الجمعة ٢٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم فراس حج محمد

أما زلنا في دائرة شارلي أبيدو؟!

لماذا تحوز شارلي أبيدو كل هذا الصيت السيئ والسمعة غير الطيبة، وهي لم تكن أول من سخر من المسلمين وعقائدهم ومن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام؟ ألم يسبقها قائمة طويلة من الساخرين المنتقدين منذ زمن طويل بدءا بالشعوبية غير العربية وانتهاء بالحرب الحضارية بين الإسلام والغرب؟! ألم يكن هناك كتّاب مسلمون أيضاً سخروا من الإسلام ومن بعض عقائده وأفكاره وألفّت كتب كثيرة في ذلك، وثارت حولها الكثير من المعمعات الصحفية والفكرية والمحاكمات الجنائية ودعاوى الردة والقتل والتطليق والنفي والطرد إلى خارج الوطن بصورة أو بأخرى؟ ولن تنتهي تلك القائمة فهي دائماً مرشحة للزيادة وليدخلها الكثيرون من طالبي حق اللجوء إلى الشهرة واستدرار العطف الأجنبي، متمترسين حول ذلك الحصن البليد المدعو "حرية التعبير"، بينما لم نجد تلك المعمعة وذلك الإقبال على التهجم أو انتقاد عقائد وثنية أو مسيحية أو يهودية أو حتى مجرد أفكار جنسية أو جندرية أو ما شابه. فقط لا تثور تلك العاصفة إلا عند انتقاد الإسلام والمسلمين.

لا أدري لماذا يفضل هؤلاء أن ينتقدوا الإسلام وعقائده تحديدا دون غيره من المعتقدات؟ أيخشون من اتهامهم بمعاداة السامية إن انتقدوا اليهود أو بالشوفينية إن انتقدوا النساء، كما قال ذلك وزير الخارجية الفلندي بعد الاعتداء على شارلي أبيدو: "إذا سخرتَ من السّود فهيَ عُنصرية، وإذا سخرتَ من النساء فإنّها الشوفينية، وإذا سخرتَ من اليهود فهيَ مُعاداةُ السّامية، أمّا إذا سخرتَ من الإسلام فتلكَ هيَ حُريةُ التعبير"!

يبدو أن الدافع الحقيقي لانتقاد المسلمين وعقائدهم هو نوع من التعبير عن الحقد التاريخي تجاه الإسلام والمسلمين، إذ لا يفتأ الإعلام بكل صوره من تغذية هذا الحقد، وقد صاحبه وساعد عليه عدة عوامل منها ما هو واقعي ومنها ما هو تاريخي، إذ إن أكثر المناطق توجسا من الإسلام هي أوروبا بعد أن دخلت في صراع مع الإسلام لفترات طويلة من تاريخها القديم، وخاضت حروبا متعددة مع الدولة العثمانية، ووجود تلك الأرضية الخصبة لمعادة الإسلام الذي ينظر إليه على أنه دين تسلط وتجبر واحتلال، كما يتبنى ذلك العديد من المفكرين المحسوبين على الأمة العربية أو الإسلامية ويروجون له، وقد ساهم هؤلاء أيضاً بتغذية تلك الفوبيا من الإسلام السياسي الذي يخشى من عودته وإعادة احتلال أوروبا من جديد. وخلق واقع سياسي مختلف، وتبدل مراكز القوى، وقد تعاضد هذا مع ما تنتجه التيارات المتطرفة من عمليات وما يصاحبها من فكر تدميري وشمولي يكتسح العالم أو ينوي أن يصبغ العالم بصبغته ويصوغ العالم صياغة عولمية جديدة، كما هي الآن مصوغة صياغة ليبرالية علمانية واقتصادية رأسمالية استعمارية لا تبقي ولا تذر!

ومن هنا يمكن أن تكون المرحلة الداعشية المعاصرة وما يجنده العالم من إمكانيات لهذه الحرب قد ساهم بشكل أو بآخر أن تحوز شارلي أبيدو كل ذلك الوميض الإعلامي المبهر، وجعلها تقترب من أن تكون ظاهرة أو أيقونة أو شهيدة شاهدة على جانب من جوانب الحرب ضد تلك الفوبيا الساكنة في أعصاب وفكر كل أوروبي مهما ادعى أنه ديمقراطي وإنساني ومحب للإسلام والمسلمين، إن الحقيقة الصامدة والصادمة كذلك هو أن المزاج الأوروبي الشعبي حاليا يشبه إلى حد بعيد مزاج الأوربيين في فترة الحروب الصليبية إذ جندهم البابا في ذلك الوقت لمحاربة الكفار من المحمديين الذي يستولون على قبر المسيح ويمنعون الحجاج من الحج، إنها الفكرة نفسها وإن لبست لباسا غير ديني، وابتعدت عن الحج والمسيح إلا أنها ابتدعت قوانينها الخاصة احتراما للعصر والعولمة والاقتصاد المفتوح، وكل ذلك ما هو إلا قشرة لثمرة خبيثة واحدة هي الحرب وليس غيرها، وهي الحاسم الوحيد في تعديل موازين القوى، إذ لا منطق يفرض غيره في العلاقات البشرية الدولية على مر العصور، والأحداث المعاصرة تثبت ذلك، ولم تكن شارلي أبيدو سوى محرض ودليل استفزازي لتعميق فكرة متأصلة في الوعي أبعد من حادث إرهابي في مدينة باريس!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى