الخميس ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٥
بقلم جميل السلحوت

وحيد تاجا والرواية الفلسطينية ...

حوارات نقدية

لا غنى لكلّ طالب أو باحث مهتم بالإنتاج الأدبي في فلسطين أن يعود إلى كتاب "الرّواية الفلسطينية ... حوارات نقدية" للكاتب السوري وحيد تاجا، والذي لمّ شمل عدد كبير من الكتاب الفلسطينيين بين دفتي كتابه الذي يقع في 510 صفحات من القطع الكبير. فقد ضم الكتاب حوارات نقدية مع أربعة وثلاثين كاتبا وناقدا فلسطينيا خاصة أولئك الذين برعوا في الر واية والقصص القصيرة وأدب الأطفال.

وقد قدم وليد تاجا تعريفا لكل كاتب، حيث أعطى لمحة عن حياته، وأهم منجزاته الأدبية. وقد حاور المؤلف عددا من الكتّاب وكذلك الكاتبات، وركز على الرّواية، لكنه حاور أيضا كتاب القصص القصيرة أو الذين جمعوا بين الفنّين. وخصص قسما خاصا للكتّاب الذين ألفوا في أدب الأطفال وأعطاه أهمية كبرى. ثمّ أنهى كتابه بالحديث إلى بعض النقاد الذين أعطوا رأيهم بالأدب الفلسطيني والكتّاب الفلسطينيين، وأجابوا عن بعض الأسئلة التي أجاب عنها الأدباء، مما مزج وجهات نظر الكتّاب مع وجهات نظر النقّاد، وسهّل المقارنة بينها عند البحث في المواضيع المطروحة.

وقد حاور المؤلف الأدباء الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، سواء كانوا داخل فلسطين أو في القدس والضفة الغربية أو غزة، وكذلك الكتّاب من فلسطين المحتلة عام 1948. وهذا يعطي الفرصة للباحث في استطلاع آراء الكتّاب الفلسطينيين الذين يعيشون تحت ظل الاحتلال ويكتوون بناره، وأولئك الذين ينتظرون العودة إلى الوطن، فيستطيع أن يعقد مقارنة علمية بين أدبهم ونظرتهم إلى الأمور، ومدى التوافق والاختلاف في وجهات نظرهم ومعالجتهم للمشكلات التي تلمّ بوطنهم، خاصة وأنهم يعيشون في بيئات مختلفة، والكاتب في النهاية هو ابن بيئته، وإن كان الهمّ الفلسطينيّ يجمعهم ويوحد رؤيتهم باتجاه فلسطين وقضاياها الكبرى.

إن المطالع للحوارات التي أجراها الأستاذ وليد تاجا مع الكتّاب، يلحظ الذكاء الفائق في طرح الأسئلة، التي تنوعت حسب الأديب، واستطاعت أن تجعل الأدباء يُبدون آراءهم في مختلف المسائل التي قد تشغل بال الباحث، الذي يحاول أن يدرس مؤلفاتهم. ونلحظ أيضا ونتعجب من سعة اطّلاع المؤلف وعمق ثقافته، حيث كانت أسئلته تنمّ عن معرفته التامة بجميع مؤلفات الأدباء الذين حاورهم، وعلى عمق قراءاته في كتبهم التي قرأها وقارن بينها، واكتشف خفاياها ومرامي كتّابها، واطلع على الكتابات النقدية التي قيلت فيها والأبحاث التي تناولتها.

نستطيع تصنيف الأسئلة التي طرحا المؤلف إلى فئتين: أسئلة مكررة طرحها على معظم الأدباء وأراد منها الوصول إلى وجهات نظر الكتّاب الفلسطينيين في هذه القضايا، واجتماعهم أو اختلافهم عليها، فنراه يعاود السؤال نفسه لأغلبية الكتّاب الذين قابلهم. والفئة الأخرى، هي الأسئلة الخاصة التي كان يسألها لكل كاتب، فيما يخصّ مؤلفاته ووجهات نظره في القضايا التي طرحها في كتاباته، ولم يكررها عند مقابلة كاتب آخر، وذلك ليجليَ الأمور على حقيقتها، بعيدا عن التأويلات الشخصية وآراء القرّاء والنقاد فيها.

أعتقد أن المؤلف قصد من أسئلته من الفئة الأولى أن يوضح رأي الكتّاب في عدة قضايا من أهمها:
أولا: نظرة الكتّاب الفلسطينيين إلى "الآخر" أي الصهاينة وموقفه منهم في كتاباته.

ثانيا: رأي الكتّاب الفلسطينيين في الكتّاب اليهود الذين يتحدثون عن التعايش مع العرب، ومدى إخلاصهم في هذا الطرح.
ثالثا: الفرق بين الأدب الفلسطيني الذي ينتجه الكتّاب الفلسطينيون الذين يعيشون داخل فلسطين وذاك الذي يكتبه الأدباء الذين يعيشون في الشتات، والفرق بين الأدباء الذين يقطنون المناطق التي احتلت عام 1967 وأولئك الذين يقطنون في المناطق الفلسطينية التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية عام 1948.

رابعا: استخدام اللهجات المحلية في الحوار في الأدب الفلسطيني وموقف الكتّاب من ذلك.
خامسا: أدب السجون، وهل استطاع أن يعطي صورة حقيقية وافية عن معاناة الأسرى والأسيرات وتضحياتهم.
سادسا: دور المرأة في الأدب الفلسطيني، وكذلك صورتها في هذا الأدب.

سابعا: رأي الكتّاب الفلسطينيين في التطبيع الثقافي والعلاقة مع "الإسرائليين".

نلحظ اتفاق معظم الكتاب على أن الروايات الصهيونية التي تدعو إلى التعايش مع العرب ما هي إلا تجميل لوجه "إسرائيل"، لكنهم اختلفوا في طريقة طرح "الآخر" في الرّواية الفلسطينية وموضوع التطبيع والتعامل الثقافي مع الصهاينة.
فالحوارات التي أجراها المؤلف وحيد تاجا أبرزت الرّوح المشتركة التي تجمع الكتّاب الفلسطينيين، فقضية فلسطين تجمعهم ولا يستطيعون أن يخرجوا من تحت عباءتها، لكنها أظهرت أيضا المناحي المختلفة التي يتجهون إليها، وإن كانوا يحومون حول هذه الروح الواحدة. وقد أظهرت أيضا نقاط القوة في الأدب الفلسطيني، ونقاط الضعف، وأبرزت المواضيع التي لم يعطها الأدباء الفلسطينيون حقها وتحتاج إلى المزيد من الجهد.

وأخيرا فإن المؤلف قد أتاح لنا الفرصة للاستماع إلى الكتّاب مباشرة والتعرف عليهم، ليس من خلال شخصيات رواياتهم وقصصهم، والتي وإن كانت تعكس رؤيتهم للأمور أحيانا، لكنها لا تعطينا صورة مكتملة عنهم. لذلك فإن هذا الكتاب هو عمل مهم جدّا في مجال البحث في الأدب الفلسطيني، ولا غنى لأي باحث في هذا المجال عن اقتنائه والإفادة منه.

حوارات نقدية

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى