السبت ٧ آذار (مارس) ٢٠١٥

‫‏رقصة‬ ‏في‬ ‫‏الضباب‬

‫محمد‬ ‫‏يوسف‬

تُحرك بعض همهمات الزمن ماءه الهادئ ليمر عليه بعض الألم، يشق جرحه، ومن ثم يلتئم سريعاً عائداً لاستكانته... ليهب الهدوء لذلك العالم بداخله ... خيط صنارته يتدلى في مياه بحره، يشق صمته، مر وقت طويل لم يعلق به أي سمكة، يسحبه، يلقمه بطعم، يعيده مرة أخرى، لا يتذكر كم بقى على تلك الحالة؟ في الماء مرت أمامه قاطرة تجر عزيزاً عليه ... إنها تلك المعدية القديمة ،تطفو معها ذكريات، لاتفارق خياله حتى وان رحل عنها بزمن ممتد، لم يكن يأساً من عودة تلك اللحظات، لم تتبدل ملامحها سوى من بعض الرتوش والتجاعيد التي تزيدها بهاءً .... نعم إنها هي ( بور فؤاد 1) بصعوبة قرأ أسمها والذي اختفي بين صدأ الزمن... لونها الأخضر إختلطت ألوانه ويكاد يسيطر عليه لون بني، عالق بها بعض طحالب خضراء متمسكة بجدرانها.... لا يمكن أن ينسى كيف كان يركض بدراجته حتى يلحق بها؛ فقد تأخر كعادته عن مدرسته على الجانب الآخر... تتصاعد أنفاسه... يستقر ويرتاح قليلا... تلحفه نسمات قادمة من ذلك البحر الواسع والذي لا يبعد عن (قناله )سوى خطوات... يقرأ جريدته الصباحية كعادته والتي يقتطع ثمنها من مصروفه القليل ،ينظر لصفحاتها ،يغلبه نُعاس ينقصه، يعود لصحيفته ،تختلط الكلمات بصفحة الماء ... لا يتركها إلا حين يراها بمريولها الأزرق، تتهادى في رقة النسيم المداعب لليلها المنسدل في جديلتين يجمعان شرقه بغربه ويمتزج عندهما البحران عينان بلون عميق الماء، محاطة بكوكبة من صديقاتها، تتفحصها عيناه ،وتلاحقها ،لا يهتم كونها لا تبالي به ؛فهي له حلم نابض بالحياة، يراها بوضوح رغم الضباب المحيط بالمعدية من كل مكان ، القلق يتسرب في النفوس خوفا ان تشرد المركب ويبتلعها البحر الكبير، الضباب يزداد أُفولا ويتوارى وجهها خلف البخار المتصاعد من أفواه الجميع ،ينشغل بعض الصغار بالعزف والطبل على جدار المعدية ليتحول الجميع من حالة خوف إلى حالة أخرى ويعم الضحك المكان ... الحماسة تأخذ إحدى البنات لتدخل الدائرة وترقص ، اتسعت الدائرة حتى كادت تملأ جوانب المركب ، الضحك مستمر ،قبطانها يطلق نفيراً ليحذر القادمين بإتجاهه ،الكل مطمئن لإبتسامة القبطان، حبيبته تقف في ركن مع زميلاتها تتمايل دون أن تحرك قدميها، تجرأ وإقتحم دائرتها الصغيرة، مد يده، العجيب أنها أسلمت يدها إليه ... غير مصدق نفسه، تركها لبرهة وأخذ يدور،ويدور، يهبط،ويعلو... يدق صدره بيديه كطرزان منتصر، لازالت يدها ممدودة ، يلتقطها ،يضع كفه الأخرى على خصرها .. تفاجئوه بصفعة على خده ظنه الجميع رقصاً... استمر في الرقص ... تمايلت المركب ومعها ترنح الجميع عدا هو و سقطت بين ذراعيه .. اصطدمت المعدية بجسم ما،أفاقوا على إنقشاع الضباب، وصلوا الناحية الأخرى من الشاطئ ... ركب دراجته وكأنها تطير فقد كان على كرسيها الخلفي ما تمناه .. تُمسك بخصره، وصنارته بها سمكة ليست كمثلهن

‫محمد‬ ‫‏يوسف‬

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى