكل نجمت عن نمو الصنعة، و لهذا يجنّب عما يبعد المجتمع عن خلوصه و نقائه لدرجة أنه كان يخالف أن يكون في بيته الكهرباء و يفضّل أن يستخدم الشمعة التي كانت تذوب قطرات بدلاً من الكهرباء:
أرجع لنا ما كان يا دهر في لبنان
كانت لنـــــا أحلامنا و المنی
و كان صفو الزمـان
أرجع الينا الصاج
و الجرن و المنهاج
و خصبنا في الربي
ونورنا في السراج
و استرجع الكهرباء
يا دهر أرجع لنـا
ما كان في لبنـان [8]
فالشاعر يبحث عن حقيقة الانسان المفقودة، تلك الحقيقة التي شحبت وجهها اللامع المدينة و مظاهرها الصناعية، ولهذا يستغرب الشاعر أمام طبيعة القرية و جمالها المفتون! و هذا يدل علي محبة الشاعر ببساطة الحياة في الريف و كراهيته لما في المدينة من المادية و اللااخلاقية.
و في وطنه لبنان يقول:
لبنان أغني كنوز الأرض ما تهب
علي ثراك الندي في شمسك الذهب
ماقيمة المال و الدنيا اذا انكمشت
هذي السهول وشحت هذه الهضــب
علي أديمك روح الله ما نزلـت
الاعليك ففي أعماقك الكتــــــب
و يختم قصيدته هذه قائلا:
لبنان أولك الدنيا و آخــرك
الدنيا و بعــــدك لاأفق ولاشهب
يبدو أبوشبكة في ديوانه الألحان رجلاً يعادي الصناعة و مظاهرها المتفشية و هو يحارب المدنية، لأنها تهدد النفوس و الانسانية، و يفتخر بالزراع و الزارعين حيث يقول:
سيد النجل الحقيـر
أنت للناس سيد
من ذراعيك للفقير
حبة القمح تولـد [9]
فحب الشاعر الی الطبيعة و جمالها لاينحصر في ذلك، بل ان هذا الحب يشتمل علي كافة احجار مولده و جميع طيوره و نباته الخ، فمثلا لاينسي الشاعر الفلاح الغادي الي الوادي واصوات الطيور الحلوة، و لاينسي نشاط هذا الفلاح يحمل معوله و رفشه ليعمل من اجل مواسم معطاءة:
ارجع الي الوادي
فلاحــه الغـادي
وطيره الشــادي
والرفش و المعولا
والمـوسم المقبـلا [10]
فالقرية و الطبيعة هما تسوقان الانسان نحو الله، و لهذا يري أبوشبكة أن الحب القروي ملئه الوفاء و الحياء و الطهارة، وهو عين الحب بالانسانية كما أن هذا الحب بريء من الشهوة و المكيدة ! و الحاصل أن جنوح الشاعر الي الطبيعة يدل علي أن الشاعر يبتغي السعادة في موج من المصائب و المضايقات، و هو يريد بذلك النقاء و الطهارة لكي يصبح هذا الرجل القروي الذي كان في القديم!


عنوان المقال:الطبیعة فی شعر إلیاس أبی شبکة
Title: nature Elias Abou Shabaka,s poetre

Department of Arabic Language and Literature, Karaj Branch, Islamic Azad University, Karaj, Iran

الأستاذ المشرف : الدکتور حسن شوندی بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
و الأستاذ المشرف المساعد :الدکتور فرهاد دیوسالار بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
الطالبة: فرزانة فروغي، خریجة في مرحلة ماجستیر بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج، إیران


[1أبوشبکة، إلیاس،الأعمال الشعریة الکاملة، ديوان القيثارة، قصيدة مابعد منتصف الليل، ص 61.

[2المصدر نفسه، ديوان الألحان، قصيدة الحصادون، ص 344.

[3ديوان الألحان، قصيدة الحصادون، ص 344.

[4بقاعي، ايمان يوسف، إلياس أبوشبكة و الفردوس المشتهي، ص 111.

[5المصدر نفسه، قصيدة الحان الطيور، ص 355.

[6المصدرالسابق، قصيدة الفلاح، ص 360.

[7الأعمال الشعرية الكاملة، ديوان أفاعي الفردوس، ص 291.

[8الأعمال الشعرية الكاملة، ديوان الألحان، قصيدة الحان القرية، ص 353.

[9المصدرالسابق، قصيدة الفلاح، ص 359.

[10بقاعي، ايمان يوسف، إلياس أبوشبكة و الفردوس المشتهي، ص 109.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى